حقق حزب العمال فوزا ساحقا في انتخابات البرلمان البريطاني يوم أمس 4 يوليو، ما سيدفع بزعيمه كير ستارمر إلى منصب رئيس الوزراء، ليشكل الحكومة البريطانية المقبلة.
يعرف السير كير ستارمر بأنه شخص يمكنه التخلي عن وعوده الانتخابية وتغيير سياسته بشكل جذري، لا يحب روسيا، وكان أحد ممثلي الادعاء في قضية وفاة ضابط الاستخبارات السوفيتية السابق ألكسندر ليتفينينكو في المملكة المتحدة.
صبي من عائلة بسيطة
ولد كير ستارمر في 2 سبتمبر عام 1962 بمدينة لندن. كانت والدته ممرضة، ووالده حدادا. قضى طفولته وشبابه في بلدة أوكستيد الصغيرة جنوب إنجلترا. وعاشت عائلة ستارمر، المكونة من الأم والأب وأربعة أطفال (ستارمر هو ثانيهم) في حالة مادية سيئة للغاية، لم تتح لهم دائما الفرصة لدفع الفواتير أو إصلاح المنزل المتهالك دائما.
أصبح كير ستارمر أول أفراد العائلة ممن التحقوا بالجامعة، وهناك درس الحقوق وتخرج بمرتبة الشرف، وواصل مستقبله في دراسة فقه القانون في جامعة أكسفورد. ولا ينسى ستارمر دائما أن يذكر ناخبيه بأنه نشأ في أسرة من الطبقة العاملة، كما لاحظت وسائل الإعلام البريطانية، ما جعل الاستخدام المستمر لنفس الكليشيه يثير غضب بعض البريطانيين.
حزب العمال في دماء العائلة
دعم والدا ستارمر حزب العمال، وهو ما كان له تأثير كبير على الآراء السياسية لرئيس الوزراء المستقبلي. وقد أشارت وسائل الإعلام مرارا وتكرارا إلى أن العائلة أطلقت على ابنها اسم "كير" تيمنا بمؤسس حزب العمال وزعيمه الأول جيمس كير هاردي. إلا أن كير ستارمر نفسه أشار إلى أنه لم يناقش هذه القضية مع والديه ولا يعرف ما إذا كان هذا صحيحا.
في سن السادسة عشرة، انضم ستارمر إلى قسم الشباب في حزب العمال، وبعد تخرجه من الجامعة، أصبح رئيس تحرير المجلة اليسارية الراديكالية "البدائل الاشتراكية" Socialist Alternatives.
من محام إلى زعيم المعارضة
بعد تخرجه من الجامعة، عمل ستارمر في مجال القانون لفترة طويلة، ولوحظت أبرز إنجازاته في هذا المجال، حيث بدأ العمل عام 1987 كمحام، وشارك بشكل أساسي في الدفاع عن حقوق الإنسان في المملكة المتحدة وخارجها. وبعد 15 عاما من الخدمة، حصل ستارمر على منصب مستشار الملكة، ليترأس بعد 6 سنوات النيابة العامة الملكية. ولخدماته حصل على وسام الفروسية ولقب "سير"، وربما ألحق اللقب ضررا بستارمر فيما بعد، حيث أعطى البريطانيين انطباعا بأنه ينتمي للنخبة.
بدأت الحياة السياسية لزعيم حزب العمال المستقبلي فقط عام 2015، عندما تم انتخابه لأول مرة لعضوية البرلمان عن عمر يناهز 52، وحتى عام 2020، عمل ستارمر، الذي عارض خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، في حكومة الظل كوزير لـ "بريكست". وفي عام 2020، تم انتخابه زعيما لحزب العمال بعد استقالة جيريمي كوربين.
كير الباهت
ومع ذلك، وبرغم نجاحاته في المجال القانوني، واجه ستارمر عددا من الصعوبات في مجال السياسة. وبينما اجتذب السياسي الكثير من الاهتمام كزعيم للمعارضة إلا أن التقييمات التي تلقاها في كثير من الأحيان لم تكن بالضرورة سارة، حيث وصفته وسائل الإعلام البريطانية مرارا وتكرارا بأنه "ممل وباهت" ولا يتمتع بالكاريزما الكافية للإلهام والقيادة. وأشار النقاد السياسيون إلى افتقار ستارمر إلى مهارات التواصل الطبيعية، وقال بعضهم إنه سيكون أكثر ملاءمة لقيادة بنك، وليس دولة. وبفضل خبرته كمدع عام، كان ستارمر في موقعه الصحيح، ينتقد حزب المحافظين الحاكم وسياساته، لكنه كخطيب كان يختفي كزعيم لحزب العمال، لا سيما بالمقارنة مع رئيس الوزراء غريب الأطوار بوريس جونسون، بأسلوبه المعروف والمثير في الكلام.
وقد اعترف ستارمر نفسه بأنه شعر برغبة غريزية في كبح عواطفه. ووفقا له، فإن ذلك يعود إلى رغبة في طفولته ألا يتميز عن العائلات الأخرى "الطبيعية".
عانت والدته من مرض "ستيل" وهو مرض التهابي نادر، وكان على ستارمر منذ طفولته المبكرة رعاية الأسرة أثناء وجود والده في العمل أو في المستشفى مع زوجته.
وقد لاحظ أصدقاء ستارمر أن الصورة العامة لستارمر تختلف جذريا عن شخصيته الحقيقة، ويقولون إنه يتصرف في الأماكن العامة بشكل متحفظ ومنعزل ويبدو "متخشبا".
تقلبات الـ 180 درجة
إذا كان الناس يتذكرون كير ستارمر كسياسي، فلعل الجانب الذي يميزه هو "تقلباته" المتكررة بـ 180 درجة عن وعوده وأهدافه الحزبية. ومنذ انتخابه زعيما لحزب العمال عام 2020، قام ستارمر بنقل الحزب نحو وسط الطيف السياسي، متخليا عن عدد من الوعود الانتخابية.
فتأميم الخدمات العامة، وإلغاء مجلس اللوردات، وزيادة ضريبة الدخل على الأغنياء، واستثمار 28 مليار جنيه إسترليني في الاقتصاد الأخضر، كل تلك أمثلة قليلة عما تخلى عنه ستارمر كليا أو جزئيا، مشيرا في كثير من الأحيان إلى الوضع الاقتصادي الصعب في بريطانيا أو لقيود الميزانية.
وتلك التقلبات لم يلاحظها المعارضون السياسيون من حزب المحافظين فحسب، وإنما أيضا لاحظها عدد من الخبراء والبريطانيين العاديين. ويشير النقاد إلى افتقار ستارمر إلى المبادئ السياسية، في حين اشتكى أنصار حزب العمال اليساري من نهجه الوسطي وسياساته غير الطموحة.
المناهض لروسيا
وحتى قبل الانتخابات البرلمانية التي انتصر فيها حزب العمال، قابل ستارمر الرئيس الأوكراني المنتهية ولايته زيلينسكي أكثر من مرة، ووعده بدعم ثابت ضد روسيا إذا وصل إلى السلطة. وقد عقد أحد هذه الاجتماعات الأخيرة خلال إحياء ذكرى يوم إنزال "نورماندي"، والذي غادره زعيم المحافظين ريشي سوناك مبكرا لإجراء مقابلة. ولهذا السبب تعرض سوناك لوابل من الانتقادات من الجمهور البريطاني واضطر للاعتذار.
إضافة إلى ذلك، حافظ رئيس حزب العمال على موقف مناهض لروسيا منذ حالات تسميم ضابط الكي جي بي السابق وضابط جهاز الأمن الفيدرالي الروسي ألكسندر ليتفينينكو، وفي قضية تسميم سكريبال في سالزبري، فقد حذا ستارمر حذو تيريزا ماي التي شغلت آنذاك منصب رئيسة وزراء بريطانيا، في إلقاء اللوم على روسيا في الحادث.
رئيس وزراء بدوام جزئي
قال كير ستارمر، خلال حملته الانتخابية، إنه ظل تقليديا لسنوات عديدة يخصص أمسيات الجمعة للعائلة، ولا يعمل بعد الساعة 18:00، إلا في الظروف الأكثر إلحاحا. وقال السياسي إنه يود محاولة الالتزام بمثل هذا النظام في المستقبل، رغم اعترافه بأن ذلك سيكون أمرا صعبا.
وقد استغل خصوم ستارمر السياسيين هذا الاعتراف وحاولوا تشويه سمعته، قائلين إنه إذا فاز في الانتخابات سيصبح "رئيس وزراء بدوام جزئي" ولن يكون قادرا على خدمة البلاد بشكل جيد.
يحاول زعيم حزب العمال ألا يتحدث كثيرا عن حياته الشخصية. وفي عام 2007 تزوج من فيكتوريا ألكسندر، التي كانت تعمل في ذلك الوقت كمحامية وتقوم بإعداد الوثائق التي يحتفظ بها السياسي المستقبلي. وهي تعمل الآن في نظام الرعاية الصحية. ويعيش الزوجان في منزل بقيمة 1.75 مليون جنيه إسترليني في لندن، ولديهما طفلان في سن المراهقة.
وقد انتقلت عائلة زوجته إلى إنجلترا من بولندا قبل الحرب العالمية الثانية ويعتنقون اليهودية. وبرغم أن زوجة ستارمر ليست متدينة بشكل خاص، وزعيم حزب العمال نفسه ملحد، إلا أنهما يأخذان أطفالهما أحيانا إلى الكنيس تكريما لجذور فيكتوريا.
يلعب ستارمر كرة القدم ويستمتع بالموسيقى، وحتى سن 18، التحق رئيس الوزراء المرتقب بمدرسة الموسيقى والمسرح في لندن، حيث كان يعزف على آلات البيانو والفلوت والبلوك فلوت والكمان.
كان رئيس الوزراء المرتقب نباتيا، إلا أنه قام فيما بعد بإدخال الأسماك والمأكولات البحرية في نظامه الغذائي.
المصدر: نوفوستي