قبل 43 عاما من الآن نفذت مجموعة من الضباط القوميين اليمينيين آخر محاولة للاستيلاء على السلطة واستعادة نظام الجنرال فرانكو الذي كان فرض حكما عسكريا دكتاتوريا على إسبانيا من عام 1939 إلى عام 1975.
كان البرلمان الإسباني منعقدا في ذلك الوقت في محاولة تالية للتصويت وانتخاب رئيس وزراء جديد، إلا أن مجموعة من ممثلي النخبة العسكرية الإسبانية من الشرطة والجيش سيطرت على البرلمان وحاولت إعادة ساعات الزمن إلى الوراء.
إسبانيا كانت تعيش في ذلك الوقت أكثر من ست سنوات من دون الجنرال فرانكو الذي حكم البلاد لمدة ستة وثلاثين عاما إلى أن توفى في عام 1975، ليتولى إثر ذلك الملك خوان كارلوس عرش البلاد.
كان المقدم أنطونيو تيخيرو مولينا يبلغ حينها من العمر 49 عاما، وكان مؤيدا للآراء اليمينية المتطرفة ومناهضا للشيوعية، وكانت وفاة الجنرال فرانكو بمثابة ضربة قوية له، كما أن معاناته تواصلت بعد تغيير النظام نتيجة لسلوكه حيث واصل عمله في سلك الشرطة بإقليم الباسك حيث ترأس منذ عام 1974 قيادة أحد مقرات الحرس المدني الإقليمية، وهناك توالت الشكاوى حوله بسبب قسوته الشديدة ضد نشطاء حركة الباسك.
تيجيرو مولينا قرر الانتقال بعيدا عن الباسك إلى ملقة، وقبل ذلك، تعرض لاعتقالات تأديبية في ثلاث مناسبات، وهو ما كان بمثابة إهانة لهذا الضابط المتطرف.
تنقل مولينا خلال تلك الفترة من خدمته في سلك الدرك بين عدة مدن، ثم نُقل إلى العاصمة مدريد، وقرر مع مجموعة من الضباط الآخرين الانقلاب على النظام القائم، ونفذوا محاولة في نوفمبر عام 1978، إلا أن المحاولة فشلت واعتقل تيجيرو مولينا ووضع في السجن لمدة سبعة اشهر، إلا أن الغريب أنه عاد إلى الخدمة العسكرية بعد إطلاق سراحه.
في المحاولة الانقلابية الثانية في عام 1981، أعلن مولينا أمام البرلمان، ومسدسه في يده، أن هيئة إدارة عسكرية جديدة ستتشكل في المستقبل القريب وأنها ستستلم جميع السلطات في البلاد، مؤكدا ايضا أن كل ما يحدث يتم فقط من أجل مصلحة البلاد!
لم يحالف الحظ في هذه المرة أيضا الانقلابيين الحالمين باستعادة نظام الدكتاتور فرانكو، وأعلن جميع قادة المناطق العسكرية والحكام العسكريين ولاءهم للملك خوان كارلوس، كما شكلت حكومة مؤقتة برئاسة فرانسيسكو لينا غارسيا، نائب وزير الداخلية المسؤول عن مكافحة الإرهاب الذي أمر بدوره وحدات الحرس المدني بتطويق مبنى البرلمان.
على خلاف توقعات الضباط الانقلابيين، ظهر الملك خوان كارلوس في الساعة الواحدة من فجر يوم 24 فبراير عام 1981 على شاشة التلفزيون الوطني، وطالب الانقلابيين بإلقاء أسلحتهم على الفور والاستسلام.
نزل إثر ذلك سكان العاصمة مدريد إلى الشوارع للتعبير عن دعمهم للملك والوقوف ضد الانقلابيين. كل ذلك أسهم في إجهاض الانقلاب ولم يجد مالينا مخرجا إلا إطلاق سراح النواب الذين كان يحتجزهم والاستسلام في 24 فبراير 1981، فيما بقي الجنرال ميلانس ديل بوسكي، وهو ضابط انقلابي آخر كان سيطر وأنصاره على مدينة فالنسيا يوما آخر قبل الاستسلام.
بدأت محاكمة الضباط الانقلابيين في فبراير عام 1982، وتمت إدانة 30 متورطا في محاولة الانقلاب الفاشلة، وكان بينهم 12 جنرالا وضابطا رفيعا في القوات المسلحة، و17 ضابطا في الحرس المدني ومدني واحد.
المحكمة قضت بسجن المقدم تيجيرو مولينا 30 عاما، وعاقبت الجنرال ميلانس ديل بوسكي بالسجن 26 عاما و6 أشهر، إلا ان جميع الضباط المدانين أطلق سراحهم لاحقا، وكان مولينا آخرهم وقد أفرج عنه في عام 1996
المقدم تيجيرو مولينا وكان الشخصية الانقلابية الرئيسة في تلك المحاولة الفاشلة، بقي بعد إطلاق سراحه على آرائه السابقة، ثم اعتزل لاحقا الحياة العامة وقرر عدم التواصل مع وسائل الإعلام، وانتهى بتلك المحاولة عهد الانقلابات في إسبانيا.
RT