مباشر

ترامب على قلق وكأن رياح عزله ستهب عاجلا أم آجلا

تابعوا RT على
لم يهنأ دونالد ترامب بمكتبه البيضاوي في البيت الأبيض منذ اليوم الأول لتنصيبه، إذ تجرأ مشرعون أمريكيون على الدعوة لبدء إجراءات عزله، بمساندة حملة إعلامية مسعورة تصب بهذا الاتجاه.

ومع أن الدعوة لبدء إجراءات عزل ترامب صدرت حتى الأن عن بعض المشرعين الأمريكيين غير الرئيسيين، بتهمة إعاقة عمل القضاء، وعلى الرغم من أن هذا الاقتراح لا يزال مجرد فرضية بسيطة ما لم يحظ بدعم سياسي قوي، إلا أن الحملة المتواصلة بوتائر متصاعدة ضدّ الرئيس الأمريكي، سواء في وسائل الإعلام الرئيسية، أو داخل أروقة الكونغرس، تجعل ساكن البيت الأبيض قلقا يتحسس رأسه بعد كل مقال أو تحقيق عن علاقته المزعومة بروسيا، ويتوجس قلقا مما يضمره خصومه له في القادم من الأيام . 

ويتهم الإعلام الأمريكي الرئيس الملياردير ترامب، بأنه طلب في فبراير/ شباط الماضي، من مدير مكتب التحقيقات الفدرالي "FBI" جيمس كومي، إقفال ملف التحقيق حول شخصية مقربة منه في مزاعم تدخل روسيا في الحملة الانتخابية، قبل أن يقيله الأسبوع الماضي، في خطوة فسرها معارضوه على أنها محاولة لوقف التحقيق في تواطؤ محتمل بين المقربين من ترامب وروسيا.

ومع أنه لم يتم عزل أي رئيس في التاريخ الأمريكي، وإن وجهت التهمة إلى رئيسين تمت تبرئتهما بعدها، هما أندرو جونسون في 1868 وبيل كلينتون في 1999، وفضل ريتشارد نيكسون في 1974 الاستقالة لتفادي عزله في الكونغرس بعد فضيحة ووترغيت، إلا أن الحملة السياسية والإعلامية التي يتم شنّها ضدّ الرئيس الأمريكي منذ اليوم الأول لتنصيبه غير مسبوقة، سواء بتوقيتها أو شراستها ومدى فاعلية القوى المتورطة فيها والتي تحاول دحرجتها لتكبر شيئا فشيئا ككرة الثلج الملقاة من عل.

إن مسارعة وزارة العدل الأمريكية لتعيين روبرت مولر، مدير الـ"FBI" الأسبق، محققا خاصا بمزاعم تدخل روسيا في الانتخابات الأمريكية واحتمال دعمها سرّا حملة ترامب، ليست إلا خطوة أولى في مسافة الألف ميل الموصلة الى المباشرة باجراءات عزل الرئيس ترامب.  

وجاءت هذه الخطوة التي اتخذت الأربعاء، في أعقاب أسبوع واجه فيه البيت الأبيض حالة من الغضب والمطالب المتزايدة من جانب الديمقراطيين وبعض الجمهوريين بإجراء تحقيق مستقل في ما إذا كانت روسيا قد حاولت التأثير على انتخابات الرئاسة الأمريكية التي أجريت في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وفاز فيها ترامب ضد منافسته الديمقراطية هيلاري كلينتون.

وينص الدستور على أنه يمكن للكونغرس عزل الرئيس أو نائبه أو القضاة الفدراليين في حال "الخيانة، الفساد، أو جرائم أخرى وجنح كبرى". وتتضمن الإجراءات مرحلتين. 

مرحلة أولى يصوت فيها مجلس النواب في البدء بالأغلبية البسيطة على مواد الاتهام التي تفصل الافعال المنسوبة إلى الرئيس: وهو ما يسمى "العزل" (امبيتشمنت) . وفي حال إقرار التهمة، يتولى مجلس الشيوخ محاكمة الرئيس.

وفي ختام المناقشات تبدأ المرحلة الثانية، حيث يصوت أعضاء مجلس الشيوخ على كل مادة. ويتعين الحصول على أغلبية الثلثين لإدانة الرئيس، وفي حال حصول ذلك يصبح العزل تلقائيا ولا رجعة فيه. وفي حال عدم تحقق الأغلبية المطلوبة، ينال الرئيس البراءة، وهو ما حصل مع بيل كلينتون في فبراير/شباط 1999.

واللافت أن القضاء الأمريكي لا يلعب أي دور في إجراءات عزل الرئيس، التي تعتبر سياسية بامتياز، فنقص الأدلة والإثباتات والبراهين ضد ترامب، لا يشكل عائقا جديا أمام البدء باجراءات عزله إذا ما توافرت الإرادة والأصوات السياسية الكافية للمباشرة في ذلك. ويقول المحاضر في القانون في جامعة كورنيل في أوهايو جنس ديفيد أولن، إن السلطة القضائية ليس لها يد في قرارات العزل.

ويضيف: "يكفي أن يقتنع الكونغرس بأن ترامب ارتكب جرائم أو جنحا كبرى. إنهم يقومون بدور القضاة لتحديد إن كانت معايير الإدانة متوفرة.

وبالتالي، فإن العزل يقع عند مفترق السياسة والقانون، ولا يتطلب الأمر توجيه التهمة أصلاً للرئيس، وفق أولن.

وطلب نائبان ديموقراطيان هما ماكسين ووترز وآل غرين حتى الآن، بدء إجراءات العزل، لكن باقي ممثلي المعارضة الديموقراطية يرفضون في هذه المرحلة خوض هذه المغامرة خوفا من أن يتحول الأمر إلى مجرد مواجهة بين الحزبين. 

ويقول مسؤول ديموقراطي بتفاؤل، إن "الوقت مبكر جدا". وأوضح السناتور برني ساندرز "لا أريد أن نقفز إلى مرحلة العزل طالما أن الطريق لا تقودنا إليه. ربما تذهب بنا في هذا الاتجاه وربما لا".

ويقول المعارضون إنه ينبغي في البدء تحديد أفعال لا جدال حولها. وشرح الديموقراطي آدم شيف "لا يمكن أن يبدو الأمر وكأنه محاولة لإلغاء الانتخابات بوسائل أخرى".

وأكد المحافظ جاستن أماشي "في هذا البلد، يحق للناس أن يحظوا بمحاكمة عادلة"، رغم انتقاده لترامب.

ولكن هؤلاء المشرعين يؤكدون أن إعاقة عمل القضاء هي جنحة تصل إلى مستوى يبرر إجراء العزل. وهذا من بين ما اتهم به كلينتون ونيكسون على أي حال.

ولهذا السبب ينتظر خصوم ترامب بصبر شهادة كومي الذي دعي لشرح موقفه مباشرة أمام الكونغرس.

ويحاول ترامب جاهدا الانتقال من حال الدفاع التي حشره فيها خصومه السياسيون منذ اليوم الأول،  إلى حالة الهجوم الوقائي، ومرة أخرى يلقي باللوم على وسائل الإعلام الأمريكية الشهيرة وينعتها "بالكاذبة"، وذلك بعد نشر استطلاع حديث للرأي ، يؤكد أن الساكن الحالي في البيت هو الحاكم الأقل شعبية في العصر الحديث.

وقال ترامب مستهزئا في تغريدة له على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر" الأربعاء، إن "الاستطلاعات الجديدة جيدة جدا"، وأضاف "إن معظم وسائل الإعلام كاذبة، وأنها دائما تقوم بنشر الأشياء السلبية. وعلى أي حال لقد فزت على هيلاري كلينتون وحصلت على أصوات أكثر".

وعلق ترامب على استطلاع الرأي نشرته شبكة "ABC" وصحيفة "واشنطن بوست" بالقول، إن الأمريكيين الذين صوتوا له لم يندموا، وأن 53 % من المشاركين في الاستطلاع قالوا إنه "زعيم قوي".

وأكد التقريرالذي نشرته "واشنطن بوست" على أن الميزان العام لتأييد الرئيس الأمريكي "يميل نحو السلبية"، لأن معظم الأمريكيين يرون أن ترامب لم ينجز كثيرا خلال الأشهر الأولى من حكمه، وأنه كان قد أبدى "تحسنا طفيفا في طبائعه وأمانته"، كما أن أكثر من 60% من الأمريكيين ما زالوا يرون أنه لا يفهم مشكلاتهم، رغم اكتسابه أرضية أكبر من التعاطف.

واشتكى ترامب الأربعاء أمام منتسبي أكاديمية خفر السواحل الأمريكية من أنه يعامل بطريقة سيئة، وبأن الظلم الذي لحقه لم يطل أي رئيس أمريكي أخرعلى مر التاريخ. وقال مخاطبا الخريجين، حاثا إياهم على عدم الاستسلام للإحباط عند بدء حياتهم العملية :" قاتلوا، قاتلوا قاتلوا. لا تستسلموا أبدا. وستجري الأمور بخير".

وانتقل الرئيس الأمريكي بعد ذلك مباشرة إلى الحديث عن تجربته الشخصية في هذا الشأن قائلا :"لم يعامل أي سياسي في التاريخ على نحو أسوأ أو أكثر ظلما مني… لا يمكنك أن تدعهم ينتصرون عليك، ولا يمكنك أن تدع النقاد أو المشككين يقفوا في طريق أحلامك".

ودفع قلق الرئيس الأمريكي من مباشرة إجراءات عزله عاجلا أم آجلا بسبب الحملة الإعلامية القوية ضده، إلى أن يعرض في تغريدة له على تويتر، شراء صحيفة نيويورك تايمز، لتصحيح خط تحريرها وترشيده بما يتناسب مع السياسة الأمريكية الجديدة ومع مصالح أمريكا تحت قيادته.

المعركة الدائرة بين الإعلام وترامب، انحازت فيها معظم وسائل الإعلام الأمريكي انحيازا تاما ضده، كما انحازت من قبل في انتخابات الستينيات، أيام الرئيس الراحل فرانكلين روزفلت، لكن الجمهور الأمريكي يومها فاجأ الجميع، وأعاد انتخاب الرئيس المريض (روزفلت) مرة أخرى، فروزفلت كان حكيما جدا، بينما ترامب يبدو في نظر كثيرين متهورا ومزاجيا في كل تصرفاته وتصريحاته. ورغم كل ذلك كسب الجولة الأولى ضد هيلاري كلنتون أولا، لكنه عاجز حتى الأن عن الفوز بها ضد الاعلام ثانيا.
اعتذرت وسائل الإعلام الأمريكية علنا لجمهورها عن توقعاتها الخاطئة بعدم فوز ترامب، في محاولة هي أقرب لجس نبض الرجل تجاهها، ومحاولة لمد يد السلام له وكسب ودّه، لكنها لم تجد بدا في ما يبدو من المواجهة معه.

 ومع تنصيب ترامب في 20 يناير/ كانون الثاني 2017، ومباشرته تنفيذ سياسته التي وعد بها، ومخططه الذي جاء من أجله، وخروج المظاهرات المنددة به واتساعها يوما بعد يوم.. عادت وسائل الإعلام الأمريكية لتهاجم الرجل.

ترامب والإعلام الأمريكي حاليا في مواجهة مباشرة.. وصيف أمريكي ساخن، فمن سيكسب الرهان في الأخير؟.

أمريكا ترامب بوجه غير الذي عرفه العالم عنها، تبدو فيه عرضة للانقسام والعنصرية والتطرف وأبعد ما تكون عن الديمقراطية وقيادة العالم والتسيّد عليه، لأنه كيف لبلد أن يسود على الأخرين فيما رئيسه يعيش هواجس عزله يوميا ويتخوف من أن تتحول إلى كوابيس تقض مضاجعه في كل الأماكن الفاخرة والفخمة التي يرتادها ويقضي لياليه القلقة فيها.

المصدر: RT

سعيد طانيوس

هذا الموقع يستخدم ملفات تعريف الارتباط .بامكانك قراءة شروط الاستخدام لتفعيل هذه الخاصية اضغط هنا