جاء ذلك في مستهل اجتماع وزراء خارجية دول الناتو في مدينة أنطاليا التركية اليوم الأربعاء، والذي سيناقش فيه أيضا وزراء خارجية الدول الأعضاء في الحلف دعم الحلف لوحدة الأراضي الأوكرانية ومساعدة كييف في مكافحة الفساد، وسياسة موسكو تجاه كييف، ويشارك في اللقاء وزير الخارجية الأوكراني بافيل كليمكين على الرغم من أن أوكرانيا ليست عضوا في الناتو.
قال ممثل الحلف، خلال مؤتمر صحفي في أنطاليا، الثلاثاء 12 مايو/ أيار الحالي، إنه خلال اجتماع لجنة "أوكرانيا - الناتو" في إطار لقاء وزراء خارجية الدول الأعضاء في الحلف، ينوي الوزراء التأكيد بشكل خاص على قضيتين، الأولى، مدى قوة مظاهر دعم الحلف لاستقلال أوكرانيا ووحدة أراضيها، والثانية، تكمن في قلق أعضاء الحلف إزاء مواصلة العدوان الروسي على أوكرانيا واستمرار التأييد الروسي للانفصاليين في منطقة دونباس عن طريق تسليحهم وتدريبهم.
وفيما يتعلق بخطط الناتو لإعادة النظر في علاقاته مع روسيا، قال ممثل الحلف إن برنامج تعاون الناتو مع روسيا قد تم تجميده، غير أن إمكانية الحوار السياسي تبقى واردة، وأشار إلى نية الحلف تبني بيان بنتائج الاجتماع، وخاصة فيما يتعلق بدعم الناتو لأوكرانيا في إنعاش البنية التحتية لمناطق في شرق البلاد، والتي دمرت أثناء النزاع، بالإضافة إلى تقديم المساعدة الطبية وتدريب العسكريين الأوكرانيين. وكذلك رصد موقف الحلف في مساعدة كييف على مكافحة الفساد.
هذه التصريحات صدرت من ممثل حلف الناتو الذي تقوده الولات المتحدة في نفس الوقت الذي كان وزير الخارجية الأمريكي جون كيري يجري مباحثات في مدينة سوتشي الروسية مع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، واستقبله الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بعد ذلك.
تختلف التقييمات بشأن مباحثات كيري في سوتشي، فبعض المراقبين يرونها خطوة جيدة في ظل الجمود الذي أصاب العلاقات الروسية – الأمريكية في السنوات الأخيرة، والبعض الآخر يراها بداية لخطوات أخرى على الرغم من عدم حدوث اختراقات ملموسة في المواقف من القضايا العالقة بين موسكو وواشنطن، وهناك طرف يرى أن الولايات المتحدة وضعت نفسها في عدة مآزق بإشعال العديد من بؤر التوتر، وهي الآن بحاجة إلى مساعدة روسيا، ولكنهم يحذرون من مواقف واشنطن المتقلبة، ويذكِّرون بالماضي غير البعيد حينما تحتاج واشنطن إلى مساعدة موسكو ثم تنقلب عليها، أو تستخف بمصالحها.
المثير للتساؤلات أن وزير الخارجية الأمريكي جون كيري أعلن في ختام المباحثات اتفاق الولايات المتحدة في عدد من القضايا مع روسيا، وضرورة إيجاد سبل لتسوية العديد من الأزمات القائمة، وعلى رأسها أوكرانيا وسوريا واليمن وليبيا وأفغانستان، لكن المراقبين يرون أن واشنطن تعتمد سياسة الأمر الواقع، بمعنى أنه "لنبدأ معا، ومن هذه النقطة بالذات، التعاون، بصرف النظر عما حدث أو جرى خلال الفترة الماضية".
الأمر الآخر الذي يثير تساؤلات المراقبين ليس فقط ما أعلنه حلف الناتو بخصوص أوكرانيا وتمسكه بموقفه إزاء سياسة روسيا، بل التناقض الواضح بين ما أعلنه كيري من اتفاق إدارته مع مواقف الكرملين، وبين موقف الحلف الذي تقوده واشنطن على أرض الواقع.
لقد أعلن الأمين العام لحلف الناتو ينس ستولتنبرغ، الاثنين 11 مايو/أيار الحالي، أن وزراء خارجية دول الحلف سيبحثون اليوم الأربعاء أيضا توطيد الشراكة الطويلة الأمد بين الناتو وأفغانستان، وقال "سنناقش يومي 13 و14 من مايو/ أيار الجاري سبل الحفاظ على تواجدنا في أفغانستان حتى في أعقاب اكتمال بعثتنا الحالية للمساعدة وإرساء الأمن هناك"، وأشار إلى أن أي قرار رسمي بشأن مدة بعثة "إيساف" لم يتخذ، إلا أنه على الحلفاء في الناتو أن يأخذوا بعين الاعتبار تصريحات الولايات المتحدة بشأن نيتها إنهاء المشاركة فيها أواخر عام 2016. واستدرك قائلا "إن القرار النهائي بشأن كيفية الشراكة مع أفغانستان، سيتم اتخاذه خلال قمة الحلف في وارسوا العام المقبل"، مشيرا إلى أن تمويل قوات الأمن الأفغانية يعتبر جزءا مهما للتعاون مع كابل، موضحا أنها أثبتت فاعليتها، إلا أنها تكبدت خسائر على خلفية الوضع الصعب هناك.
النقطة الأخرى، تدور حول إعلان كييف أن الشق المتعلق بإنشاء منطقة تجارة حرة من اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي سوف يدخل حيز التنفيذ بشكل كامل اعتبارا من بداية العام المقبل 2016. وقال وزير التنمية الاقتصادية والتجارة الأوكراني آيواراس آبروماويتشوس يوم الثلاثاء 12 مايو/أيار، إن "شركاءنا الأوروبيين يجتمعون على رأي مفاده أن منطقة التجارة الحرة يجب أن تدخل حيز التنفيذ بدءا من 1 يناير/كانون الثاني 2016 على الرغم من رفض روسيا تأجيل عملية تحرير التجارة".
يذكر أن المنتجات الأوكرانية تتمتع بميزة خاصة في السوق الروسية، إذ يتم إعفاؤها من الرسوم الجمركية حال تصديرها إلى روسيا، في الوقت الذي تتطلع كييف إلى إنشاء منطقة تجارة حرة مع الاتحاد الأوروبي الأمر الذي قد يؤدي إلى تدفق البضائع الأوروبية إلى السوق الروسية بصورة غير شرعية عبر أوكرانيا الأمرالذي قد يضر بالاقتصاد الروسي، والمعروف أن اتفاقية الشراكة بين أوكرانيا والاتحاد الأوروبي دخلت حيز التنفيذ بتاريخ 1 نوفمبر/تشرين الثاني 2014 باستثناء الشق الاقتصادي الذي يتعلق بإنشاء منطقة تجارة حرة بين الجانبين، وينص هذا الاتفاق على أن تستمر أوكرانيا حتى أوائل 2016 في تطبيق قواعد التجارة المتبعة في رابطة الدول المستقلة مع إعفاء كييف من الرسوم الجمركية على بعض منتجاتها المصدرة إلى الاتحاد الأوروبي وخضوع الصادرات من الاتحاد الأوروبي إلى أوكرانيا للرسوم الجمركية كالمعتاد.
كل ذلك إضافة إلى قيام الاتحاد الأوروبي بضخ مبالغ هائلة في الاقتصاد الأوكراني الذي يقع على حافة الإفلاس، فأواكرانيا تتطلع إلى استلام الشريحة التالية من مساعدات صندوق النقد الدولي والتي يبلغ حجمها 1.7 مليار دولار.
والمعروف أن مجلس إدارة صندوق النقد الدولي صادق في شهر مارس/اَذار الماضي على برنامج مدته أربع سنوات لتقديم مساعدات مالية لأوكرانيا بنحو 17.5 مليار دولار في إطار برنامج دولي عام تبلغ قيمته 40 مليار دولار، وحصلت كييف على الشريحة الأولى منه بمقدار 5 مليارات دولار فقط منتصف شهر مارس/اَذار الماضي، ومن المقرر أن تحصل خلال العام الحالي على نحو 10 مليارات دولار أخرى، ومع ذلك يظل الاقتصاد الأوكراني على حافة الخطر بسبب السياسات الاقتصادية لمجموعة الليبراليين الجدد في كييف، والحرب التي تشنها السلطات الأوكرانية على مدن وأقاليم جنوب وشرق البلاد.
كل ذلك يجري في نفس الوقت الذي يأتي فيه كيري إلى موسكو ليعلن أن واشنطن متفقة معها في العديد من القضايا، ما يدفع المراقبين إلى تساؤل بسيط: ماذا تريد الولايات المتحدة من تلك المناورات، ولماذا تأتي اليوم إلى روسيا لتعلن اتفاقها معها، وهي التي لا تزال تواصل فرض العقوبات أحادية الجانب، وتدفع أوروبا إلى زيادة ميزانيات الدفاع لمواجهة روسيا، وتشعل سوريا وليبيا واليمن في حروب أهلية، وتحاول التملص من نتائج سياساتها في أفغانستان، وتسعى إلى توريط أوكرانيا بجرها نحو الناتو والاتحاد الأوروبي؟!