يوم 16 فبراير 1923، دخل عالم الآثار البريطانية هوارد كارتر وفريقه الغرفة الأخيرة في المقبرة المنشية لأكثر من 3000 عام، وهناك عثروا على تابوت به ثلاثة توابيت متداخلة.
في التابوت الأخير المصنوع من الذهب الخالص كانت ترقد مومياء الملك توت عنخ آمون. انكب كارتر على جرد وفهرسة محتويات المقبرة وحُملت تحفها النادرة الضخمة إلى المتحف المصري في القاهرة، حيث لا تزال ماثلة تتسع لبريق روعتها أحداق الزوار في دهشة لا تنقطع.
مقبرة هذا الفرعون الذي يطلق عليه أحيانا اسم الفرعون الطفل فريدة بكل المقاييس، ولا تزال حتى الآن الوحيدة من نوعها، وتعد أهم اكتشاف في القرن العشرين، أظهرت بجلاء عظمة الحضارة المصرية القديمة وعبقريتها في دقة صنع المقتنيات الملكية النادرة التي حفظت بمقبرة، كانت بمثابة سفينة ينتقل الفروعون منها إلى الخلود.
تماثيل نقشت بمهارة أسطورية وأسرة ومقاعد وكرسي عرش مذهب، وعربتا خيل قتاليتين، وقناع من الذهب الخالص، وخنجر صنع من حجر نيزكي والكثير الكثير من المقتنيات الثمينة والنادرة التي دفت مع الفرعون المنسي قبل 3300 عام لتكون ذخيرته في عالم أبدي خالد، بحسب العقائد الدينية المصرية القديمة.
ما يزيد من أهمية هذا الاكتشاف الفريد أن جميع الظروف كانت ضد هذا الفرعون الصغير الذي ينتمي إلى الأسرة 18، والذي توفى عام 1327 قبل الميلاد تقريبا، ولم يتجاوز من العمر 17 أو 19 عاما.
كان توت عنخ أمون، كما أظهرت التحاليل الطبية، مصابا بالمرايا وبأمراض وراثية عصية، وكانت ساقه معطوبة، ولذلك عثر في مقبرته على 100 عكاز، كانت تعينه على المشي على الأرض ووضعت في مقبرته لتعينه على السير في السماء.
علاوة على ذلك، كانت مقبرته صغيرة ولا تشبه مثيلاتها بتاتا. ويرجح العلماء انها لم تُعد له خصيصا، بل إنها لوزيره "آي" الذي يعتقد أنه تنازل له عنها بسبب وفاته المفاجأة فيما استحوذ هو على المقبرة التي كانت أعدت لتوت عنخ أمون ودفن فيها بعد موته، وهي أكبر بكثير وأكثر مهابة.
مقبرة "آي" الذي تولى العرش بعد توت عنخ أمون، نهبت وفقدت محتوياتها، أما مقبرة توت عنخ امون المتواضعة فقد سلمت من معاول سارقي ثروات المقابر، فقد حجبتها صخور ورمال جرفتها السيول من أعالي الوادي القديم، وفي العصور اللاحقة تراكمت عليها أطنان من أتربة وصخور قبر ملاصق. وحين فتحت لأول مرة في فبراير 1923، كانت مختومة وسليمة كما تركت بعد الدفن قبل أكثر من 30 قرنا من الزمن.
متاعب توت عنخ أمون لم تنحصر في ذلك فقط، بل تعرض اسمه وآثاره إلى عملية محو منهجية بعد وفاته وحذف اسمه من بين فراعنة مصر، انتقاما من والده أخناتون، الذي أعلى من شأن الإله أتون، ووضع الأسس الأولى لعقيدة التوحيد، وحظر عبادة غيره من آلهة مصر القديمة العديدة.
هذا الحدث البارز في تاريخ الاكتشافات الأثرية المعاصرة يعود إلى نوفمبر 1922، حين كان عالم الآثار هوارد كارتر مع فريقه من العمال ينقبون بمنحدرات صخرية بوادي الملوك في جنوب مصر على الضفة اليمنى لنهر النيل بالقرب من الأقصر.
هوارد كارترن لم يكن ينقب بشكل عشوائي بل كان يبحث تحديدا عن قبر الفرعون الطفل، في مهمة مولها لأكثر من 5 سنوات اللورد كارنارفون. كان كارتر في مهمة تنقيب أخيرة بعد أن نفد صبر اللورد عقب أشهر طويلة غير مثمرة من عمليات البحث.
يوم 4 نوفمبر 1922، كان كارتر هو الآخر على حافة اليأس، حين أبلغ في الصباح الباكر بأن أحد عماله اكتشف عتبة درج في الصخور!
تواصل العمل المحموم على مدار اليوم، ورفعت الأتربة عن 16 عتبة من درج في الأرض بعمق 4 أمتار، وقابلهم ختم الفرعون توت عنخ أمون في بشارة بأن المقبرة لم تنتهك ولم تنهب.
منتهكو حرمات المقابر بحثا عن الكنوز الفرعونية، كما تشير بعض الآثار، وصلوا في العصور القديمة إلى المدخل لكن الحراس على ما يبدو أفسدوا خططهم، وبقيت المقبرة سليمة حتى القرن العشرين.
أمر كارتر عماله بإزالة التراب على ما حفر، وهرع يبشر راعية اللورد كارنارفون و"تهنأته" على الاكتشاف، طالبا منه الحضور لافتتاح المقبرة.
اللورد وصل إلى مصر، ودخل مع كارتر إلى غرف المقبرة الأربع. وعلى ضوء الشموع وبأنفاس متقطعة من وقع الدهشة والذهول، رأى الجمع لأول مرة لمعان كنز لا نظير لوعته. كنز مهيب يتكون من 5398 قطعة نادرة من إبداع الحضارة المصرية القديمة.
المصدر: RT