الجنرال غراتسياني، نائب الملك الإيطالي في شرق إفريقيا كان يتقدم حينها حفلا في باحة القصر الإمبراطوري في أديس أبابا والذي تحول إلى مقر لجامعة باسم العاصمة الإثيوبية حاليا، صحبة كبار المسؤولين الإيطاليين الفاشيين فيما عرف في ذلك الوقت بـ "إثيوبيا الإيطالية".
كان من المفترض أن يسلم غراتسياني خلال ذلك الاحتفال هدايا لـ"الفقراء" لاستمالة الإثيوبيين الذين كانوا ألحقوا هزيمة مخزية بالقوات الإيطالية في غزوها الأول عام 1896 في معركة "عدوة" الشهيرة.
الإيطاليون الذين كانوا يعتقدون أنهم أخضعوا السكان لسلطتهم بقوة الحديد والنار في معارك عام 1936، فوجئوا باندفاع رجلين هما أبرهام ديبوتش وموغيس أسجدوم، ورميهم 10 قنابل يدوية بدائية على المشاركين في الاحتفال.
قتل في هذا الهجوم سبعة أشخاص وأصيب 50 آخرون، من بينهم ضباط إيطاليون كبار بمن فيهم الجنرال أوريليو ليوتا، القائد العام للقوات الجوية الإيطالية في إثيوبيا، علاوة على الجنرال غراتسياني الذي انتشرت أكثر من 350 شظية صغيرة في جسده وخاصة في الساقين. في المستشفى وهو يتلقى إجراءات الإسعاف، أمر غراتسياني بتنفيذ انتقام سريع وعنيف.
تلك المذبحة ضد المدنيين التي تعرف بالأمهرية وبالتقويم المحلي بـ "ياكاتيت 12"، توصف بأنها أسوأ مذبحة في التاريخ الإثيوبي، كما تعرف في الأدب الإثيوبي باسم "المذبحة الكبرى".
على مدى ثلاثة أيام في 19 و10 و21 فبراير عام 1937، قامت قوات الاحتلال الإيطالي وبمشاركة ما يعرف بفرق " القمصان السوداء" بإطلاق النار على كل من صادفهم من السكان المحليين في شوارع أديس أبابا، وتعرض لاحقا الكثيرون من المدنيين العزل للقتل داخل منازلهم، وأضرم الإيطاليون النار في المنازل ثم أطلقوا النار من مدافعهم الرشاشة على كل من يخرج من ألسنة اللهب.
علاوة على كل ذلك، شنق الإيطاليون العديد من المدنيين على أغصان الأشجار على طول الطرق المؤدية إلى أديس أبابا، وتمددت المجزرة الرهيبة إلى مدن مجاورة.
القوات الإيطالية قامت وقت المذبحة بتطويق العاصمة أديس أبابا بشكل تام، كما تم قطع اتصالها بالتلغراف بالعالم لتجري عمليات الانتقام الدموية في صمت.
المصادر الإثيوبية تتحدث عن مقتل 30 ألف شخص على يد الإيطاليين، فيما ذكرت مصادر أخرى أن عدد القتلى يتراوح بين 1400 إلى 6000 شخص، إلا أن دراسة أجريت في عام 2017، توصلت إلى أن حوالي 19200 شخص قتلوا في تلك المذبحة، وهو رقم يعادل ما نسبته حينها 20 بالمئة من سكان أديس ابابا.
العديد من سكان أديس أبابا تعرضوا للاعتقال بما في ذلك موالون للإيطاليين من السكان المحليين كانوا قاموا بمساعدتهم في التعرف على الرجلين اللذين نفذا محاولة الاغتيال الجريئة.
غراتسياني، الجنرال الدموي الذي حاز عن جدارة بلقب "الجزار" أثناء قيادته لقوات بلاده في ليبيا وغثيوبيا، يعد بطلا في بلاده.
هذا القائد العسكري الفاشي لم يكتف بتلك المذبحة وزاد عليها بملاحقة وقتل المنشدين والعرافين المحليين لدورهم في نشر أخبار المذابح الإيطالية والجرائم التي ترتكب بحق مواطنيهم.
غراتسياني أبلغ وزارة المستعمرات الإيطالية في تقرير مؤرخ في 119 مارس عام 1937 عما قام به من إجراءات قائلا:
بعد محاولة الاغتيال في 19 فبراير، أبلغتني السلطات السياسية والشرطة أنه يجب تصنيف المطربين المتجولين والعرافين والسحرة على أنهم عناصر خطرة على النظام العام. لقد نشروا شائعات غير محتملة بين السكان المتخلفين والجاهلين والمؤمنين بالخرافات بأن إبادة كاملة للسكان من قبل الإيطاليين من المفترض أن تتم، وأيضا بشأن هجوم وشيك على العاصمة من قبل مفارز للمتمردين باستخدام مساعدات خارجية، وبشأن عودة وشيكة لنيجوس (إمبراطور إثيوبيا) على رأس جيش كبير، وما شابه... اقتناعا مني بالحاجة إلى اقتلاع هذه الحشائش، أصدرت الأمر باحتجاز وإطلاق النار على جميع المطربين المتجولين والعرافين والسحرة في المدينة والمنطقة المحيطة بها. حتى الآن تم القضاء على 70 شخصا.
إثيوبيا تكرس رسميا حتى الآن، 19 فبراير يوما للحداد الوطني، ولا ينقص من قيمة هذه الذكرى المأساوية والبطولية في آن واحد، أن إثيوبيا وإريتريا تتنزعان الفضل بادعاء كل منهما أن الرجلين اللذين نفذا محاولة اغتيال غراتسياني هما من مواطنيها.
المصدر: RT