وتشكل زيارة كيري للصومال سابقة تاريخية إذ أن هذا البلد يشهد حربا أهلية مستمرة منذ بداية تسعينات القرن العشرين، إضافة إلى أن الولايات المتحدة تحرص على أداء دورها ووجودها بشكل أقل بروزا عما كان عليه الحال في التسعينات، عندما سحلت جثث الجنود الأمريكيين في شوارع مقديشو، وبالتالي لم يكن غريبا أن يصل كيري إلى مطار العاصمة ويدخل على الفور في سلسلة اجتماعات تشمل الرئيس الصومالي حسان شيخ محمود ورئيس وزرائه عبد الرشيد علي شرماكي وحكام الأقاليم داخل منطقة المطار المحاط بجدار من الأكياس الرملية بارتفاع سبعة أقدام.
مسؤولون في الخارجية الأمريكية، قالوا إن زيارة كيري توجه رسالة قوية إلى حركة "شباب المجاهدين" الصومالية المتطرفة، وتؤكد أن الولايات المتحدة لا تدير ظهرها لشعب الصومال، وستواصل التزاماتها نحو الدولة الصومالية إلى حين إنزال الهزيمة بالإرهاب.
إن تصريحات كيري، وإن لم تعكس أهداف الزيارة بشكل مباشر، إلا أنها عكست مقدمات تحول كبير في نظرة واشنطن لدول القرن الأفريقي، فوزير الخارجية الأمريكي أشار إلى أن "الوضع في الصومال أصبح طبيعيا، إذ أن طرقات العاصمة باتت تشهد اختناقا مروريا"، وأنه "قد تم تحقيق تقدم كبير أسهم فيه الجميع لمعالجة المشكلات من خلال التقاسم المناسب للمسؤوليات"، أي ببساطة الأمور جيدة كما تراها واشنطن، وبالتالي، يمكن تكليفكم بمهام أخرى.
وزير الخارجية الأمريكي أشار إلى أن أكثر من 450 ألف لاجئ صومالي في كينيا ينتظرون العودة إلى ديارهم، مشيرا إلى أن هذا الأمر يمثل تحديا لكينيا والحل هو أن يكونوا قادرين على العودة إلى الوطن حيث السلام والأمان، وفي الحقيقة، فكيري وصل إلى الصومال قادما من كينيا، حيث أجرى لقاء مع الرئيس الكيني أوهورو كينياتا، تمحور حول مكافحة الإرهاب في القرن الأفريقي واستئصال حركة "الشباب" الصومالية والوضع في جنوب السودان إضافة إلى سبل تعزيز العلاقات الثنائية.
ومن الصومال توجه إلى جيبوتي في أول زيارة من نوعها لوزير خارجية أمريكي تعكس تنامي العلاقات الأمريكية الجيبوتية، وبصرف النظر عن لقاء المسؤول الأمريكي مع الرئيس الجيبوتي إسماعيل عمر جيله، ووزير الخارجية محمود علي يوسف، فقد قام بزيارة تفقدية لقاعدة "ليمونييه" الأمريكية المتمركزة في جيبوتي منذ عام 2003 في إطار مناهضة الإرهاب في منطقة القرن الأفريقي، علما أن جيبوتي هي مقر منظمة "إيغاد" التي تكافح النزاعات والأزمات التي تعاني منها المنطقة، وخاصة جنوب السودان والصومال، والمعروف أيضا أن جيبوتي والولايات المتحدة توصلتا في مايو/أيار 2014 إلى اتفاق يسمح للقوات الأمريكية باستخدام قاعدة "ليمونييه" لمدة 20 عاما تم التوقيع عليه من قبل الرئيسين إسماعيل عمر جيله وباراك أوباما.
تحرك أمريكي في أفريقيا، يركز على دول القرن الأفريقي، بدأ من كينيا وانتهى في جيبوتي، ليتوجه بعد ذلك إلى السعودية التي تقود التحالف العربي للحرب في اليمن، ومن المعروف أن نحو 350 يمنيا لجؤوا في 16 أبريل/نيسان الماضي إلى مخيم "أوبوك" المؤقت في جنوب جيبوتي التابع للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين UNHCR، وجيبوتي، من جهة أخرى، أصبحت ملجأ كبيرا لليمنيين، إذ أقيم مخيم "أوبوك" هذا بشكل مؤقت ليكون نقطة عبور مؤقتة للاجئين الهاربين من الصراع في اليمن ليتم فيما بعد نقلهم إلى مخيم أقيم مؤخرا في شمال جيبوتي، كما تقدم المفوضية السامية وشركاؤها المساعدات الأساسية مع توقعات صادرة عن هيئات إنسانية بتوافد عشرات الآلاف الهاربين من اليمن خلال الأشهر المقبلة، وفي نفس السياق تقريبا، لا يمكن أن نتجاهل المشاركة المفاجئة للسنغال التي قامت في 4 مايو/أيار الجاري، بإرسال 2100 جندي إلى السعودية للمشاركة في القتال الدائر في اليمن.
في ضوء المشاركة السنغالية، ووجود القاعدة الأمريكية في جيبوتي، وتجهيز الأخيرة أيضا لتصبح ملجأ كبيرا لليمنيين، يصبح من الواضح أن الولايات المتحدة تسعى بشكل من الأشكال لستخدام القوات الأفريقية في الحرب على اليمن وفي مهمات أخرى، وذلك بالاتفاق مع السعودية ودول الخليج الأخرى، وهناك سيناريو آخر قد يكون شبيها بسيناريو "التحالف العربي"، وهو تشكيل تحالف أفريقي بقوات أفريقية لتنفيذ مهام في شمال أفريقيا وبعض الدول الأخرى في القارة السمراء، بينما يجري الإبقاء على التحالف العربي كما هو للقيام بمهام أخرى، سواء في اليمن أو في غيره من الدول القريبة.