اندلعت الحروب عبر التاريخ لأسباب عدة، إما دفاعية، هجومية أو محركة، وهي إما أن تكون مواجهة مباشرة أو غير مباشرة. لكن في كل الحالات، الحرب ظاهرة ممزوجة بالعنف والعداء والدمار، وقد تقام لأهداف سياسية أو حتى عسكرية. الحروب إما أن تكون شاملة وطويلة أو محدودة وسريعة.
لطالما استحوذت الحرب على اهتمام الناس وخوفهم أيضا وذلك لوهرة حدوثها وعدد ضحاياها الهائل، ففي الحرب العالمية الثانية وحدها، قدر عدد الضحايا بين 60 و80 مليونا، لا يتوقف ضرر الحروب على الضحايا وحسب، بل أيضاً تستهدف كل نواحي حياة البشر من بنى تحتية واقتصاد إلى عواقب صحية و بيئية مرعبة، خاصة في حال استخدام أسلحة الدمار الشامل. وتكمن خطورة الحروب في عدم إمكانية السيطرة عليها أو التحكم بنهايتها، فهنالك صراعات تاريخية استمرت لعشرات السنين وأخرى انتهت خلال ساعات، كما أنه لا يمكن الجزم بعدد ضحاياها أوعدد الأطراف التي قد تلتحق بها، وتطورت وسائل الحرب والقتال طردا مع تطور العلوم البشرية والتقدم الحضاري، فبعد أن كانت تقاتل بالحجارة والعصي استحدثت السيوف والرماح والنبال. و بعد اختراع البارود، استخدمت البنادق النارية والقنابل والمدافع. وعندما تطورت صناعات المعادن المصفحة والثقيلة، ظهرت الدبابات لأول مرة في الحرب العالمية الأولى. عام 1945 كان أول استخدام حربي للسلاح النووي و الذي يعد ثورة حقيقية قلبت مفاهيم الصراع والحروب حول العالم وغالباً ما كانت هي السبب في إفشال قيام حرب عالمية ثالثة، حتى الآن.
الخوف من شبح الحرب النووية دفع بالدول المالكة لهذا السلاح بالتفكير بوسائل صراع تستثني المواجهة المباشرة. هذا بالضبط ما شهده العالم خلال الحرب الباردة طوال 45 عاما. ظهرت خلال تلك الفترة مصطلحات عدة كالحرب بالوكالة والحرب الاقتصادية وغيرها.و يرى العديد من الخبراء أن حرب الكوريتين (1950) وأزمة الصواريخ في كوبا (1962) هما تجسيدان حيان لحروب الوكالة الدولية. لكن وفي ذات الوقت، فإن اختراع السلاح النووي قلل عدد الحروب بشكل ملحوظ في السبعين عاماً المنصرمة، وخاصة الدولية منها، وبالتالي تناقصت أعداد الضحايا تبعا لذلك، هذه الحقيقة أثارت جدلاً حقيقياً حول الجوانب الإيجابية لأسلحة الدمار الشامل، والتي تمنع الصدام المباشر بين الدول العظمى.
تجدر الإشارة إلى أن عدم اللجوء إلى استخدام السلاح النووي لا يعني بأي شكل من الأشكال توقف الدول عن التفكير بوسائل جديدة للمواجهة. آخر هذه الوسائل هو التركيز الكبير على تكنولوجيا الحرب الإلكترونية والتي تعد أهم و أحدث تطور في عالم النزاعات والتنافس الدولي. هذه الحرب تعتمد بشكل أساسي على مدى التطور التكنولوجي العسكري للدول المعنية ولا يمكن لدولة تفتقر هذه الإمكانيات أن تتمرس فيها. إن وسائل الحرب الإلكترونية تتمايز حتى فيما بينها، فبعضها دفاعي يستخدم لصد الهجمات الإلكترونية المعادية وإبطال الصواريخ المعادية وتعطيلها وبعضها الآخر هجومي يعتمد على السيطرة والضبط. الوسيلة الثالثة تندرج في مجال الأقمار الصناعية وأنظمة الملاحة و أجهزة الرصد والإنذار المبكر.
في السنين العشر الأخيرة، قامت معظم الدول المتقدمة عسكرياً بالتركيز على مجاليين أساسيين في تكنولوجيا معدات الحرب الإلكترونية. المجال الأول، الإعاقة الإلكترونية وإسكات معدات العدو الإلكترونية، بل يذهب المجال إلى أبعد من ذلك أي إلى السيطرة الإلكترونية المباشرة على معدات العدو. المجال الثاني هو تطوير وبدء استخدام الإنسان الآلي (Robots) وكذلك الطائرات بدون طيار. هذه التطبيقات ستساعد كثيراً في تخفيف أعداد الضحايا الجنود، كما أنها ستعزز العمليات الخاصة في التجسس وكشف المجهول. المستقبل هو حتما للتكنولوجيا الحربية وأسلحتها، و لم يعد ممكناً بأي حال الاعتماد على الأسلحة التقليدية مهما كان عددها أو قوة تدميرها، والدول التي لا تستطيع المنافسة والابتكار ستخسر وزنها العسكري.
مما لا شك فيه أن الحرب الإلكترونية لا تكفي وحدها لحسم المعارك وما زالت الجيوش بحاجة لعناصر المشاة وبعض الأسلحة التقليدية، لكنها تساهم بشكل أساسي في تشتيت العدو و كبح إمكانياته مما يساهم في إلحاق الهزيمة به. هذه النتيجة تعني أن الكثير من الدول ستفقد وزنها العسكري إذا لم تعزز البحث العلمي في مجال تكنولوجيا السلاح، و في ذات الوقت أن تعمل على خلق توازن، وانسجام بين كل من السلاح الإلكتروني والسلاح التقليدي. بالتأكيد هنالك دولتان رائدتان في هذا المعادلة، هما روسيا والولايات المتحدة الأمريكية. يليهما كل من الصين، وبريطانيا، ،فرنسا، والهند. الابتكارات في هذا المجال من التنافس الدولي لا تتوقف ولن تتوقف عند حد ما، ويدور الحديث اليوم عن بدء استخدام تكنولوجيا أسلحة الليزر بشكل موسع، في غضون عام (2020)، والتي تستخدم أيضاً في تدمير الصواريخ وتفتيتها وإبطال أجهزة الطائرات بدون طيار.
الجدير بالذكر أن الليزر لا يحتاج إلى ذخيرة أو إعادة تعبئة، كما أنه أسرع من أي صاروخ مضاد أو هجومي مستخدم حتى يومنا هذا.
المحصلة هي أن الحروب لا تتوقف أو تنعدم إنما تتجدد وتتنوع أساليبها وتقنياتها. على سبيل المثال لا الحصر، انتشرت مؤخراً تقنية جديدة في العالم تندرج تحت راية الحرب الإلكترونية وتتصدرها، طورت مع تطور شبكات التواصل الرقمي والشبكي العالمية، ألا وهي الحرب الشبكية (Cyber-Warfare). ويعتبر كثير من المراقبين أن هذه الحرب هي الثورة الجديدة في عالم الصراع والسلاح والتي لا تقل أهمية عن ثورة السلاح النووي في أربعينات القرن الماضي. حتى الآن لا نعلم الكثير عن الأبعاد الحقيقية للحرب الشبكية، لكننا نعلم أنها قد تشكل ركنا أساسيا في صراعات المستقبل القريب، سواء المباشرة أو غير المباشرة منها.