كان حنبعل أثناء الحرب البونيقية الثانية قد شق طريقه بقوات مختلطة من شبه جزيرة أيبيريا، واجتاز جبال الألب وحقق في تلك المعركة، انتصاره الثاني الكبير على قوات روما.
هذا القائد القرطاجني كان فقد البصر في عينه اليمنى أوائل عام 217 قبل الميلاد أثناء عبوره مستنقعات أرنو الموحلة في طريقه إلى وسط منطقة إتروريا الواقعة شمال غرب إيطاليا، وكان ذلك بسبب عدوى انتقلت إليه من المستنقع.
اتبع جنبعل تكتيكات مبتكرة ضد القوات الرومانية، وتمكن من الخروج من تلك المستنقعات من دون أن يتعرض جيشه المنهك إلى هجوم من القوات المعادية.
عبر جيش حنبعل بسرعة وترك القوات الرومانية تتعقبه، واستعد لنصب كمين محكم لها.
غير اتجاه قواته فجأة شرقا وسار إلى بيروجيا الحالية. مضت قواه على طول الشاطئ الشمالي الضيق لبحيرة تراسمانيا. بالقرب من مدينة كورتونا الحالية قام حنبعل بمناورة قبل هبوط الليل للفت انتباه غريمه الروماني القنصل فلامينيوس ليرى اتجاهه ويواصل تعقبه.
أقامت القوات الرومانية معسكرها خارج الوادي، فيما نشر حنبعل قواته في مواقع حددها سلفاء أثناء الليل.
القائد العسكري الروماني اندفع في الصباح بقواته من دون أن يرسل قوة لاستكشاف المنطقة. سارت القوات الرومانية تحت مرتفعات قبالة بحيرة تراسمانيا وكان حنبعل قد نصب بها العديد من الكمائن مستعينا بالضباب الكثيف.
خطة حنبعل قضت بأن يباغت سلاح الفرسان القرطاجي المكون من 10000 فارس، القوات الرومانية ويهاجمها من الجانب الأيمن ويمنعها من التراجع، كما كلفت القوات السلتية وهي بنفس العدد بمهمة دعم سلاح الفرسان.
بقية القوات التابعة لحنبعل وتتكون من 4000 فارس ليبي و6000 من المشاة الإيبيريين، نشرت على مرتفعات على شكل قوس حول شاطئ البحيرة.
ما أن اقتربت القوات الرومانية من قوات حنبعل الرئيسة حتى خرج قوات القرطاجيين من معاقلها ومواقعها المخفية، وزحفت من المرتفعات المحيطة على القوات الرومانية التي أخذت على حين غرة.
قضى سلاح الفرسان القرطاجني على الوحدات الخلفية للقوات الرومانية المكلفة بالحراسة، ولم يجد الآلاف من الرومان من مخرج إلا الاندفاع في مياه البحيرة، حيث غرقوا تحت ثقل دروعهم أو علقوا بالوحل، وأصبحوا فريسة سهلة لفرسان حنبعل.
القنصل جايوس فلامينيوس حاول كسر الحصار والخروج من الكمين ببعض وحداته، إلا أن المحاولات باءت بالفشل، وتم أسر 6000 جندي روماني حاولوا اختراق صفوف قوات حنبعل من ناحية الشرق، كما تم القضاء على وحدة تتكون من 4000 جندي روماني أرسلت لتعزيز محاولة الاختراق السابقة.
المؤرخ العسكري البريطانية باسل ليدل هارت "1895-1970"، وصف معركة تراسمانيا بأنها "أعظم كمين في التاريخ".
الخسائر الرومانية في تلك المعركة تقدر بنحو 15000 قتيل، بما في ذلك القائد فلامينيوس، علاوة على نفس العدد من الأسرى الإضافيين.
بالمقابل تقدر خسائر قوات حنبعل في هذه المعركة بحوال 1500 جندي فقط. روما أصيبت بالصدمة والفزع، إلا أن حنبعل لحسن حظ الرومان، لم يزحف بجيشه الصغير حينها على روما وكانت تحميها قوات كبيرة.
هزيمة الرومان قبالة شواطئ بحيرة تراسمانيا كانت تعد حينها، أكبر هزيمة مريرة في كامل تاريخ روما، أما الكمين الذي نصبه حنبعل فقد دخل التاريخ العسكري، وكان جرس إنذار للرومان على مدى الخطر الداهم الذي يمثله هذا القائد العسكري الفذ.
المصدر: RT