فقدت مصر والعالم العربي منذ ساعات الفنانة العظيمة شادية. لا يمكن القول إن هذا الخبر نزل كالصاعقة على محبي الفنانة، سيما في ظل أنباء تحدثت عن إصابتها بوعكة صحية.. ولكنه حتما كان خبرا صادما لكل هؤلاء من المحيط إلى الخليج.
عند الحديث عن شادية يصعب القول.. هل هي مغنية أم ممثلة، فهي فنانة شاملة في الغناء والتمثيل، جمعت بين الأغنية الخفيفة والأغنية الرومانسية.. وكذلك الوطنية. وهو ما يمكن قوله أيضا عن شادية الممثلة التي تألقت في الكوميديا والدراما.. لموهبتها النادرة أن تشعرك أنها والدتك وشقيقتك، ابنتك وابنة الجيران.. زوجتك وحبيبتك في لحظة أو لحظات.
من لا يتذكر أغنيتها مع سيدة الشاشة العربية فاتن حمامة "آلو آلو إحنا هنا"؟ على الرغم من أن هذه الأغنية من الأغاني الخفيفة حتى أنك تبتسم لا شعوريا وأنت تسمعها، إلا أنها صارت من كلاسيكيات الفن العربي.. فكم أغنية عربية "خفيفة" الآن يمكن أن تتحول ذات يوم إلى عمل فني يمكن أن يتذكره الناس بعد خمس سنوات على الأقل؟
شاء القدر ألا تُرزق شادية بأطفال. ولكنها كانت رائعة في أداء دور الأم وفي أداء أغنية الأم، "سيد الحبايب"، التي قد تكون أشهر وأروع أغنية عربية تعبّر عمّا تكنه كل أم لابنها.
يتذكر المشاهد العربي الفنانة الراحلة بالكثير من أغانيها المميزة وبصوتها الحنون، بالإضافة إلى أدوارها المتعددة التي أدتها أمام أساطين الفن السابع في العالم العربي.
وقد يكون فيلم "شيء من الخوف" من أوائل الأعمال الفنية، التي تحمل اسم شادية، والتي تتبادر إلى الأذهان، حيث أدت دور "فؤادة" التي تحدت "عتريس"، العملاق محمود مرسي، بأن فتحت "الهويس" لتسقي الأرض.. فأنقذت سكان القرية البائسين الذين حمدوا الله، ربما لأنهم لن يتحملوا مسؤولية فتح الهويس، وهم على بعد خطوات منه، فألقوا بـ "الجرم" على كتفي "فؤادة" الصغيرين.. إلا أنهم انتفضوا في آخر المطاف وصرخوا بأعلى صوتهم بعبارة تعتبر من أشهر عبارات السينما العربية.. "جواز عتريس من فؤادة باطل".
الجدير بالذكر أن شادية عملت في السينما منذ فجرها، مع إبراهيم لاما، مخرج أول فيلم عربي طويل. وعلى الرغم من أن صورة شادية المشرقة، البنت الدلوعة، هي الصورة الأولى التي تراها حينما تسمع اسم شادية.. إلا أن الراحلة قدمت أعمالا تحمل رسائل في غاية الأهمية وإن كانت في قالب أفلام الكوميديا و"الشقاوة"، أشهرها فيلم "مراتي مدير عام"، أمام القديرين صلاح ذو الفقار وتوفيق الدقن، إذ يطرح هذا الفيلم قضية كانت غاية في الحساسية، وازدادت حساسية مع مرور الزمن في مجتمعنا الشرقي.
حينما اعتزلت شادية الفن وكرست حياتها للأعمال الخيرية صرحت: "لا أحب أن أقوم بدور الأمهات العجائز في الأفلام في المستقبل بعد أن تعوّد الناس أن يروني في دور البطلة الشابة، لا أحب أن يرى الناس التجاعيد في وجهي". ولكن شادية ظلت كما هي.. شادية الشابة الجميلة التي يشع وجهها نورا حتى بعد أن تقدم بها العمر.. فاحتفظت بلقبها "معبودة الجماهير" عن استحقاق.
لم تقف الفنانة شادية على خشبة المسرح سوى في مسرحية "ريا وسكينة"، التي تعد من أكثر المسرحيات شهرة في العالم العربي.. وحتى هنا فإن شادية حاضرة في الذاكرة من خلال دورها الذي أدته بقوة وتفاعل حقيقيين.. تجعلك تتعاطف مع بطلتها القاسية التي تصارحك في لحظة ضعف بأنها هي أيضا ضحية.
غابت شادية عن عالمنا. غالبا ما يُقال في حالات كهذه إن الفنان الذي يرحل عنا إنما يرحل بجسده ولكنه يظل خالدا في الذكرى. نعم هذا صحيح. ولكن رحيل شادية يُكسب هذه الكلمات المزيد من التأكيد على معانيها. غاب قمر شادية ولكن نورها سيظل مشرقا في قلوب كل محبيها.. وما أكثرهم...
علاء عمر