مباشر

المحلل السياسي الروسي كاراغانوف: السلاح النووي سلاح السلم لا الحرب

تابعوا RT على
في حديث مطول لجريدة "كوميرسانت" قال المحلل السياسي سيرغي كاراغانوف إن السلاح النووي هو سلاح يضمن السلام ويردع أي إمكانية لاستخدامه من قبل أي من الأطراف.

وأكد المحلل السياسي الشهير، والرئيس الفخري لهيئة رئاسة مجلس السياسة الخارجية والدفاع، ورئيس قسم الاقتصاد الدولي والسياسة العالمية بالمدرسة العليا للاقتصاد بموسكو على ضرورة تغيير العقيدة النووية الروسية، التي تحمل اسم "أساس سياسات الدولة الروسية في مجال الردع النووي"، ذلك أن العقيدة الحالية، من وجهة نظره، "غير مسؤولة"، وتتخلف عن معطيات الظرف الراهن، ولا توفر الردع الكافي للدولة الروسية.

ويتابع كاراغانوف: "إن العقيدة الحالية لا تمثل خطأ فحسب، بل إنها غير أخلاقية، لأن الملايين من مواطنينا ماتوا من أجل هذه الأداة السياسية، من أجل الردع النووي. فهو تاريخ طويل من البطولة والتفاني أثناء الحروب والمجاعات وإعادة الإعمار الصعبة. لنقرر نحن فجأة، وعلى نحو غير متوقع، أن ننسى الأمر. وأكرر هنا أنني لا أفهم كيف يمكن أن يحدث هذا".

ويشير الخبير إلى أن الهدف الرئيسي لمبدأ الردع النووي هو التأكد من أن جميع الخصوم الحاليين والمستقبليين واثقون تماما من أن روسيا مستعدة لاستخدام الأسلحة النووية، وقال: "إن ذلك ليس واجبنا تجاه بلدنا ومواطنينا الذين يموتون الآن على الجبهات وفي المدن المسالمة، بل هو واجبنا تجاه العالم. وإذا لم نقم بإعادة تنشيط الردع النووي، فسوف ينزلق العالم إلى سلسلة من الحروب التي ستصبح حتما ذات طبيعة نووية، وتنتهي بحرب عالمية ثالثة. إنها قضية عدة سنوات، وواجب روسيا هو تفعيل الأداة النووية في حالة حدوث أي تعد على أراضينا أو مواطنينا".

ويعتقد كاراغانوف أن روسيا وصلت إلى النقطة التي يعتقد فيها الخصوم أنها لن تستخدم الأسلحة النووية تحت أي ظرف من الظروف تقريبا، وتابع: "عندما بدأنا قبل عام ونصف العام الحديث عن ضرورة تشديد عقيدتنا النووية، وقد ساهمت بنشاط في هذه النقاشات، صمتوا، وبدأت فجأة تظهر منشورات في المطبوعات الأمريكية الواحدة تلو الأخرى حول ضرورة تجنب التصعيد النووي بأي وسيلة".

ويرى كاراغانوف أن مشكلة من يسمون بدعاة السلام تكمن في أن حقيقة أنهم يعيشون حياتهم الآمنة بفضل أن الآخرين يقاتلون من أجلهم. والآن يقاتل عشرات الآلاف من الرجال من أجلهم في ساحات المعركة، ويقول إن الأوروبيين فقدوا عقولهم تماما، ولا يفهمون ما يفعلونه، ونسوا ما هي الحرب، لكن الأمريكيين بدأوا يتصرفون بحذر أكبر.

ويروج الغرب، وفقا لكاراغانوف، بأن روسيا "لا تحظى بدعم الأغلبية العالمية"، لكن في الصين، وغيرها من البلدان التي تنتمي فعليا إلى الأغلبية العالمية، يفهمون تماما منطق إجراءاتنا، بما في ذلك حركتنا نحو تغيير العقيدة النووية. كما أن تأكيدات عدد من الخبراء الغربيين الحكوميين وشبه الحكوميين بأن أغلبية الدول ستبتعد عنا إذا ما أصبحنا أكثر صرامة في المجال النووي فتلك ليست سوى "مزحة، وعنصر من عناصر الحرب النفسية وحرب المعلومات"، والتي يقول كاراغانوف أنه "تم التقاطها أيضا في بلادنا من قبل أشخاص أغبياء أو الأسوأ من ذلك، من قبل من يتمنون في قلوبهم هزيمة روسيا".

من ناحية أخرى، فقد عبرت الصين، بوضوح تام، عن موقفها من هذه القضية، حيث ذكرت وزارة الخارجية الصينية مؤخرا، تعليقا على تصريحات مسؤولين روس بشأن التغيير المرتقب في العقيدة النووية الروسية، أن بكين ترى أنه "لا ينبغي استخدام الأسلحة النووية أو شن حرب نووية"، وقد دعت الصين روسيا وغيرها من القوى النووية، في يوليو الماضي، إلى "نبذ المبادرة باستخدام الأسلحة النووية"، وفي مايو وقع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الصيني شي جين بينغ على بيان مشترك ينص، من بين أمور أخرى، على أن الحرب النووية غير مقبولة، لأنه لا منتصر فيها.

بهذا الصدد يرى كاراغانوف أن موقف الصين الرسمي مفهوم ومنطقي لأنه "ليس من المفيد لهم أن يتجهوا الآن نحو تعزيز الردع النووي، فهم ما زالوا ضعفاء في هذا المجال". أما بشأن البيان الذي وقعه قادة الدول الخمس النووية (3 يناير 2022) والذي تكررت صياغته في وثائق أخرى منذ ذلك الحين، بأن الحرب النووية لا منتصر فيها، ولهذا فلا ينبغي أن تبدأ، يقول كاراغانوف: "ذلك خطأ فكري فادح، فهل يعني ذلك إمكانية تدمير بعضنا البعض بكل أنواع الأسلحة الأخرى المتاحة لنا؟ عندما ظهرت هذه الصيغ منذ ما يقرب من نصف قرن (في بيان غورباتشوف-ريغان لعام 1985)، كان الاعتقاد السائد أنه لن تكون هناك أي حروب أخرى بين القوى النووية. أما الآن، يشن حلف (الناتو) النووي، بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، حربا واسعة النطاق ضدنا، باستخدام علف المدافع الأوكراني. وقريبا، إذا لم نوقف هذا الجنون، فسيبدأون في استهلاك أعلاف أخرى".

وشدد كاراغانوف على أن الأسلحة النووية، هي أولا وقبل كل شيء أسلحة السلام ومنع الحرب، وتابع: "لقد خدمت تلك الأسلحة هذا الغرض لعقود عديدة، ولكن بعد ذلك فرضت علينا مثل هذه المقاربات والصيغ التي فتحت الطريق أمام اعتداءات غير نووية في جميع أنحاء العالم. وفي التسعينيات، بعد وقت قصير من توقيع قادة الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة على هذه العبارة لأول مرة، فتح ذلك الطريق أمام توسع "الناتو"، حيث تخلت روسيا بالكامل فعليا عن الأداة النووية كعنصر ردع وأداة للسياسة الخارجية، وكانت تلك جريمة.

ويعتقد الخبير الروسي أن خطوة "تجنب الحرب النووية" كانت خطوة على الطريق الصحيح، إلا أن الطرف المقابل كان يهدف منها لتحرير أيدي الدول التي تمكنها قوتها الاقتصادية وترسانتها التقليدية من الأسلحة من تعزيز فرصها في النصر حال المواجهة العسكرية، وبالتالي فرض إرادتها، والولايات المتحدة تدرك في نهاية المطاف أنها كانت دائما وستكون مستعدة لاستخدام الأسلحة النووية أولا.

وشكك كاراغانوف في مصداقية أي من المرشحين للرئاسة الأمريكية بشأن نزع السلاح النووي، وأكد على أن لدى جميع القوى النووية خططا للاستخدام المدروس للأسلحة النووية في ظل سيناريوهات معينة، وقال إن "إحدى الأساطير التي خلقناها في القرن الماضي، من أجل منع الحرب النووية، هي أن أي استخدام محدود للأسلحة النووية سيؤدي بالضرورة إلى نهاية العالم، وهي نظرية لا تصمد أمام الانتقاد".

وأكد كاراغانوف أن المهم ليس فقط تغيير العقيدة النووية الروسية، وإنما أن تعلن القيادة الروسية وبوضوح تام أن روسيا مستعدة لاستخدام الأسلحة النووية ضد من يدعم عدوان "الناتو" في أوكرانيا. وبرغم أن تلك جميعا هي دول أعضاء في حلف "الناتو"، إلا أن كاراغانوف يرى أن قائمة محددة من الأهداف لضربة نووية جماعية ستدفع "الناتو" إلى التراجع، وإلا سيكون رد الفعل الروسي على رد فعل  "الناتو" بضربة نووية ثانية تطال عددا أكبر بكثير من الأهداف في أوروبا، وإذا استمر التصعيد "سيكون لروسيا الحق في ضرب القواعد الأمريكية في دول (الناتو) بكافة أنحاء العالم وما يتبع ذلك من مقتل لمئات الآلاف من العسكريين".

وأعرب كاراغانوف عن ثقته بأن الغرب "إذا ما علم أننا مستعدون لاستخدام الأسلحة النووية في نهاية المطاف، فإن ذلك لن يحدث".

وختم كاراغانوف حديثه بالقول إن إعادة تنشيط الردع النووي "سيجنب البشرية مخاطر التدمير الذاتي".

المصدر: كوميرسانت

 

هذا الموقع يستخدم ملفات تعريف الارتباط .بامكانك قراءة شروط الاستخدام لتفعيل هذه الخاصية اضغط هنا