وبموجب الاتفاق يقدم الاتحاد الأوروبي مساعدات مالية بقيمة 3 مليار يورو لتركيا، مقابل استعداد الأخيرة لاستقبال المزيد من اللاجئين وتوفير المزيد من التعليم والعمل لهم، ومراقبة حدودها.
كما قبل الاتحاد الأوروبي تسريع المفاوضات بشأن تسهيل منح تأشيرات دخول للرعايا الأتراك الذين يريدون السفر إلى الاتحاد الأوروبي مقابل تعاون أفضل مع تركيا من أجل القضاء على تدفق اللاجئين.
ويخضع الاتفاق إلى مراقبة أوروبية شديدة لمدى التزام الحكومة التركية بمعاييره، وأي تراجع تركي سيقابل بتراجع أوروبي أيضا.
وتحاول ألمانيا التي تعاني من ارتفاع في وتيرة الهجرة إليها، تقديم تسهيلات أكثر للأتراك، حيث وافقت الشهر الماضي على إعداد قائمة "الدول الآمنة" التي لا يحق لمواطنيها عادة الحصول على حق اللجوء، وهو ما كانت تطالب به أنقرة دائما، ذلك أن وضع تركيا في قائمة "الدول الآمنة" يجعل التعاطي مع المواطنين الأتراك الراغبين بالدخول إلى الاتحاد الأوروبي مختلفا عن الدول غير الآمنة.
يشكل هذا الاتفاق من وجهة نظر أوروبية، انتهاء مرحلة الاستثمار السياسي التركي لورقة اللاجئين السوريين، التي استخدمتها أنقرة طوال العامين الماضيين للضغط على أوروبا، لدفعها نحو مزيد من المواقف المتشددة حيال الأزمة السورية، ومصير الأسد منها.
فقبول تركيا بالاتفاق يعني إدراك صناع القرار الأتراك أن ورقة اللاجئين لم تعد لها أي قيمة سياسية في أوروبا التي رفضت الانجرار وراء أنقرة في مواقفها حيال الأزمة السورية، لا سيما المنطقة الآمنة شمالي سوريا، على الرغم من أن الأوروبيين وفي خطوة دبلوماسية أبدوا حسن نية عبر قبول بحث إقامة "منطقة آمنة" كان يطالب بها منذ فترة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
الأزمة السورية
تفاهم دول الاتحاد الأوروبي على سبل حل أزمة اللاجئين، لم يمتد إلى المستوى السياسي لمعالجة الأزمة السورية، إذ أن الخلافات ما تزال قائمة بين الأعضاء حيال طبيعة المرحلة الانتقالية ومصير الأسد.
وعكف الدبلوماسيون على العمل مساء أمس على التوصل إلى حل وسط بين الدول الداعية لرحيل الرئيس السوري فورا، والدول الأخرى التي أبدت استعدادها لقبول انتقال مرن للسلطة في سوريا.
ثمة إجماع بين الدول الأعضاء على أن الأسد لن يكون جزءا من حكومة مستقبلية في سوريا، لكن كيفية صياغة ذلك على وجه التحديد مازال موضع خلاف لا سيما بين الدول الرئيسية الثلاثة: فرنسا أكثر المواقف الأوروبية تشددا تطالب برحيل الأسد فورا، وفيما تتفق لندن مع باريس إزاء مصير الأسد في عدم الاستمرار بحكم سوريا، إلا أنها أبدت مرونة في لهجتها حيال توقيت وطريقة رحيله، أما ألمانيا فتدعو إلى إشراك الأسد في مفاوضات التسوية.
هذه الخلافات بين الدول الثلاث يمكن تعميمها على باقي الدول الأوروبية، ولما كانت آلية التصويت تتم بالإجماع، جاء الموقف الأوروبي في البيان الختامي لقمة القادة حيال الأزمة السورية عاما، وضمن فقرة صغيرة هامشية، ما يمكن وصفه بتوافق الحد الأدنى، وهو أن الأسد لا مكان له في مستقبل سوريا، وهي فقرة فضفاضة لا يمكن ترجمتها سياسيا على أرض الواقع.
بدأت العواصم الأوروبية في الآونة الأخيرة تميل إلى الطرح الروسي، فالأولوية الآن ليست للترف السياسي، وإنما لوقف الإرهاب والمعاناة الإنسانية التي تخطت الحدود الجغرافية السورية، وتوصل الأوروبيون إلى قناعة أن محاربة تنظيم "داعش" تتطلب حضورا عسكريا على الأرض.
ولما كانت الدول الأوروبية الكبرى غير قادرة على القيام بعمليات عسكرية برية خارج حدودها، من دون غطاء أميركي، فقد وجدت في التدخل العسكري الروسي فرصة لا تعوض لإلحاق هزيمة بـ "داعش"، بعدما فشل التحالف الدولي، طوال عام، في تحقيق إنجاز عسكري مهم، وليس أدل على ذلك مما أعلنته المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، بداية أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، أن الحرب المستمرة في سوريا يمكن إنهاؤها فقط بمساعدة روسيا.
وهذا ما يفسر أن البيان الختامي لقادة الاتحاد الأوروبي لم يعترض على العملية العسكرية الروسية في سوريا من حيث المبدأ، بل اكتفى بتوجيه دعوة إلى موسكو بالكف عن "استهداف المعارضة المعتدلة"، حسب زعمهم.
حسين محمد