ورجح كامبل، في تصريحاته لصحيفة "واشنطن بوست"، الأحد 24 مايو/أيار الحالي، أن تقيم الولايات المتحدة والحلف قاعدة عسكرية دائمة في العاصمة كابل.
الجنرال جون كامبل رأي أن إقامة مقر للناتو في أفغانستان سيصب في تنسيق الجهود الرامية لتوزيع المساعدات بين السكان وتوريدات المعدات العسكرية وتقديم الاستشارات المتعلقة بالقضايا العسكرية والاستخباراتية. هذا على الرغم من أن قادة الولايات المتحدة والناتو أعلنوا أكثر من مرة أنهم نجحوا في أداء مهمتهم العسكرية في أفغانستان التي أصبحت أكثر أمنا. وكان التصريح الأخير بهذا الصدد على لسان الأمين العام للحلف ينس ستولتنبرغ، الذي أعلن مؤخرا في بروكسل أن "أفغانستان أصبحت أكثر أمنا وقوة، وقواتها قادرة بنفسها على المحافظة على الأمن والسلام في البلاد".
يذكر أيضا في هذا الصدد أن الرئيس الأمريكي باراك أوباما، بعد إعادة النظر في خططه، علق في مارس/آذار الماضي سحب قواته من أفغانستان، وأبقى حوالي 10 آلاف من الجنود والضباط الأمريكيين فيها قبل نهاية العام الحالي. جاءت هذه الخطوة بعد أن كان أوباما قد أعلن في وقت سابق، إن نصف العسكريين الأمريكيين الموجودين في أفغانستان، سيعودون إلى وطنهم قبل نهاية عام 2015، وأنهم لن يبقوا في أفغانستان بعد نهاية عام 2016، إلا على أراضي سفارة الولايات المتحدة في العاصمة كابل.
كل هذه التصريحات المتناقضة يفسرها مراقبون بطرق مختلفة. ولكن المثير للتساؤلات أن حلف الناتو لم يقدم تقريرا وافيا عن نتائج عملياته في أفغانستان. بينما تقارير الأمم المتحدة نفسها تؤكد فشل مهمة الناتو والولايات المتحدة، في حين يؤكد الحلف نجاحها.
لقد أعلن حلف الناتو أن المهمة القتالية لقوات الحلف في أفغانستان ستنتهي، وفقا لقرارات الحلف نفسه، في 31 ديسمبر 2014، مع الإبقاء على نحو 12 ألفا و500 جندي هناك لتدريب ودعم قوات الأمن الأفغانية. هذا الإعلان فتح الكثير من الجروح، وكشف عن مدى اختلاط المفاهيم، وتسويق جملة من الأفكار لإقناع الرأي العام العالمي بقداسة مهمة الحلف العسكري في أفغانستان.
بعد هذا الإعلان، رأي الكثير من المراقبين أن الناتو لن يغادر الأراضي الأفغانية، لأن مؤتمر لندن الدولي بشأن أفغانستان، الذي عقد في 4 ديسمر 2014، قرر تقديم مساعدات لأفغانستان بعد انسحاب القوات الأمريكية وقوات الناتو من هناك في مهمة جديدة - قديمة تحت اسم "الدعم القوي". وهي مهمة تتضمن تدريب القوات الأفغانية، وتقديم الاستشارات اللازمة لها، وهي أمور لم يتم الإعلان عن تكلفتها. ولكن الناتو مستعد لتخصيص حوالي 4 مليارات دولار لتغطية النفقات، حسب وسائل الإعلام الأمريكية.
وبالتالي، فمن الصعب الحديث عن أي تقدم بعد 14 عاما من غزو أفغانستان. هناك فقط اتساع في رقعة الأراضي المزروعة بالمخدرات. وبالتالي، زيادة في تجارة المخدرات. هناك أيضا تزايد في وتيرة الإرهاب، ما يوقع المزيد من الضحايا بين المدنيين الأفغان. إضافة إلى سقوط القتلى من القوات الأمريكية – الأطلسية.
وعلى سبيل المثال لا الحصر، فقد كشف تقرير لبعثة الأمم المتحدة أن عدد القتلى والجرحى من المدنيين في أفغانستان سجل رقما قياسيا عام 2014. ومقارنة مع عام 2013، فقد شهدت هذه السنة زيادة بنسبة 33% من حيث عدد القتلى والجرحى من الأطفال، وزيادة بنسبة 12% في عدد القتلى والجرحى من النساء. وازداد عدد القتلى بنسبة 19% بنهاية نوفمبر 2014، مقارنة مع عام 2013، حيث قتل 3188 مدنيا وأصيب 6429 آخرون. كما شهدت أعداد القتلى في صفوف قوات الأمن الأفغانية ارتفاعا، حيث قتل أكثر من 4600 من عناصر الأمن في الأشهر العشرة الأولى من عام 2014.
لقد أعلن رئيس بعثة الأمم المتحدة في أفغانستان نيكولاس هايسوم أن "سقوط ضحايا من المدنيين مأساوي بشكل خاص ويعد معيارا لفظاعة العنف، الذي يواجهه الأفغان العاديون". وكشف التقرير أن السبب الرئيسي للوفيات والإصابات هو القتال بين القوات الأفغانية والجماعات المسلحة والعبوات الناسفة المصنعة يدويا، محملا حركة طالبان المسؤولية عن مقتل 75% من المدنيين.
ومع كل ذلك، لا تزال المفاوضات جارية بين أجنحة في الإدارة الأمريكية وممثلين عن طالبان، عبر وسطاء أجانب. ووصلت المفاوضات إلى إنشاء ممثلية لطالبان في الدوحة لتسهيل الاتصالات.
وهناك سؤال يطرح نفسه: هل سيطلب الحلف من مجلس الأمن الدولي منحه تفويضا رسميا لتنفيذ هذه المهمة الجديدة في أفغانستان؟
بعض الأطراف الدولية ترى أنه من الأفضل أن يحصل الناتو على مثل هذا التفويض، لأنه يشكل تعزيزا لجهود المجتمع الدولي في أفغانستان. ذلك لأن هذا التفويض يشكل في عدد من دول الناتو شرطا أساسيا للحصول على موافقة البرلمان. لكن المدهش أن ممثل الحلف في أفغانستان موريتس يواكيم يؤكد على عدم وجود رأي موحد بهذا الشأن بين أعضاء الحلف، ويرى أنه من الناحية القانونية، فالحصول على تفويض مجلس الأمن الدولي ليس إلزاميا للقيام بمهمة تدريب، حيث تكفي الاتفاقية الأفغانية – الأمريكية الأمنية، والاتفاقية مع الناتو بشأن وضع القوات. كما أن القيادة الأفغانية الجديدة لا تعتبر تفويض مجلس الأمن الدولي أمرا ضروريا في هذه الحالة، لأنها تعتقد أن من حقها دعوة من تشاء. ولكن في الوقت نفسه هناك أعضاء في الحلف يعتقدون أنه من الأفضل الحصول على التفويض الدولي.
وعلى الرغم مع إعلان كل من الولايات المتحدة والناتو بشأن الإبقاء على تواجدهما في أفغانستان، تتفاقم الأوضاع هناك بصورة مثيرة للدهشة. فقد أفادت مصادر في الجيش الأفغاني، في 25 مايو/ أيار الحالي، بأن 20 شخصا على الأقل قتلوا في اشتباكات بين مسلحي تنظيم "داعش" وحركة "طالبان". ونقلت وكالة "خامه برس" الأفغانية، عن المتحدث باسم الجيش حنيف رضائي أن المواجهات تستمر منذ الليلة الماضية في ولاية فراه بغرب أفغانستان على الحدود مع إيران. وأن عناصر "طالبان" ألقوا القبض على 12 عنصرا من "داعش"، بما في ذلك 4 نساء.
وفي نفس اليوم، هز تفجير ضخم مدينة قلات مركز ولاية زابل جنوب أفغانستان في هجوم انتحاري أدى إلى سقوط 4 قتلى وأكثر من 60 جريحا، معظمهم من المدنيين، كما ذكرت قناة "تولو" الأفغانية. وتبنت حركة "طالبان" مسؤولية الهجوم مباشرة بعد وقوعه.
تقارير أمنية وعسكرية تتحدث عن قيام الناتو بزعامة الولايات المتحدة بمحاولات تجميد الأزمة الأفغانية وتحويلها إلى ورقة للمساومة والتهديد، وخاصة في ظل الأزمة الجديدة بين روسيا والغرب، ووجود أفغانستان بالقرب من روسيا، وأيضا من حدود طاجيكستان عضو منظمة معاهدة الأمن الجماعي التي تضم روسيا وكازاخستان وأرمينيا وقرغيزستان وبيلاروس.