فكرة حل "المسألة اليهودية" في أوروبا عن طريق "التخلص" من اليهود الأوروبيين بإعادة توطينهم في مدغشقر كانت بولندا أول من طرحها بشكل عملي، وكان ذلك في عام 1937.
المشروع كان يستهدف ترحيل اليهود البولنديين أولا إلى مدغشقر وتوطينهم في هذه الجزيرة النائية، وبعد ذلك يتم توطين اليهود الألمان وغيرهم من يهود أوروبا.
بولندا كانت أرسلت في عام 1937، لجنة إلى مدغشقر لدراسة مدى جدوى إعادة توطين اليهود في الجزيرة، وقد توصل أعضاء هذه اللجنة إلى استنتاجات مختلفة.
رئيس اللجنة الرائد ميخائيل ليبيتسكي رأى وجود إمكانية لتوطين ما بين 40 إلى 60 ألف يهودي في مدغشقر، لكن ممثلين يهوديين في اللجنة لم يرق لهما هذا التقييم، وأعرب ليون ألتر، مدير جمعية الهجرة اليهودية في وارسو، عن اعتقاده بإمكانية إعادة توطين 2000 شخص فقط في مدغشقر.
الحكومة البولندية في ذلك الوقت على الرغم من أنها اعتبرت تقديرات ليبيتسكي مبالغا فيها، إلا أنها واصلت مناقشة هذه المسألة مع فرنسا التي كانت تستعمر هذه الجزيرة الإفريقية حينها.
أوروبا كانت تضع اللوم على اليهود فيما تقاسيه من أزمات سياسية واقتصادية في عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي، كما أنها كانت قلقة من تزايد اعداد اليهود في القارة الأوروبية، حيث ارتفع تعدادهم على سبيل المثال في بولندا بين عامي 1921 و1931 من 2.85 إلى 3.31 مليون شخص.
الأوروبيون وفي طليعتهم بولندا، أرادوا التخلص من اليهود وترحيلهم بعيدا. في هذا السياق صاغ رئيس الوزراء البولندي فيليسيان سلافوج سكلادكوفسكي في عام 1936، أهداف حكومته فيما يتعلق بالسكان اليهود على النحو التالي: "الحرب الاقتصادية ضد اليهود بكل الوسائل، ولكن بدون استخدام القوة".
بولندا توجهت إلى أوروبا طلبا للمساعدة بهذا الشأن، وعرضت فرنسا خيار جزيرة مدغشقر، التي كانت ضمن مستعمراتها، وعدّت باريس المشروع، فكرة مشتركة فرنسية بولندية، وبدأت الحكومة الفرنسية مفاوضات في مسعى لنقل ملكية مدغشقر إلى بولندا، تمهيدا لتنفيذ المشروع.
اللافت أن فكرة توطين اليهود في مدغشقر ظهرت في وقت سابق لوصول النازيين إلى السلطة في ألمانيا، إذ أن الباحث والفيلسوف بول أنطون بوتيشر، وكان كارها لليهود اقترح في عام 1878 إعداد خطة لتوطين جميع اليهود الأوروبيين في هذه الجزيرة الإفريقية النائية.
في ذلك الوقت كانت الإمبراطورية الألمانية قد أقامت مستعمرات لها في شرق إفريقيا على أراضي تنزانيا الجالية وبوروندي ورواندا، وسعت في ذلك الوقت إلى توسيع مستعمراتها الإفريقية لتشمل جزر المحيط الهادي. اصطدمت المصالح الألمانية بالفرنسية في المنطقة، وسارعت القوات الفرنسية في عام 1883 إلى غزو مدغشقر. تم احتلال الجزيرة في عام 1885، وأصبحت مكانا محتملا لترحيل اليهود الأوروبيين، وكان يفترض أن يتم توطين حوالي نصف مليون يهودي في الجزيرة سنويا.
بعد احتلال ألمانيا النازية لفرنسا في عام 1940، تم إحياء الفكرة من جديد، واقترح رئس القسم اليهودي بوزارة الخارجية الألمانية، فرانز راديماخر، إجبار فرنسا على تسليم مدغشقر إلى ألمانيا، بهدف إقامة قاعدة بحرية هناك، إضافة إلى "محمية يهودية"، على أن يتم تغطية تكاليف تلك الهجرة إلى مدغشقر بضمانة الممتلكات اليهودية التي صادرها النازيون.
الخطة في ذلك الوقت واجهت العديد من الصعوبات منها عدم توفر سفن لهذا الغرض، إضافة إلى سيطرة البريطانيين على الممرات البحرية.
لم تتمكن ألمانيا النازية من تدمير سلاح الجو البريطاني في سعيها لهزيمة بريطانيا، وجرى تأجيل غزو الجزر البريطانية، كما أجل مشروع ترحيل اليهود إلى مدغشقر، وسرعان ما فقد أهميته بشكل تام ولم يعد مطروحا.
المصدر: RT