وانطلق هذا السباق، عمليا، في عام 2014، عندما بدأت المنافسة بين زعماء أكبر القوى السياسية في البلاد: الرئيس فرانسوا هولاند بصفته زعيم الحزب الاشتراكي، والرئيس السابق نيكولا ساركوزي الذي كان يتزعم حزب "الجمهوريون" اليميني، ومارين لوبان زعيمة "الجبهة الوطنية" (اليمين المتطرف).
لكن آمال ساركوزي في العودة إلى الساحة السياسية تحطمت في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، عندما وضعته نتائج الانتخابات التمهيدية لحزب "الجمهوريون" في المركز الثالث، ما أجبره على إفساح المجال أمام سياسيين آخرين. وفي ديسمبر/كانون الأول، اضطر الرئيس هولاند للتراجع عن قراره الترشح في الانتخابات تحت ضغوط خصومه الذين اتهموه بإفشاء معلومات سرية حول خطط فرنسية أمريكية لمهاجمة سوريا. وفي أواخر يناير/كانون الثاني، خسر مانويل فالس في الانتخابات التمهيدية للاشتراكيين أمام بنوا هامون، عضو "كتلة المتمردين" داخل الحزب.
وبذلك ذهبت كافة المعارك السياسية التي شهدتها البلاد على مدى سنتين، سدى، لتبدأ معارك جديدة بمشاركة مرشحين جدد. وعلى الرغم من اقتراب موعد الانتخابات (الجولة الأولى المقررة في 23 أبريل/نيسان المقبل، وجولة الإعادة في 7 مايو/أيار المقبل)، وجد الفرنسيون أنفسهم أمام فضائح سياسية غير متوقعة طالت المرشحين الأساسيين.
فرانسوا فيون – حزب "الجمهوريون"
فاز فرانسوا فيون، وهو رئيس الوزراء السابق، بترشيح حزب "الجمهوريون" (يمين الوسط) بعد تقدمه في الانتخابات التمهيدية على آلان جوبيه. وكان الطريق أمام المحافظ فيون يبدو سهلا، حتى نشرت صحيفة "لو كانارد إنشين" في أواخر الشهر الماضي مقالا كشف أن زوجة فيون حصلت على نحو 500.000 يورو، باعتبارها مساعدة لزوجها في البرلمان (وكان فيون يشغل مقاعد في البرلمان - أحيانا في مجلس النواب وأحيانا في مجلس الشيوخ - منذ عام 1981). وعلى الرغم من أن توظيف أفراد من العائلة يعد ممارسة عادية بالنسبة للساسة الفرنسيين، أثار حجم راتب بينيلوب فيون استغراب الرأي العام، لاسيما بسبب إصرارها سابقا على نفي أي دور لها في حياة زوجها السياسية. ومع تطور الفضيحة، كشف الإعلام أن ثروة بينيلوب بلغت قرابة مليون يورو خلال 15 سنة، كما كان زوجها يوظف أطفالهما في فترات معينة، إذ كانت رواتبهم غير مسبوقة أيضا مثل راتب والدتهم. وفي سياق قضية بينيلوب، فتش المحققون منزل الزوجين وحققوا معهما لمدة 5 ساعات.
على الرغم من أنباء تحدثت عن بحث حزب "الجمهوريون" عن بديل لفيون، رفض الأخير الانسحاب من السباق الرئاسي، مع إقراره بأن توظيف بينيلوب كان خطأ.
المرشح المستقبل إيمانول ماكرون
يعتبر المرشح الوسطي إيمانول ماكرون، وزير الاقتصاد السابق، من أكبر الرابحين من فضيحة ماكرون، إذ بات منافسا رئيسيا لمارين لوبان، حسب النتائج الأخيرة لاستطلاعات آراء الناخبين. وكان ماكرون البالغ من العمر 39 عاما، قد أعلن عن ترشحه في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي كمستقل، في خطوة غير تقليدية للسياسة الفرنسية. ويقول المحللون إن هذه المغامرة قد تتكلل بالنجاح، نظرا لدراسات أشارت إلى أن 8% فقط من الفرنسيين يثقون بالأحزاب السياسية.
لكن بعد صعود نجم ماكرون، انتشرت من جديد شائعات قديمة حول كون السياسي الشاب مثليا، وحول إقامته علاقة عاطفية خارج نطاق الزواج مع بالصحفي ماتيو غاليه، مدير إذاعة فرنسا، الذي سبق أن واجه اتهامات بوصوله إلى منصبه الحالي عن طريق علاقات مماثلة مع سياسيين آخرين.
وفي تصريحات له الاثنين الماضي، سخر ماكرون من تلك الشائعات، ووجه ضربة جديدة إلى فيون، إذ قال أمام أنصاره، مازحا، إن زوجته تستغرب كيف يمكنه أن يطور هذه العلاقة السرية دون أن تعرف هي، كونها بجانبه في كل أشغاله دائما، على أنه لم يدفع لها أبدا أي فرنك.
من جانب آخر، هدد مؤسس موقع "ويكيليكس" جوليان أسانج بنشر معلومات حساسة حول ماكرون، موضحا أن المستمسكات على المرشح المستقل ترتبط بمضمون مراسلاته مع المرشحة الديمقراطية في الانتخابات الأمريكية هيلاري كلينتون.
مرشحة "الجبهة الوطنية" مارين لوبان
تعتبر القوة الأساسية لزعيمة "الجبهة الوطنية" ونقطة ضعفها الرئيسية في الوقت نفسه، وهي تكمن في مواقفها المتطرفة من أبرز القضايا التي تهم المجتمع الفرنسي اليوم، ولاسيما قضية الهجرة.
وعلى الرغم من أن فضائح فيون، ساعدت لوبان في تعزيز مواقفها أيضا، إلا أنها تواجه يوميا معارضة شديدة من جانب زعماء التيار الليبيرالي، وليس بسبب مطالبته بإغلاق الأبواب أمام المهاجرين فحسب، بل وبسبب إصرارها على تحسين العلاقات مع روسيا واستعدادها للاعتراف بتبعية القرم لروسيا.
في الوقت نفسه، تواجه لوبان، وهي النائب في البرلمان الأوروبي عن مناطق شمال غرب فرنسا، فضحية فساد خاصة بها، إذ اتهمها البرلمان الأوروبي باختلاس أموال خصصت لدفع مستحقات مساعديها "الوهميين".
ويطالب البرلمان الأوروبي لوبان بإعادة مبلغ يزيد عن 300 ألف يورو باعتبار أن المرشحة الفرنسية أنفقتها بشكل غير قانوني. لكن "الجبهة الوطنية" تنفي كافة الاتهامات، وتعتبر أن هذه الفضيحة مصطنعة وجاءت نتيجة خلاف بين لوبان والرئيس السابق للبرلمان الأوروبي مارتين شولتس الذي ترشح مؤخرا لمنصب المستشار الألماني.
وكانت المهلة لإعادة الأموال قد انتهت في 1 فبراير/شباط، لكن لوبان تصر على كون الاتهامات التي وجهها إليها شولتس عارية عن الصحة تماما.
حزب الاشتراكيين - بنوا هامون
بسبب الشكوك في قدرات الحزب الاشتراكي على الصعود مجددا بعد 5 سنوات من ولاية الرئيس الأقل شعبية منذ عقود، والصراع الداخلي الحاد بين أنصار الجناح الليبيرالي و"اليساريين المثاليين"، لا يولي المحللون اهتماما كبيرا بدور مرشح هذا الحزب في السابق الانتخابي.
لكن هامون بصفته الجديدة كزعيم للحزب الاشتراكي، يعمل بجدية على إعادة "اليسار القديم" إلى سياسات القرن الحادي والعشرين.
وسبق له أن دخل في صراع حاد مع فرانسوا هولاند ومانويل فاليس بسبب النهج الاقتصادي "الليبيرالي" الذي فرضه الاثنان على الحزب. وبعد رفعه مطالب بتغيير سياسة الحزب وزيادة فعالية الحرب ضد البطالة وعدم المساواة في البلاد، استقال هامون من الحكومة في 25 آغسطس/آب الماضي حيث كان يشغل منصب الوزير المعتمد للاقتصاد الاجتماعي والتضامني وللاستهلاك ثم وزير التربية الوطنية والتعليم العالي والبحث العلمي. وبدأ السياسي بعد ذلك حملة واسعة ضد قيادة حزبه، حتى نجح في الفوز بالزعامة خلال لانتخابات التمهيدية الشهر الماضي.
ومن أفكار هامون المثيرة للجدل، إصراره على توفير "الراتب الأساسي" لجميع الفرنسيين، لأنه يخشى من تنامي البطالة بسبب الأتمتة، كما أنه يدعو إلى تقليص ساعات أسبوع العمل إلى 35 ساعة. ويدعو السياسي أيضا إلى شرعنة تعاطي القنب و"القتل الرحيم".
أما المرشحون الآخرون في السباق الرئاسي فهم جان لوك ميلينشون (فرنسا المتمردة)، ويانيك جادوت (الخضر)، و نيكولا دوبون-اغنا (نهضة فرنسا)، وفيليب بوتو (الحزب المناهض للرأسمالية الجديد)، وناتالي أرثواد (نضال العمال)، و جاك شيميناد (التضامن والتقدم). لكن من المستبعد أن يحصل أحد هؤلاء على نسبة كبيرة من الأصوات.
وحسب تقييم خبراء تحليل الرأي العام لنتائج الاستطلاعات الأخيرة للآراء، ستشهد جولة الإعادة في 7 مايو/ايار المقبل منافسة بين لوبان وماكون، إذ من المرجح أن يفوز فيها الأخير بحصوله على 64% من الأصوات.
أما فيون، فيتمتع، حسب تلك الاستطلاعات، بدعم 18.5 فقط من الناخبين، مقابل دعم 36% ممن شملتهم الاستطلاعات للوبان.
المصدر: وكالات
اوكسانا شفانديوك