ويشي تزامن تلويح إيطاليا بعمل عسكري في ليبيا لمحاربة "داعش"، وتأكيد واشنطن أنها تبحث خيارات عسكرية لمنع توسع التنظيم الإرهابي في ليبيا ودول أخرى، يشي باقتراب موعد تدخل غربي عسكري.
وتكشف تصريحات وزيرة الدفاع الإيطالية روبرتا بينوتي أن الدول الغربية حسمت أمرها بالتدخل، وذلك بغض النظر عن نجاح الليبيين في تشكيل حكومة وفاق كان المفترض أن تبصر النور بموجب اتفاق الصخيرات برعاية الأمم المتحدة؛ وتدعو الغرب إلى التدخل لمحاربة "داعش" حتى في حال إخفاق الليبيين في تشكيل حكومة موحدة قريبا.
ويبدو عامل الوقت مهما؛ فالوزيرة الإيطالية قالت في مقابلة مع صحيفة "كورييري ديلا سيرا" إنه: "لا يمكننا تصور أن يبقى الوضع في ليبيا على ما هو عليه مع مضي الوقت". وقبل ذلك صرحت بينوتي بأنه لا يجوز انتظار حلول الربيع إزاء هذا الوضع.
وتكشف التصريحات الصادرة من واشنطن عن توافق مع إيطاليا وعدد من البلدان الأوروبية على ضرورة الإسراع بتدخل عسكري ضد "داعش" في الأراضي الليبية لمنعه من التوسع في منطقة شمال إفريقيا، بعدما رسخ التنظيم وجوده في سرت واقترب من حقول نفطية مهمة.
التدخل العسكري الغربي سيكون الثاني في ليبيا في غضون خمس سنوات. وبعيدا عن الأسباب التي ما زالت تتكشف حول الاستعجال الغربي لإسقاط نظام الزعيم معمر القذافي في 2011، فإن أهداف التدخل الحالي هي محاربة "داعش". ويبدو أن التنسيق الواضح مع واشنطن يتلافى العقبات اللوجستية والنقص في الطائرات والمعدات التي عطلت بداية التدخل الأول في ليبيا.
ولا يستطيع الغرب إثبات نواياه بالتدخل في ليبيا على أنها رغبة جدية بإنهاء خطر "داعش" في أقصر وقت ممكن على المجتمعات العربية وحتى على خريطة بلدان المنطقة لسبيين: الأول أن تجربة 18 شهرا من التدخل في العراق وسوريا ساهمت، حسب تقارير كثيرة، في تقوية "داعش" وتوطينه عبر تبني تكتيكات واستراتيجيات جديدة في مناطق سيطرته، وذلك رغم الحديث عن تقلص مساحات "دولة التنظيم" الإرهابي بنسبة تصل إلى الثلث؛ والثاني أن إنهاء "داعش" في ليبيا، على أهميته، لن يكون عصا سحرية لحل مشكلات بقايا جماهيرية الزعيم الليبي الراحل، فالخلافات الجهوية والقبلية، والتدخلات الإقليمية والدولية لها اليد الطولى في إدامة الصراع وتأجيجه.
وواضح أن التدخل الغربي يهدف أساسا إلى عدة نقاط أهمها - محاربة الهجرة غير الشرعية عبر المتوسط، وتأثيراتها السياسية والاجتماعية على القارة العجوز.
ويتوقع خبراء أن يصل نحو 1.5 مليون لاجئ إلى أوروبا في العام الحالي، وأن تتضاعف الهجرة بـ"قوارب الموت" من ليبيا بعد ربيع العام الحالي لأسباب عدة أهمها؛ الاتفاق الأوروبي التركي الذي يُتوقع أن يحد من الهجرة عبر بحر إيجة إلى اليونان. وبنفس القدر من الأهمية، فإن أوروبا معنية بالمحافظة على أمنها عبر منع "داعش" من التوطن في ليبيا، والانتشار إلى بلدان شمال إفريقيا وجنوب الصحراء، وعدم تأمين قواعد للإرهاب قرب حدودها الجنوبية.
ومن المرجح ألا يكون الغرب مكترثا بمحاربة "داعش" إذا استمر نشاطه في داخل حدود البلدان العربية ولم يشكل خطرا على عواصم العالم ومدنه، وما يدلل على ذلك هو التلكؤ في محاربة "داعش" في سوريا والعراق.
ويبدو أن صانعي القرار في الغرب لا يريدون التعلم من التجارب السابقة للتدخلات الفاشلة في ليبيا نفسها وفي الصومال والعراق وأفغانستان ومالي.
فمحاربة الإرهاب في القارة العجوز تبدأ من تحصين البيت الداخلي بمنع أسباب التطرف، وحل مشكلات اندماج الشباب في بلدان المهجر على الصعيد الداخلي؛ أما على الصعيد الخارجي فبالعمل الجدي على دعم المجتمعات العربية وبلدان الجنوب على إرساء الديمقراطية فيها، والمساعدة في تطوير اقتصاداتها بدلا من سياسة المساعدات، وأخيرا عدم فرض قيادات عليها تأتي على متن دبابات غربية أو انقلابية.
وقد يكون هدف التلويح بتسريع التدخل العسكري الوشيك الضغط على الأطراف الليبية للتوافق على حكومة واحدة تنهي الانقسام السياسي في البلاد؛ لكن أي تدخل عسكري، حتى لو كان بموافقة الحكومة الجديدة، كما يرى مراقبون، لن يقلل كثيرا من احتمالات إذكاء "الدعاية الجهادية" في ليبيا وغيرها ما دام العالم قاصرا عن صوغ استراتيجية أمنية واقتصادية واجتماعية شاملة لمحاربة الإرهاب، والحّد من التطرف، والكف عن سياسة التجريب والكيل بمكيالين المتبعة في الشرق الأوسط.
ومن المؤكد أن القضاء على "داعش" عسكريا لن يجعل أوروبا أكثر أمنا؛ فـ"داعش" ليس سوى اسم في قائمة تنظيمات إرهابية أخرى برزت أو ستبرز مستقبلا في حال عدم استيعاب دروس أسباب الإرهاب، ووسائل محاربته الجدية.
سامر الياس
(المقالة تعبر عن رأي الكاتب)