بدأت الشبهات تحوم حول أصول أهالي هذه البلدة الاوروبية منذ القدم وذلك لاختلاف مظهرهم عن المظهر الصيني الشائع، فهم يتمتعون بعيون زرقاء أو خضراء وأونوف طويلة وشعور فاتحة اللون، وبنهاية المطاف أكد تحليل الصبغة الوراثية أن 56% من أهالي البلدة من أصول أوروبية.
ويعتقد هؤلاء أنهم أحفاد جنود رومانيين ساقتهم أقدارهم في قديم الزمان إلى الصين حيث استوطنوا وتوارثوا ملامحهم الأوروبية حتى أيامنا هذه.
ويقول رئيس مركز الدراسات الإيطالية في جامعة لانتشو بمقاطعة غان سو إن بلدة "ليتسيان" تقع بمحاذاة ما كان يعرف بطريق الحرير العظيم، مشيرا إلى أن علماء الآثار يجرون عمليات تنقيب في هذه المنطقة بحثا عن أدلة على اتصال الصين القديمة بالإمبراطورية الرومانية.
ويرجح تقرير نشرته صحيفة "The Daily Telegraph" أن يكون جنود رومانيون استقروا في هذه المنطقة في القرن الأول قبل الميلاد، وذلك استنادا إلى واقعة معركة "قرهاي" بين جيش البارثيين القادمين من إيران وفيلق روماني بقيادة ماركوس ليسينيوس كراسوس عام 53 قبل الميلاد.
جرت أحداث هذه المعركة في منطقة حران التركية حاليا قرب الحدود مع سوريا، وانتهت بهزيمة قاسية للرومان حيث قتل الآلاف من جنودهم كما أُعدم قائدهم كراسوس وتمكن البارثيون الفرس من وقف زحف الرومان نحو الشرق.
وتقول الصحيفة البريطانية في تقريرها إن جنودا رومانيين يقدر عددهم بـ 145 شخصا تمكنوا من الإفلات من الإعدام والأسر وساروا نحو الشرق هربا من أعدائهم.
وخدم هؤلاء الجنود الفارون شعب الهون وشاركوا معه في معركة ضد الصينيين في عام 36 قبل الميلاد حيث تم أسرهم.
وتذكر الوثائق التاريخية الصينية واقعة أسر جنود من تشكيل عسكري يشبه مظهره الخارجي السمكة، ما يرجح أن يكون الحديث يدور عن كتيبة تابعة لفيلق روماني بحسب الوصف.
وكان هومر دابس أستاذ التاريخ الصيني في أوكسفورد في خمسينيات القرن الماضي دفع بهذا الاحتمال مشيرا إلى أن الصينيين أطلقوا سراح هؤلاء الأسرى لاحقا واستقر بهم المقام في سهول غرب البلاد حيث أسسوا بلدة "ليتسيان".
وبالمقابل، رأى خبراء آخرون أنه ليس بالضرورة أن يكون سكان هذه البلدة من الرومان ولعلهم من الهون الذي كان من بينهم أوروبيون.
ويساند هذا الرأي أستاذ علم الأجناس البشرية في الجامعة الإيطالية ماوريتسيو بتيني، مشددا على ضرورة العثور على أدلة مادية مثل النقود أو قطع السلاح التي استعملها الجنود الرومانيون لتأكيد رواية الفيلق الضائع وإلا ستبقى هذه القصة مجرد أسطورة.
ولم يعثر المنقبون المختصون حتى الآن على أدلة قاطعة عدا اكتشاف قبر لشخص يبلغ طوله 180 سنتيمترا، ما زاد من ترجيح احتمال وصول جنود رومانيين إلى هذه البقاع.
وعلى الرغم من أن المشوار لا يزال طويلا للكشف عن هوية هؤلاء السكان الصينيين ذوي العيون الملونة والشعور الفاتحة إلا أن أصلهم الأوروبي لم يعد محل جدال وتبقى المهمة الآن الإجابة عن السؤال: هل أتوا من صلب جنود رومانيين أم هون، أم أنهم أحفاد تجار أوروبيين ساروا على طريق الحرير في غابر الأزمان وانقطعت بهم السبل في سهول غرب الصين؟
م. الطاهر