بيد أن السفير الأمريكي ريتشارد ميلز في يريفان، في اليوم التالي، وفي كلمة مطولة له أمام أعضاء غرفة الصناعة والتجارة الأرمينية- الأمريكية، أكد أن عضوية أرمينيا في الاتحاد الاقتصادي الأوراسي ومعاهدة الأمن الجماعي يجب أن لا تحول دون إقامة أرمينيا علاقات وثيقة ومتبادلة المنفعة مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ومجلس أوروبا والشركاء الآخرين المحتملين.
وكان ميلز، الذي يتدخل في كل كبيرة وصغيرة، صرح في السادس عشر من سبتمبر/أيلول الماضي، لراديو الحرية الأمريكي، الذي يبث باللغة الأرمينية، بأن: "الفساد يعوق ليس تطور البلاد وحسب، بل ويشكل خطرا على أمنها القومي، إذ إنه يفسح الطريق أمام القوى الخارجية لقيادة البلاد" (دون أن يفصح من هي هذه القوى).
يجب القول إن اهتمام واشنطن بما يجري في أرمينيا قد ازداد بعد الثالث من سبتمبر/أيلول عام 2013، حيث كان من المتوقع أن تقوم يريفان، عضو رابطة الشراكة الشرقية، بتوقيع اتفاقية الشراكة الانتسابية مع الاتحاد الأوروبي، لكنها أعربت بدلا من ذلك عن نيتها الانضمام إلى الاتحاد الجمركي.
وخلف ريتشارد ميلز مطلع هذا العام في أرمينيا السفير جورج هيفيرن، الذي أوحى لرئيس الوزراء آنذاك تيغران سركيسيان بإجراء إصلاحات لنظام التقاعد مخالفة للدستور، ما أصبح سببا لاندلاع حملات احتجاج، مولتها المنظمات الأوروبية غير الحكومية، في يونيو/حزيران عام 2014، وأدت في نهاية الأمر إلى استقالة الحكومة، التي أصبح رئيسها سفيرا لأرمينيا في الولايات المتحدة.
ولكن السفير الأمريكي الحالي أكثر حذاقة، إذ إنه كان يزود النواب الأرمينيين ورجال المعارضة والصحافة منذ أبريل/نيسان الماضي بمعلومات استفزازية حول طلب شركة "شبكات الطاقة الأرمينية"، التي يُعد رأسمالها روسيًا بالكامل، من الحكومة رفع تعريفة الكهرباء، بنسبة 40.8 بالمئة الأمر، الذي استفز المواطنين ضد حكومتهم وضد موسكو، متجاهلين أن محطة نهر فوروتان الهيدروليكية الكهربائية، التي تزود شركة "راو يه إس" بالطاقة، أصبحت هذا العام ملكا للشركات الأمريكية
: Contour Global Hydro Cascade, Contour Global Terra Holdings и CG Solutions Global Holding Company.، وأن هذه الشركات هي، التي رفعت الأسعار لـ"شبكات الطاقة الأرمينية" بنسبة 30 في المئة، وذلك ليس من دون إيحاء من ميلز، وليس من دون إيعاز من مساعدة وزير الخارجية الأمريكي فيكتوريا نولاند، التي زارت يريفان في شهر فبراير/شباط الماضي.
وذلك ما دفع الناشطين في التاسع عشر من يونيو/حزيران الماضي، إلى تنظيم إضراب غير كبير بالجلوس في وسط يريفان، ثم أخذ عدد المحتجين يرتفع بوتيرة متنامية.. وعندما فضت الشرطة الاعتصام في الـ 23 من الشهر ذاته بمدافع المياه والهراوات واعتقلت 250 منهم، استؤنفت الاحتجاجات في اليوم التالي بتصاعد لا يصدَّق.
إذ خرج في البداية 10 آلاف متظاهر إلى الشوارع، ليصل عددهم بعد ذلك إلى ثلاثين ألفا أقفلوا شارعين رئيسين في يريفان.
لكن ميلز لا يكل ولا يمل، ويهوى النظام في كل شيء، ولا سيما مع اقتراب موعد تنظيم الأحزاب المعارضة والمنظمات الاجتماعية والحركات المدنية حملات عصيان مدني واحتجاج في الأول من ديسمبر/كانون الأول المقبل ضد استفتاء تنوي السلطات إجراءه لتعديل الدستور في السادس من الشهر المقبل، ليس لإلغاء السلطات الاستفتاء وحسب، بل ولتقديم استقالتها.
ووفق معلومات موقع "أخبار أرمينيا" باللغة الروسية، سيجري توحيد حراك المعارضة تحت إشراف "الناشط المحترف" دافيد ساناساريان، والسبب (كما يقول الموقع) هو زيارته للسفارة الأمريكية في يريفان في أغسطس/آب ثلاث مرات على الأقل.
حبيب فوعاني