لكن حضورها الطاغي بإبداعها على مدار عقود يجعل تصديق الخبر عصيا.
لم يكن من قبيل الصدفة أن يبحث الشعب المصري عن مرادف لحب مصر أثناء كل الأحداث الوطنية والسياسية التي مرت بالبلاد في الأعوام السابقة، بما في ذلك "ثورتي" يناير 2011 ويونيو 2013 (على كل ما بينهما من اختلاف)، فلا يجد أمامه سوى شادية، كانت أغنية "يا حبيبتي يا مصر" تصدح في ميادين القاهرة، المؤيدة والمعارضة على حد سواء، على الرغم من اختلافاتهما السياسية، وكأن الفرقاء السياسيين اختلفوا في السياسة، واجتمعوا على شادية.
كذلك لم تجد القيادة المصرية سوى شادية كي تغني كلمات عبد الوهاب محمد وألحان جمال سلامة لأرض سيناء التي عادت، في 25 أبريل 1982، "سينا رجعت كاملة لينا، مصر اليوم في عيد"..
كانت شادية إحدى حسناوات السينما المصرية، ممن حباهن الله مواهب التمثيل والغناء والحركة والتعبير والحضور، لكنها اختلفت عن بنات جيلها، في عمق تجسيدها للأرض المصرية الخصبة، الولود، المعطاءة، لم تجسد شادية الفتاة/ المرأة المصرية البرجوازية والعاملة والطبيبة والمهندسة فحسب، بل نفذت إلى عمق المرأة المصرية في الريف والصعيد والصحراء، فكانت تعبيرا حقيقيا عن الشخصية المصرية بكل ما تجسده هذه الشخصية من ألوان وأطياف وتناقضات.. وهو ما مكنها من الوصول إلى جميع طبقات وأطياف الشعب.
لم يكن من قبيل الصدفة إذن أن ينتهي الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي من فعاليات مؤتمر الشباب في شرم الشيخ مطلع الشهر الحالي، فيهرع والسيدة حرمه لزيارة السيدة شادية، بينما كانت تعالج عقب وعكتها الصحية، فشادية بالنسبة له، وللمصرين، وبالنسبة للوعي المصري هي صوت مصر الصادق.. الحقيقي، الذي عبر عن مصر بكل أشكالها وفي كل مراحلها..
كانت شادية تكسو الكلمات والألحان التي تغنيها لحما ودما مصريا خالصا، فتستقر في أعماق إدراكنا الفني، وتعيش في الذاكرة السمعية والوجدانية لا في مصر وحدها، بل في العالم العربي بأسره، لذلك لم يكن من قبيل الصدفة أيضا أن تمتلك شادية قاعدة عريضة من المعجبين من كافة الأجيال في الوطن العربي بوصفها إحدى أهم الفنانات الشاملات في المنطقة.
لقد اختار المهندس الزراعي أحمد كمال شاكر لابنته اسم فاطمة، وعرفها العالم العربي فيما بعد باسم شادية. وبصرف النظر عما إذا كان من اختار لها الاسم الفني هو المنتج والمخرج حلمي رفلة بعدما قدمت معه فيلم "العقل في أجازة"، أو يوسف وهبي بعدما قدمت معه فيلمه "شادية الوادي" أو عبد الوارث عسر عندما سمع صوتها لأول مرة، وقال "إنها شادية الكلمات"، فقد وافت المنية يوم أمس السيدة فاطمة أحمد كمال شاكر، إلا أن شادية كانت وما زالت وستظل تحيا بيننا إلى الأبد.
محمد صالح