المؤتمر الصحفي بعد المباحثات كشف أن ماكرون وبوتين لا يريدان رفع الغطاء عن تفاصيل ما تم التوافق عليه وما بقي موضع خلاف لكن كثيرا من المراقبين يرون أن الرئيس الشاب ماكرون بات معنيا بتحريك المياه الراكدة في الكثير من الملفات ويريد أن يكون لفرنسا دور في هذا الشأن.
الرئيس إيمانويل ماكرون لم يخف خلال حملته الانتخابية مواقفه المتشددة تجاه روسيا لكن بعد وصوله قصر الإليزيه كان أول المبادرين لدعوة الرئيس بوتين لزيارة العاصمة الفرنسية ليعلن من قصر فرساي الملكي عن خطوات محددة للتقارب مع الجانب الروسي.
قصر فرساي الملكي لم يكن اختياره صدفة ليكون مكانَ المباحثات الروسية الفرنسية فهو يكتسي رمزية لعلاقات تجمع الشعبين جذورها تعود لأكثر من ثلاثمئة عام حينما زار القيصر الروسي بطرس الأكبر الأراضي الفرنسية وتحدث عن مدينة عصرية بناها وباتت فيما بعد مكانا لولادة الرئيس بوتين ألا وهي مدينة سان بطرسبورغ.
المباحثات الحالية بينت سعي ماكرون للتعاون مع بوتين وخاصة في ملفات حساسة كمواجهة الإرهاب وتسوية الأزمة السورية.
لكن بوتين كان واضحا عندما حدد أنه لا يمكن محاربة الإرهاب عبر تقويض مقومات الدولة في البلدان التي تعاني أصلا من النزاعات الداخلية. وأكد أنه من الممكن التوصل إلى نتائج إيجابية عبر توحيد الجهود في محاربة الإرهاب. وكرر أنه لا يمكن تحقيق هذه النتائج إلا في حال وحدنا هذه الجهود فعلا على أرض الواقع لنتمكن من القضاء على وباء القرنين العشرين والحادي والعشرين.
إيمانويل ماكرون بدوره حاول أن يوصل رسالة للرئيس بوتين مفادها أن فرنسا تلعب دورا مهما في تسوية الأزمة السورية، لكن بوتين صحح على الفور كلام الرئيس الفرنسي ليقول أنتم عضو في التحالف الدولي وأنا لا أعرف الدور التي تقومون به هناك. ولكن إذا أرادت فرنسا أن تلعب دورا حقيقيا على مسار التسوية السياسة فيجب عليها أن تتخذ خطوات محددة في هذا الشأن.
ليأتي بعد ذلك رد الرئيس الفرنسي بأن بلاده مستعدة لتعزيز الشراكة مع روسيا وبشكل خاص في مواجه التطرف وقال إن الأولويات المطلقة للفرنسيين هي مكافحة الإرهاب وهو المبدأ الذي تستند اليه فرنسا لتحديد تحركاتها في سوريا. وحدد بأنه بعيدا عن العمل الذي تقوم به فرنسا في سياق التحالف الدولي فهو يتطلع لتعزيز الشراكة مع روسيا وهو بحاجة للعمل معها لمواجهة الإرهاب وتنظيم داعش في سوريا.
كلام ماكرون يختلف كثيرا عما كانت تقوم به فرنسا سابقا على مسار التسوية السياسية في سوريا فهل بالفعل باتت باريس معنية بحل سياسي سريع وخاصة أن ماكرون لم يستثني الرئيس الأسد من هذا الحل وكذلك أبقى مسألة إعادة افتتاح السفارة الفرنسية في دمشق أمرا تحكمه الأيام لا المواقف السياسية.
الأيام القليلة القادمة كفيلة بكشف حقيقة ما تتطلع اليه فرنسا من دور لها في الشرق الأوسط وإن كان ما قاله الرئيس ماكرون نقلة نوعية في الخطاب الفرنسي وليس كلاما تطاير مع نسمات باريس الرومانسية وهي تودع طائرة الرئيس بوتين.
حسن نصر