الحاجز الروسي
وفي تطرقها إلى هذا الموضوع، أعادت صحيفة "واشنطن بوست" إلى الأذهان أن القيادة العسكرية الأمريكية كانت تعمل على إعداد خيارات مختلفة لتوجيه ضربات ضد قوات الرئيس السوري، بشار الأسد، في 2013، عندما اتهم من قبل الدول الغربية بقتل حوالي 1000 شخص في هجوم بغاز الأعصاب.
إلا أن الوضع الحالي يختلف، حسب ما أشارت إليه الصحيفة، بشكل كبير عما كان عندما هدد الرئيس الأمريكي السابق، باراك أوباما، بشن ضربات على القوات السورية، ويكمن هذا الفرق في أن مخاطر توسع النزاع أكبر بكثير اليوم مقارنة مع العام 2013.
وأوضحت "واشنطن بوست" أن العقبة الأساسية التي تواجه حاليا إدارة الرئيس دونالد ترامب تتمثل بوجود الوحدات العسكرية الروسية على الأرض السورية، وذلك بالإضافة إلى منظومات الدفاع الجوي من طرازي "إس-300" و"إس-400"، التي نشرتها روسيا في البلاد لحماية قواتها هناك والقادرة على إسقاط الطائرات الحربية الأمريكية.
وتشابك كثير من العسكريين الروس مع وحدات القوات السورية، ما يعني أن أي ضربة جوية إلى مواقعها قد تتسبب في سقوط قتلى بين عناصر الجيش الروسي.
وفي غضون ذلك قال كبير المنسقين لحملة الولايات المتحدة في سوريا والعراق ضد "داعش" خلال عهد أوباما، الجنرال الأمريكي المتقاعد، جون آلين: "إن الغارات العسكرية كانت ستكون حاسمة لجهة تأثيرها على الحرب لو شنت في 2013".
وشدد آلين على أن "الوضع حاليا أصعب بكثير" مما كان آنذاك، وتابع: "على الولايات المتحدة أن تسأل نفسها: ما هي درجة غضبنا بسبب هذه المسألة وهل نحن غاضبون لحد نستعد فيه لاتخاذ خطوات قد تسفر عن سقوط القتلى الروس؟".
المشكلة الكبيرة الأخرى بالنسبة لإطلاق ترامب حملة عسكرية واسعة ضد الجيش السوري تمثلها منظومات الدفاع الجوي الروسية والسورية، التي "لم تستهدف حتى الآن الطائرات الأمريكية بسبب تركيزها على محاربة تنظيم داعش، العدو المشترك للولايات المتحدة والنظام السوري".
وفي هذا السياق، قال أندرو أكزوم، المسؤول السابق في وزارة الدفاع الأمريكية في عهد أوباما: "وفي حال شنت الطائرات الأمريكية أو طائرات التحالف ضربة ضد النظام، سيكون لديه، بالتالي، كل المبررات للبدء بإسقاط طائرات التحالف بواسطة المنظومات المضادة للطيران".
وأضاف أكزوم أن أي خطوة مماثلة من قبل السوريين والروس يمكن على الأقل أن تخيف شركاء التحالف وتدفعهم نحو الانسحاب من المعركة.
واعتبرت "واشنطن بوست" أن هذه المخاوف "يمكن لترامب التخفيف من بعضها من خلال طمأنة الروس بأن مثل هذه الضربات الغرض الوحيد منها معاقبة الأسد على استخدام الأسلحة الكيميائية وليس إخلال التوازن في الحرب الأهلية الموسعة".
أما الرسالة السياسية لهذا الإجراء الأمريكي فتتمثل، حسب الخبير في الشؤون السورية بمعهد واشنطن، أندريو تابلير، بأن الإدارة الحالية للولايات المتحدة تطبق نهجا مغايرا تماما لذلك الذي اتبعه فريق أوباما.
وأوضح تابلير أن "خلق حالة الغموض غير القابلة للتنبؤ قد يأتي بمنفعة أكبر بكثير مما كانت إدارة أوباما مستعدة لفعله".
الدبلوماسية الذكية
من جانبه، أكد الصحفي المحلل المختص في الشؤون الدولية في صحيفة "نيويورك تايمز"، أنتوني بلينكين، أن "الاختبار الحقيقي أمام ترامب هو ما سيجري لاحقا"، أي بعد الضربة.
واعتبر بلينكين أن "الرئيس الأمريكي "أظهر سابقا غيابا تاما لأي اهتمام له بإنهاء الحرب الأهلية في سوريا، لكن الآن الإدارة الأمريكية تتوفر لديها آليات يجب تجربتها في التعامل مع نظام الأسد والروس لردع الطيران السوري".
وينبغي للرئيس الأمريكي، في الوقت ذاته، حسب الخبير، "منع أو تقليص أي تداعيات محتملة وغير مقصودة قد تنبع عن استخدام القوة، بما في ذلك تعقيد الحملة العسكرية ضد داعش"، وشدد بلينكين، في هذا السياق، على أن "كل ذلك سيتطلب أمرا أبدت الإدارة الأمريكية حتى الآن اهتماما قليلا به، وهو الدبلوماسية الذكية".
وأوضح محلل "نيويورك تايمز" أن "هذه الدبلوماسية تبدأ من روسيا"، وتابع بالقول: "إن الإدارة الأمريكية أبلغت موسكو، حسب التقارير، مسبقا بهذه الضربة، بحيث إن البعض قد يتوصلون إلى استنتاج مفاده أن الولايات المتحدة حذرت مسبقا وبشكل سري الروس، الذي حذروا بدورهم الأسد من عدم الإقدام على أي رد فعل، لكي يفهم الجميع أن أمرا قد حصل، لكن من الأرجح أن الإدارة الأمريكية أرادت أن تتأكد من أن موسكو ستعلم بدقة ما كنا بصدد فعله، لكي لا تبالغ في ردها وتبقي قواتها بمنأى عن الأذى".
وقال بلينكين إن على الإدارة أن توضح لموسكو أنها ستحمّل الأسد المسؤولية عن تصرفاته اللاحقة وأنها ستحشد الآخرين من أجل القيام بالمثل وشن الضربات في حال كانت هناك ضرورة لذلك، كما يجب على الولايات المتحدة كذلك، وفقا للصحفي، ربط التعاون مع روسيا في مجال مكافحة الإرهاب ببذل روسيا جهودا "لكبح جماح نظام الأسد" ودفعه نحو مفاوضات حقيقية مع المعارضة.
ورأى أن زيارة وزير الخارجية الأمريكي، ريكس تيلرسون، إلى موسكو، الأسبوع المقبل، ستكون محورية في إيصال هذه الرسالة وضبط مخاطر أي تصعيد مع روسيا.
وتابعت الصحيفة أن على ترامب أيضا التنبه إلى الانعكاسات السلبية المحتملة لخطواته، بما في ذلك، حملة الولايات المتحدة ضد "داعش"، مشددا على أن المهمة التالية للسلطات الأمريكية تكمن في "إقناع موسكو بعدم تعقيد عمل الطيارين الأمريكيين" في الأجواء السورية، فضلاً عن ضرورة تحذيرها إيران، الداعم الكبير الآخر للحكومة السورية، من عدم الانتقام من الولايات المتحدة عن طريق "حث ميليشياتها في العراق ضد الوحدات الأمريكية هناك".
وسيكون على ترامب، حسب الخبير الأمريكي، "موازنة تصرفاته اللاحقة ضد نظام الأسد مع ضرورة مواصلة تركيز الموارد على هزيمة تنظيم داعش".
المصدر: واشنطن بوست + نيويورك تايمز
رفعت سليمان