وشدد بريك الذي ترك منصب أمين المظالم في الجيش الإسرائيلي الأسبوع الجاري، بعد 53 عاما من الخدمة في وزارة الدفاع والجيش، في مقابلة طويلة نشرتها أمس صحيفة "هآرتس"، على أن الجيش الإسرائيلي يشهد أسوأ أزمة كوادر منذ عام 1965 ويعاني من انهيار الثقافة الإدارية وانخفاض مستوى وعي العسكريين.
وأشار الجنرال المتقاعد إلى أن هذا "الفيروس الخطير" يتطلب علاجا عاجلا، لافتا إلى أن الأسباب الثقافية تقف وراء إخفاقات تل أبيب العسكرية من حرب لبنان الثانية حتى حرب غزة عام 2014.
وقال الجنرال إن الجيش الإسرائيلي بمثابة أكبر شركة في البلاد تبلغ ميزانيتها السنوية 8.5 مليار دولار ويعمل فيها الألوف، مؤكدا غياب الإدارة المطلوبة لهذه الموارد ووجود عيوب خطيرة في هيكل القوات المسلحة، لا سيما الوحدات البرية.
وذكر المسؤول المتقاعد أن فحصا داخليا أجري قبل عامين كشف أن 15% فقط من الأوامر التي تصدر عن رئيس هيئة الأركان ونائبه تطبّق على الأرض بسبب النظام شديد التعقيد لتنفيذ الأوامر وغياب آلية للرقابة عليه.
وأشار إلى أن هذه العيوب أظهرت بكل وضوح أثناء استهداف حافلة للجيش بصاروخ قرب قطاع غزة منتصف نوفمبر الماضي، حيث لم ينفذ العسكريون الأوامر الصادرة على مستوى القيادة الإقليمية وقيادة الفرقة، ووصف بريك ذلك بأنه "فوضى مطلقة".
وحذر المسؤول من أن الجيش الإسرائيلي يعاني من غياب الشفافية والخوف من التحدث عن المشاكل القائمة، ولا تعرف القيادة العليا ما يجري داخل الوحدات العسكرية، منتقدا تقليص عدد الوظائف بين العسكريين المحترفين وتخفيض فترة الخدمة الإلزامية.
وشدد بريك على أن ما يقدمه الجيش من الاستعراضات للوزراء والكنيست حول وجود الكميات المطلوبة من قطع الغيار والأسلحة والأعتدة في مستودعاته بعد حرب غزة 2014 لا علاقة له بالواقع الحقيقي على الأرض، موضحا أن مختلف منظومات الأسلحة تعاني من نقص الصيانة اللازمة.
وأشار الجنرال المتقاعد إلى أن كثيرا من الوقت يهدر على فعاليات واجتماعات رسمية لا جدوى منها، وذلك على حساب تدريب العسكريين وتطوير التنسيق بين الجنود وقيادتهم، مضيفا أنه كشف أثناء زيارة إلى قاعدة في منطقة النقب أن العسكريين ليسوا مدربين على تنظيف وصيانة أسلحتهم.
وذكر أن إحدى أبرز المشاكل في الجيش تعود إلى قيادات الصف الثاني، حيث يعيش الضباط ترديا في مستوى الوعي ولا يريدون مواصلة الخدمة في الجيش بوضعه الحالي، محذرا: "بعد عام أو اثنين قد نصل إلى نقطة اللاعودة".
وخلص بريك إلى أن الجيش في وضعه الحالي ليس قادرا على التكيف مع التحديات المتغيرة في الشرق الأوسط، مشيرا إلى أن هذا الجيش مخصص لخوض حرب على جبهتين، هما غزة ولبنان، وتابع: "لكن ماذا سيحصل إذا تمت إعادة تشكيل الجيش السوري بعد أن فاجأ نظام الأسد الجميع وحقق انتصارا في الحرب الأهلية؟ من المحتمل أن نشاهد في غضون العامين المقبلين دبابات سورية تواجهنا في الجولان".
وقارن الجنرال الوضع الحالي للجيش الإسرائيلي بقصة سفينة "تيتانيك" الضخمة التي غرقت في المحيط الأطلسي في أبريل 1912، إذ قال: "هذا البلد يعيش على متن "تيتانيك.. الجميع سعداء في المطاعم والمقاهي ولا يريد أحد أن يسمع أخبارا سيئة حول وضع الجيش".
وشدد بريك، وهو من المحاربين القدامى في حرب أكتوبر، من حدة انتقاداته للمشاكل القائمة في الجيش ضمن تقريره السنوي الأخير الذي أصدره في شهر يونيو، محذرا من أن هذه المشاكل التنظيمية تؤثر سلبا على استعداد وحدات الجيش الإسرائيلي للحرب في قطاع غزة لكن بالدرجة الأولى عند الجبهة الشمالية.
واستدعى هذا التقرير قلقا ومعارضة في الأوساط الحكومية والعسكرية، لا سيما من قبل قائد هيئة الأركان العامة للجيش الجنرال غادي أيزنكوت، حيث بذل متحدثون ومستشارون وبعض الصحفيين الجهود من أجل التستر على الموضوع، لكن إصرار بريك أسفر عن تشكيل لجنتي تحقيق عسكريتين أقرتا بوجود قائمة طويلة من العيوب في الجيش.
المصدر: هآرتس