وكشف التقرير عن عرض دبلوماسي سري أخير من إدارة ترامب لرفع "جميع العقوبات" إذا أنهت طهران دعمها للجهات الفاعلة غير الحكومية واستبدلت منشآتها النووية.
وذكرت "واشنطن بوست" أنه وحتى في الوقت الذي كانت فيه عمليات الاغتيال والتفجيرات الإسرائيلية جارية بالفعل، شرعت إدارة ترامب في محاولة دبلوماسية سرية أخيرة لحل الأزمة النووية.
ووفق الصحيفة الأمريكية، مثّل هذا المقترح السري الذي وعد برفع جميع العقوبات المفروضة على إيران مقابل تفكيك مواقع تخصيب اليورانيوم ووقف دعم الجماعات المسلحة التابعة لها، الفرصة الأخيرة لتجنب استخدام القوة العسكرية الأمريكية في الصراع.
وتقول الصحيفة إنه وفي شهر يونيو 2025 كانت الاستعدادات للحرب قد اكتملت تقريبا، وتم نشر العديد من العملاء الإسرائيليين داخل إيران، مدججين بأسلحة متطورة، كما أن طياري سلاح الجو الإسرائيلي ينتظرون الأوامر لضرب البنية التحتية النووية ومواقع الصواريخ.
وأوضحت أن تل أبيب وواشنطن توصلتا إلى توافق في الآراء بشأن التقدم النووي لطهران، واستُخدمت حيل دبلوماسية لتشتيت انتباه النظام.
وكان مسؤولو الأمن يدركون أن الضرر الدائم يتطلب القضاء على "مجموعة العقول"، أي العلماء الذين اعتقدت وكالات الاستخبارات أنهم يتقنون صنع القنابل الذرية.
وفي تمام الساعة 3:21 صباحا من يوم 13 يونيو، قصفت إسرائيل طهران، معلنة بدء عملية "نارنيا"، حيث قُتل الفيزيائي محمد مهدي طهرانجي في شقته، وبعد ساعتين، قتل فريدون عباسي وهو شخصية بارزة أخرى.
وأعلنت إسرائيل اغتيالها 11 عالما بارزا خلال العملية العسكرية.
وكشفت صحيفة "واشنطن بوست" وبرنامج "فرونت لاين" على قناة PBS هذه التفاصيل استنادا إلى مقابلات مع مسؤولين.
ويقول خبراء إن برنامج إيران النووي قد تأخر لسنوات على الرغم من أن هذا يتناقض مع ادعاء الرئيس دونالد ترامب بأنه "تم القضاء عليه تماما".
وتوضح الصحيفة الأمريكية أنه وفي إطار عملية "نارنيا"، حددت إسرائيل 100 من العاملين في برنامج إيران النووي ثم قلصوا القائمة إلى نحو 12 عالما.
وأكدت صحيفة "واشنطن بوست" وموقع "بيلينغكات" وقوع 71 ضحية مدنية في الغارات.
وفي إحدى الهجمات على مجمع يعرف باسم "مجمع الأساتذة" شمال طهران، قتل 10 مدنيين من بينهم طفل يبلغ شهرين.
وفي هجوم آخر، قتل نجل محمد رضا صدیقی صابر أحد العاملين بالبرنامج النووي والذي يبلغ من العمر 17 عاما، بينما قتل صابر نفسه بعد أيام في محافظة جيلان.
وقال مسؤول أمني إسرائيلي رفيع لصحيفة "واشنطن بوست" إن "أحد الاعتبارات الرئيسة في التخطيط لعملية "نارنيا" كان تقليل الخسائر المدنية إلى الحد الأدنى".
وفي المقابل، أعلنت السلطات الإيرانية أن الهجمات الإسرائيلية أوقعت أكثر من ألف قتيل، من بينهم مئات المدنيين.
وأشار العميد إيلاد إدري إلى أن الرد الإيراني أسفر عن مقتل 31 إسرائيليا.
ولفتت الصحيفة الأمريكية إلى أن قاذفات "بي-2" الأمريكية وصواريخ توماهوك شاركت في العملية، كما حشد الموساد عملاء في الداخل الإيراني مجهزين بـ"سلاح خاص" لشن هجمات دقيقة.
وقال مسؤول إسرائيلي: "هذه العملية غير مسبوقة في التاريخ.. لقد حشدنا مواردنا وعملاءنا للتقرب من طهران وشن العملية البرية قبل أن يتمكن سلاح الجو من دخول المجال الجوي الإيراني".
وتابع قائلا: "لطالما فكرت إسرائيل في هذا الهجوم.. وقد تلاشت العقبات بعد هجوم حماس في 7 أكتوبر 2023.. كما غيرت الحرب اللاحقة في غزة والعمليات ضد حزب الله المشهد الاستراتيجي.. وساهم انهيار النظام السوري في عام 2024 أيضا في ذلك".
وصرح جنرال في سلاح الجو الإسرائيلي: "تغيرت الخطط على مر السنين، لكنها أصبحت محددة للغاية بعد هذين الحدثين".
وبينما اتفقت الولايات المتحدة وإسرائيل على أن إيران تسعى لامتلاك سلاح، تباينت التقييمات الاستخباراتية.
وبحسب صحيفة "واشنطن بوست"، بدأت وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية في عام 2023 بجمع معلومات استخباراتية تفيد بأن باحثين يعملون في وحدة تابعة لوزارة الدفاع الإيرانية تعرف باسم "SPND" كانوا يستكشفون طرقا لبناء سلاح نووي بشكل أسرع إذا ما تراجع آية الله علي خامنئي المرشد الأعلى لإيران، عن فتواه الدينية الصادرة عام 2003 ضد الأسلحة الذرية.
وأفادت الصحيفة بأن الإيرانيين كانوا يجرون أبحاثا على جهاز نووي بدائي، سيستغرق إنتاجه حوالي 6 أشهر باستخدام مخزونهم الحالي من اليورانيوم المخصب، وفقا لتقديرات وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، مبينة أنه لا يمكن اختبار هذا الجهاز البدائي مسبقا أو إطلاقه عن بعد بواسطة صاروخ باليستي، ولكنه سيكون مدمرا للغاية إذا تم تصنيعه واستخدامه.
ويبدو أن الإيرانيين كانوا يبحثون أيضا في أسلحة الاندماج النووي، وهو نوع أكثر تطورا وقوة من القنابل النووية، وفقا لصحيفة "واشنطن بوست".
واتفق محللو الاستخبارات الأمريكية والإسرائيلية على أن قنبلة الاندماج النووي رغم أنها مثيرة للقلق، إلا أنها بعيدة المنال عن إيران.
وبحلول ربيع عام 2025، خشي المحللون الإسرائيليون من عدم قدرتهم على رصد تجميع الأسلحة في الوقت المناسب، وفي 12 يونيو، أعلنت الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن طهران انتهكت التزاماتها.
- سيناريوهات الهجوم
قدم نتنياهو لترامب أربعة سيناريوهات للهجوم، واستمر التخطيط رغم رغبة ترامب في اللجوء إلى الدبلوماسية.
وقال مصدر: "كان التفكير السائد هو أنه في حال فشلت المحادثات، فنحن مستعدون للتحرك".
وذكرت صحيفة "واشنطن بوست" أن رئيس الوزراء الإسرائيلي عرض أولا على ترامب كيف ستبدو العملية إذا شنت إسرائيل هجوما منفردا.
وكان الخيار الثاني هو أن تتولى إسرائيل زمام المبادرة بدعم أمريكي محدود.
أما الخيار الثالث فكان التعاون الكامل بين الحليفين، وكان الخيار الأخير هو أن تتولى الولايات المتحدة زمام المبادرة.
وفي أبريل، منح ترامب إيران 60 يوما للموافقة على اتفاق، ومع انقضاء المهلة لجأ هو ونتنياهو إلى الخداع للتغطية على الضربة الوشيكة.
وقال مصدر للصحيفة: "جميع التقارير التي نشرت حول عدم توافق نتنياهو مع ويتكوف أو ترامب لم تكن صحيحة.. لكن من الجيد أن يكون هذا هو الانطباع العام، فقد ساعد ذلك على المضي قدما في التخطيط دون أن يلاحظه الكثيرون".
وشنت إدارة ترامب هجوما أخيرا حتى مع بدء القصف، حيث أرسلت سرا مقترحا، وتضمنت الشروط إنهاء طهران دعمها للوكلاء وتفكيك منشأة فوردو وأي منشأة أخرى عاملة، وفي المقابل سترفع الولايات المتحدة جميع العقوبات المفروضة على إيران.
وذكرت الصحيفة أن إيران لم تكن تعلم أن هذه المبادرة ستكون فرصتها الأخيرة قبل أن يوافق ترامب على انضمام القوة النارية الأمريكية إلى القوة الإسرائيلية.
ووفق المصدر ذاته نقلا عن دبلوماسي، رفضت طهران المبادرة وأذن ترامب بشن ضربات أمريكية، مشيرا إلى أن الأضرار جسيمة.
المصدر: "واشنطن بوست"