حنظلة: "محسوبك إنسان عربي وبس"!
جعل ناجي العلي رسوماته الساخرة بأسلوبها الصريح وشخصياتها و"حكاياتها" البسيطة في متناول الجميع، فيما أثارت صراحته الشديدة غضب الكثيرين، وعجلت برحيله المفاجئ قبل سن الخمسين.
حياة ناجي العلي مثل جميع أقرانه من أبناء جيله لا تبدأ بميلاده، بل بـ"نكبة" عام 1948، وبمغادرته القسرية بيته وقريته وبلاده في سن العاشرة مثل مئات الآلاف من الفلسطينيين الآخرين، هربا من هجمات القوات الإسرائيلية والمستعمرين الدموية التي حولت فلسطين إلى جحيم.
بدأ مشوار حياته الحقيقي في العاشرة، وفي هذه السن تحديدا ظهر فيما بعد على يديه "حنظلة"، الرمز الخالد الشاهد على المأساة الفلسطينية بجوانبها المتعددة وطريقها الطويل والشاق المعبد بالدماء والدموع والشقاء.
الشخصية الرئيسة في رسومه الساخرة التي تتميز بنقدها الشديد وصراحتها التي لا تعرف المحاملة "حنظلة". طفل بأسمال بالية في سن العاشرة ولا يكبر. توقف الزمن عنده عام 1948، وحمل اسم أكثر النباتات الصحراوية صمودا ومرارة وثباتا بجذوره العمية في الأرض.
من الشخصيات الرئيسة الأخرى في رسوم ناجي العلي التي يزيد عددها عن 40 ألف لوحة فنية، رجل نحيف بسيط يمثل الفلسطيني الصامد في وجه الظلم. هذه الشخصية ثائرة دائما على جميع أشكال المظالم مهما كان مصدرها، سواء من الغريب أو القريب.
تقابل هذه الشخصية أخرى لرجل متخم شديد السمنة، يمثل النخب والمسؤولين الفاسدين.
الشخصية الثالثة الرئيسة هي "فاطمة"، المرأة الفلسطينية الصلبة والصبورة. امرأة تقف بشموخ أمام المصائب ولا تهادن. هي رمز لفلسطين أرضا وشعبا وأصالة، وهي "تذكير دائم بدور المرأة الرئيس في الحفاظ على الهوية الوطنية".
تحدث النقاد كثيرا عن كاريكاتور ناجي العلي المتميز ومدرسته الخاصة، ورموزه وصدقه وعنفوانه وتمرده، لكنهم في الغالب رددوا تقريبا ما كتبه بنفسه وخاصة عن "حنظلة"، الطفل الصريح، حافي القدمين الذي يعطي ظهره للجميع عاقدا يديه خلف ظهره.
ناجي العلي جعل طفله المعجزة "حنظلة" يتكلم ويروي قصته بنفسه بلهجة بدوية: "أنا اسمي حنظلة اسم أبي مش ضروري، أمي اسمها نكبة.. نمرة رجلي ما بعرف لأني دائما حافي، ولدت في 5 حزيران سنة 1967، جنسيتي أنا مش فلسطيني.. مش أردني.. مش لبناني.. مش مصري مش حدا الخ... باختصار معيش هوية ولا ناوي اتجنس محسوبك إنسان عربي وبس".
حنظلة كما قرر ناجي العلي، "ولد في العاشرة من عمره وسيظل دائما في العاشرة، ففي ذلك السن غادرت الوطن، وحين يعود حنظلة سيكون بعده (لا يزال) في العاشرة، ثم سيأخذ في الكبر بعد ذلك".
هذا الفنان الفلسطيني أجاب على جميع الأسئلة تقريبا، حتى أن بعض النقاد عثر في رسومه الساخرة التي تركها مثل "وصية" ابدية، تنبؤات بالكثير من الأحداث والكوارث التي تعاقبت على المنطقة بعد اغتياله في عام 1987.
من بين الأسئلة التي ترك إجابة عنها، واحد يقول: "لماذا يظهر حنظلة متفرجا سلبيا مديرا ظهره وشابكل يديه"؟ ببساطة يجيب ناجي العلي قائلا عمن يطرحون هذا السؤال: "إنهم لا يستطيعون أن يروا الدموع المعلقة في عينيه".
من أوجه حنظلة، الرمز، أنه "شاهد العصر الذي لا يموت، الشاهد الذي دخل الحياة عنوة ولن يغادر أبد.. إنه الشاهد الأسطورة، وهذه الشخصية غير قابلة للموت، ولدت لتحيا، وتحدت لتستمر".
إجابات هذا الفنان الفلسطيني الكبير بالفعل تشبه التنبوءات. من ذلك قوله عن حنظلة: "هذا المخلوق الذي ابتدعته، لن ينتهي من بعدي بالتأكيد، وربما لا أبالغ إذا قلت إنني استمر به بعد موتي. أما لماذا يأخذ حنظلة دور الطفل، فالحقيقة أنها لمعت في ذهني صورة طفل. لأن الطفولة هي رمز الصدق والبراءة والحقيقة.. قصدته أن يكون حافي وشكله (مش ولابد). كان ذلك الطفل رمزا أتذكر فيه طفولتي في عين الحلوة.. قدمت حنظلة بشعر القنفذ لأن القنفذ يستعمل شعره أيضا كسلاح".
ذاق "حنظلة" طعم المرارة مجددا في الساعة الخامسة بعد ظهر 22 يوليو 1987، حين أطلق "مجهول" النار من مسدس كاتم للصوت على ناجي العلي فيما كان يسير إلى مقر عمله في صحيفة القبس الكويتية بجنوب غرب العاصمة البريطانية لندن.
أصيب برصاصتين واحدة في الرقبة وأخرى أسفل العين اليمنى، دخل إثرها في غيبوبة استمرت 37 يوما قبل أن تنتهي رحلته في المنافي ويتوفى ويتيتم "حنظلة" في الساعة الخامسة صباح يوم 30 أغسطس 1987 عن عمر ناهز 49 عاما.
لا يزال الطفل المعجزة "حنظلة" وفيا لناجي العلي، يتحدث إلى البسطاء من دون تكلف ويردد أمامهم نقده الجريء ولاءاته التي لا تنتهي لكل ألوان القبح والظلم والفساد.
ناجي العلي اختار من البداية أقصر الطرق إلى الحقيقة، وربما لذلك لم يعش طويلا وهو القائل: "لو ذوّبوا يدي بالأسيد سأرسم بأصابع رجلي".
المصدر: RT
إقرأ المزيد
ماذا لو بقي "قرنق" مهندسا زراعيا؟
من المفارقات التي تضادفنا أن حدثا أو موقفا قد يتعلق بشخص واحد يأتي في خضم ما، يغير في لحظات حاسمة مجرى التاريخ. هذا ما جرى للسودان في شخص الزعيم الجنوبي جون قرنق.
الشاهدة الروسية "أنهار" وقانون حمورابي بين إسرائيل وحزب الله
كانت الغارة الجوية الإسرائيلية على مبنى من ثلاثة طوابق في بلدة قانا اللبنانية في 30 يوليو 2006 التي قتل فيها 28 مدنيا بينهم 16 طفلا وفقد 13 آخرون، "جريمة" في طريق دموي طويل.
زياد الرحباني.. ماذا قال لهم؟ وماذا قالوا عنه؟
لا تستطيع العبارات التقليدية رسم صورة أقرب إلى الأصل لزياد رحباني، الذي يعد "ظاهرة" في كل شيء. حتى وفاته لا يكفها العزاء. لم تنقلب الدنيا، "هدير البوسطة" فقط ربما لبعض الوقت.
بث مباشر.. "حنظلة" تتجاوز موقع الاستيلاء على السفينة "مادلين" وأقل من 180 كم تفصلها عن غزة
وصلت سفينة "حنظلة" التابعة لتحالف أسطول الحرية والمتجهة إلى قطاع غزة لكسر الحصار الإسرائيلي إلى الموقع الذي تم فيه الاستيلاء على سفينة "مادلين"، على بُعد نحو 180 كلم من القطاع.
في سن الستين اكتشفت أن والدها "مجرم حرب" وبالصدفة
أصيبت الصحفية الألمانية المعروفة أنيغريت إيخورن بصدمة كبيرة وهي تتفحص مجموعة من الصور في معرض عن جرائم جيش ألمانيا النازية في الاتحاد السوفيتي. في إحدى الصور تعرفت على والدها.
ليلة اختفاء "النجوم الحمراء" من أبراج الكرملين!
تعرضت العاصمة السوفيتية موسكو ليلة 22 يوليو 1941 لغارة جوية عنيفة استمرت 5 ساعات، وكانت البداية لسلسلة غارات تواصلت لمدة خمس شهور.
سر الأسرار: "لا تخرج من سجنك مهما طال قبل أن تفكر 7 أيام"!
حين أبلغ بأن أبواب السجن ستفتح أمامه من دون قيد أو شرط بعد 27 عاما قضاها خلف الجدران، لم يهرول إلى الباب، بل طلب مهلة لمدة أسبوع. هذا ما فعله نيلسون مانديلا في 10 فبراير 1990.
السائح الجزائري بطل العرض العسكري في فرنسا!
وجد سائح عربي نفسه فجأة في بؤرة حدث خطير في 14 يوليو 2002. كان يشاهد في باريس العرض العسكري بمناسبة سقوط سجن الباستيل حين دوى طلق ناري بالقرب منه.
الفارس الذي مات وسيفه بيده!
يعرف الكثيرون "أبو عبد الله الصغير"، آخر ملوك الأندلس، وربما والدته عائشة وعبارتها الشهيرة "ابكِ كالنساءِ ملكا لم تدافع عنه كالرجال"، لكن قلة تعرف الفارس الأسطوري إبراهيم العطار.
التعليقات