بوتين: روسيا وأوكرانيا سوف تتوصلان إلى اتفاق عاجلا أم آجلا

أخبار العالم

انسخ الرابطhttps://ar.rt.com/wxz6

قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في مقابلة مع الصحفي تاكر كارلسون، إن روسيا تريد التوصل إلى تسوية مع كييف عبر المفاوضات، معربا عن ثقته في أن البلدين سيتمكنان من ذلك.

وقال بوتين خلال المقابلة: "سيكون الأمر مضحكا لو لم يكن حزينا للغاية.. التعبئة التي لا نهاية لها في أوكرانيا، والهستيريا، والمشاكل الداخلية، كل هذا.. عاجلا أم آجلا سوف نتوصل إلى اتفاق على أي حال.. هل تعلم؟، قد يبدو الأمر غريبا في الوضع الحالي: ستتم استعادة العلاقات بين الشعوب، وسيستغرق الأمر الكثير من الوقت، لكن سيتم استعادتها".

وأشار بوتين إلى أن "كييف هي التي تخلت عن عملية التفاوض مع روسيا في خريف عام 2022، كما قررت رفض المفاوضات مع روسيا بناء على تعليمات من واشنطن، والآن على الولايات المتحدة تصحيح هذا الخطأ".

وأكد أن "روسيا عرضت مرارا وتكرارا البحث عن حل سلمي للمشاكل في أوكرانيا بعد عام 2014، لكن لم يستمع إلينا أحد".

وأضاف بوتين: "لقد بدأ الغرب يدرك استحالة هزيمة روسيا الاستراتيجية، لذلك عليه أن يفكر فيما يجب فعله بعد ذلك، ونحن مستعدون للحوار".

وأكد بوتين في المقابلة أن "الناتو قادر على الاعتراف بشكل كاف بسيطرة روسيا على مناطق جديدة، وهناك خيارات إذا كانت هناك رغبة".

وقال بوتين: "أبلغت بايدن في محادثتي الأخيرة معه أنه يرتكب خطأ فادحا بدعم أوكرانيا وإبعاد روسيا".

وأضاف: "الغرب يخشى من الصين قوية أكثر مما يخشى من روسيا قوية، والأمريكيون تعهدوا بعدم توسع الناتو شرقا لكن التوسع حدث 5 مرات".

وأوضح بوتين: "اقترحنا انضمام روسيا إلى الناتو بعد انهيار الاتحاد السوفييتي لكنهم رفضوا، وعندما رفض الناتو انضمامنا إليه كانوا يخشون روسيا كدولة كبيرة وقوية".

المقابلة الكاملة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع الصحفي الأمريكي تاكر كارلسون

تاكر كارلسون: السيد الرئيس، شكرا جزيلا لك.

في الرابعِ والعشرينَ من فبراير ألفينِ واثنينِ وعشرين، عندما بدأ الصراعُ في أوكرانيا، قمتُم بتوجيهِ خطابٍ إلى بلدكُم وشعبكُم، وقلت إنكَ تقوم بذلك لأنك توصلتَ إلى استنتاجٍ مفادُه أنهُ بمساعدةِ الناتو، يمكنُ للولاياتِ المتحدة أن تشنَّ هجومًا مفاجئًا، هجومًا على بلدكم. وهذا بالنسبةِ للأمريكيين، يشبهُ جنونَ العظمة.

لماذا تعتقدُ أن الولاياتِ المتحدة الأمريكية يمكنُ أن توجهَ ضربةً غيرَ متوقعةٍ لروسيا؟ كيف توصلتُم إلى هذا الاستنتاج؟

 

فلاديمير بوتين: الأمرُ لا يتعلق بأن الولاياتِ المتحدة كانت ستوجهُ ضربةً غيرَ متوقعةٍ لروسيا، فأنا لم أقُل ذلكَ قط.

هل نحنُ في برنامجٍ حواري أم أننا نُجري محادثة جادة؟

 

تاكر كارلسون: هذا اقتباسٌ رائع. شكرًا لك.

بكل تأكيد نحنُ نُجري محادثةً جادة.

 

فلاديمير بوتين: على حدِّ علمي، تعليمُك الأساسيّ هو في التاريخ، أليسَ كذلك؟

 

تاكر كارلسون: نعم.

 

فلاديمير بوتين: إذن، سأسمحُ لنفسي – لمدةِ 30 ثانية أو لدقيقةٍ واحدة فقط – أن أقدمَ القليلَ من الخلفيةِ التاريخية. هل تمانع؟

 

تاكر كارلسون: لا، تفضل بكل تأكيد.

 

فلاديمير بوتين: إذاً أنظر، كيف بدأت علاقاتُنا مع أوكرانيا ومن أين أتت أوكرانيا؟

بدأت الدولةُ الروسيةُ تتجمعُ كدولةٍ مركزية، في عام ثمانِمئةٍ واثنينِ وستين 862 ويُعتبر هذا عامَ إنشاءِ الدولة الروسية، عندما قام سكانُ نوفغورود– وهي مدينةُ تقعُ شمالَ غرب البلاد - بدعوةِ الأمير روريك من الدولِ الإسكندنافية، من الفرنجيين، للحُكم. عامَ 862 ثمانِمئة واثنين وستين.

احتفلت روسيا في عامِ ألفٍ وثمانِمئةٍ واثنينِ وستين 1862، بالذكرى الألف لدولتِها، وفي نوفغورود يوجدُ نُصُب تذكاريٌ مخصصٌ للذكرى الألف للبلاد.

جاءَ خليفةُ روريك الأمير أوليغ في عامِ ثمانِمئةٍ واثنينِ وستين 882، إلى كييف، والذي كانَ بمثابةِ الوصيِّ على ابن روريك الصغير، وكان روريك قد توفيَ بحلولِ ذلك الوقت. وقد أزاحَ من السلطةِ شقيقين كانا، على ما يبدو، عُضوينِ في فريقِ روريك، وبالتالي بدأت روسيا في التطور، حيثُ كان لها مركزانِ للحكم: في كييف ونوفغورود.

التاريخُ التالي الهامُ للغاية في تاريخِ روسيا هو عامُ 988 تسعِمئةٍ وثمانيةٍ وثمانين . هذه هي معموديةُ روسيا القديمة، عندما قامَ الأميرُ فلاديمير، حفيدُ روريك، بتعميدِ روسيا وقبلَ الإيمانَ الأرثوذكسي - المسيحيةَ الشرقية. منذ ذلك الوقت، بدأت الدولةُ الروسيةُ المركزية في التنامي. لماذا؟ أرضٌ واحدة، روابطُ اقتصادية واحدة، لغةٌ واحدة، وبعدَ معموديةِ روس - عقيدةٌ واحدة، وحكمُ الأمير. وبدأت الدولةُ الروسية المركزية في التشكيل.

لكنّ لأسبابٍ مختلفة، بعدَ إدخالِ خلافة العرش - أيضًا في العصور القديمة، العصورِ الوسطى - على يد ياروسلاف الحكيم، بعد ذلكَ بقليل، بعد وفاتِه، كانت خلافةُ العرشِ صعبة، ولم يتم نقلُها بشكلٍ مباشر من الأب إلى الابنِ الأكبر، ولكن من الأميرِ المُتوفى إلى أخيه، ثم إلى أبنائِه من فروعٍ مختلفة. كلّ هذا أدى إلى تقسيمِ روسيا - الدولةِ الواحدة، التي بدأت تتشكلُ كدولةٍ واحدة. لا يوجدُ شيء ذو أهميةٍ خاصة في هذا الأمر، فقد حدث نفسُ الشيء في أوروبا. لكن الدولة الروسيةَ المجزأة أصبحت فريسةً سهلةً للإمبراطوريةِ التي أنشأها جنكيز خان ذات يوم. جاء خلفاء خان ​​إلى روسيا ونهبوا جميعَ المدن تقريبًا ودمروها. الجزءُ الجنوبي، حيث كانت كييف، بالمناسبة، وبعضُ المدن الأخرى، فقدت ببساطةٍ استقلالها، واحتفظت المدنُ الشماليةُ بجزءٍ من سيادتها. صحيحٌ انهم دفعوا جزية، لكنهم احتفظوا بجزءٍ من سيادتهِم. وبعد ذلك بدأت تتشكلُ دولةٌ روسية واحدة ومركزُها في موسكو.

بدأ الجزءُ الجنوبي من الأراضي الروسية، بما في ذلك كييف، ينجذبُ تدريجياً نحو "مغناطيسٍ" آخر - نحو المركز الذي كان يتشكلُ في أوروبا. وهذه كانت دوقيةُ ليتوانيا الكبرى. حتى إنه كان يُطلقُ على اللغة آنذاك اسمُ اللغةِ الليتوانية الروسية، لأن الروسَ كانوا يشكلونَ جزءًا كبيرًا من هذه الدولة. كانوا يتحدثون الروسيةَ القديمةَ وكانوا أرثوذكس. ولكن بعدَ ذلكَ حدث التوحيد - اتحادُ دوقية ليتوانيا الكبرى ومملكةِ بولندا. وبعد سنواتٍ قليلة، تم التوقيعُ على اتحاد آخر في المجال الروحي، وخضعَ بعضُ الكهنةِ الأرثوذكس إلى سلطةِ بابا روما، وهكذا أصبحت هذه الأراضي جزءًا من الدولة البولندية الليتوانية.

لكن لعقودٍ من الزمن، انخرط البولنديون في استقطابِ هذا الجزء من السكان: أدخلوا لغتَهم هناك، وبدأوا في تقديمِ فكرة أن هؤلاء ليسوا روسًا تمامًا، وبما أنهم يعيشون على الأطراف، فهم أوكرانيون. كانت كلمةُ "الأوكرانية" في البداية، تعني أن الشخصَ يعيش في ضواحي الدولة، "على الأطراف"، أو يشاركُ في خدمة الحدود. ولم يكن يعني أيَّ مجموعةٍ عرقيةٍ معينة.

بذل البولنديون كلَّ ما في وسعِهم لاستقطابهم ومن حيثُ المبدأ، تعاملوا مع هذا الجزءِ من الأراضي الروسية، بقسوةٍ شديدة، إن لم يكُن بعنف شديد. كلُّ هذا أدى إلى حقيقةِ أن هذا الجزءَ من الأراضي الروسية بدأ النضالَ من أجل حقوقه. وكتبوا رسائلَ إلى وارسو، يُطالبون فيها باحترامِ حقوقهم، حتى يتمَّ إرسالُ الناس إلى هنا، بما في ذلك إلى كييف...

 

تاكر كارلسون: متى حدثَ هذا، في أيّ سنة؟

 

فلاديمير بوتين: كان ذلكَ في القرنِ الثالثَ عشر.

سأخبُرك الآن بما حدث بعد ذلك وسأذكرُ التواريخ حتى لا يكون هناك أيُّ لَبْس.

في عام ألفٍ وستمئةٍ وأربعةٍ وخمسين 1654، حتى قبلَ ذلك بقليل، توجه الأشخاص الذين سيطروا على السلطةِ في هذا الجزء من الأراضي الروسية إلى وارسو، وأكرر، مطالبين بإرسالِ الناس إليهم من أصلٍ روسي ومُعتقدٍ أرثوذكسي. وعندما لم تستجب لهُم وارسو، بأيّ شيء من حيث المبدأ، ورفضت هذه المطالبَ عمليا، بدأوا يلجؤون إلى موسكو حتى تستقبلهم.

وكي لا تظنّ أنني اختلقتُ شيئاً ما، سأعطيكَ هذه الوثائق...

 

تاكر كارلسون: لا، أنا لا أعتقدُ أنكّ تختلقُ شيئًا ما.

 

فلاديمير بوتين: ورغمَ ذلك، فهذه نسخٌ لوثائقَ من الأرشيف. توجدُ هنا رسائلُ من بوغدان خميلنيتسكي، الرجلِ الذي كان يسيطرُ على السلطة في هذا الجزء من الأراضي الروسية التي نسميها الآن أوكرانيا. وكتبَ إلى وارسو يطالبُ باحترامِ حقوقهم، وبعد أن تمَّ رفضُ مطالبه، بدأ يكتبُ رسائلَ إلى موسكو يطلب أن يكونوا تحت حمايةِ قيصرِ موسكو القوية. توجدُ هنا [في الملف] نسخٌ من هذه المستندات. سأتركُها لكم كذكرى طيبة. هناك ترجمةٌ إلى اللغة الروسية، ومن ثم يمكنكُم ترجمتُها إلى اللغة الإنجليزية.

لم توافق روسيا على استقبالهِم على الفور، لأنها انطلقت من أن الحربَ مع بولندا ستبدأ. ومع ذلك، في عام ألفٍ وستٍّمئةٍ وأربعةٍ وخمسين 1654، اتخذ مجلسُ زيمسكي - الذي كان هيئةً تمثيليةً لسلطةِ الدولةِ الروسية القديمة - قرارًا: أصبحَ بموجبهِ هذا الجزءُ من الأراضي الروسية القديمةِ جزءًا من مملكة موسكو.

وكما كانَ متوقعا، بدأتِ الحرب مع بولندا. واستمرت ثلاثةَ عشرَ 13 عاماً، ثم تم إبرامُ هدنة. وبعد إبرامِ هذا الاتفاق عامَ ألفٍ وستِّمئةٍ وأربعةٍ وخمسين 1654، بعد اثنينِ وثلاثينَ 32 عامًا، حسبَما أتذكر، تم إبرامُ السلام مع بولندا، "السلامِ الأبدي"، كما قيلَ آنذاك. وذهبت هذه الأراضي، الضفة اليُسرى بأكملها من نهر دنيبر، بما في ذلك كييف، إلى روسيا، وبقيت الضفةُ اليُمنى بأكملها من نهر دنيبر مع بولندا.

ثم استعادت روسيا في عهدِ كاترين الثانية، جميعَ أراضيها التاريخية، بما في ذلك الجنوبُ والغرب. واستمر كلّ هذا حتى الثورة. وقبلَ الحرب العالمية الأولى، وبالاستفادة من أفكار الأكرنةِ هذه، بدأت هيئةُ الأركان العامة النمساوية بنشاط كبير في الترويجِ لفكرةِ أوكرانيا والأكرنة. كل شيء كان واضحاً لماذا تمَّ كل ذلك: لأنهُ عشيةَ الحربِ العالمية، بالطبع، كانت هناك رغبةٌ في إضعاف العدو المحتمل، وكانت هناك رغبةٌ في خلق ظروفٍ مواتية لأنفسِهم في المنطقة الحدودية. وهذه الفكرة، التي وُلدت في بولندا، وهي أن الأشخاصَ الذين يعيشون في هذه المنطقة ليسوا روسًا تماماً، ويُزعمُ أنهم مجموعةٌ عرقية خاصة، من الأوكران، وبدأت هيئةُ الأركانِ العامةُ النمساوية في الترويج لها.

كما ظهر منظرو استقلالِ أوكرانيا في القرنِ التاسع عشر، وتحدثوا عن الحاجة إلى استقلال أوكرانيا. ولكن، صحيحٌ أن كلّ صانعي استقلالِ أوكرانيا قالوا إنه ينبغي أن تكون لأوكرانيا علاقاتٌ جيدة للغاية مع روسيا، وقد أصروا على ذلك. ومع ذلك، بعدَ ثورة ألفِ وتسعِمئةٍ وسبعةَ عشر 1917، حاول البلاشفةُ استعادةَ الدولة، واندلعت الحرب الأهلية، بما في ذلك [الحربُ] مع بولندا. تم توقيعُ معاهدةِ سلام مع بولندا في عام ألفٍ وتسعِمئةٍ وواحدٍ وعشرين 1921، والتي بموجبِها ذهب الجزءُ الغربي، من الضفةِ اليمنى لنهر دنيبر، مرة أخرى إلى بولندا.

في عام ألفٍ وتسعِمئةٍ وتسعةٍ وثلاثين 1939، بعد أن تعاونت بولندا مع هتلر، وبولندا بالفعل تعاونت مع هتلر، واقترح هتلر - ولدينا كلُّ الوثائق في الأرشيف - عقدَ سلام مع بولندا، عبرَ معاهدةِ صداقةٍ وتحالف، لكنه طالبَ بولندا بأن تردّ لألمانيا ما يسمى ممرّ دانزيغ، الذي يربط الجزءَ الرئيسي من ألمانيا بـ كونيغسبيرغ وبروسيا الشرقية. بعد الحربِ العالميةِ الأولى، أُعطي هذا الجزءُ من الأراضي لبولندا، وبدلاً من دانزيغ حلت مدينةُ غدانسك. وطلب منهُم هتلر أن يسلموه بشكلٍ سلمي، لكن البولنديين رفضوا. ولكن مع ذلك، تعاونوا مع هتلر وبدأوا معًا في تقسيم تشيكوسلوفاكيا.

 

تاكر كارلسون: هل لي أن أسأل؟ أنت تقولُ إنّ أجزاءً من أوكرانيا كانت في الواقع أراضٍ روسية منذ مئاتِ السنين. لماذا لم تأخُذها عندما أصبحتَ رئيسًا قبل أربعةٍ وعشرينَ 24 عامًا؟ كان لديك أيضاً سلاح. لماذا انتظرتَ طويلاً إذن؟

 

فلاديمير بوتين: سأخبرك الآن أنني تقريباً انتهيتُ من هذه المعلوماتِ التاريخية. ربما يكون الأمر مملاً، لكنه يوضحُ الكثير.

 

تاكر كارلسون: لا، إنها ليست مملة.

 

فلاديمير بوتين: حسنًا، عظيم.  وأنا سعيدٌ جدًا لأنك تقدر ذلك كثيرًا. شكرًا جزيلاً.

وهكذا، قبل الحرب العالمية الثانية، عندما تعاونت بولندا مع ألمانيا، رفضت تلبيةَ مطالبِ هتلر، لكنها مع ذلك شاركت مع هتلر في تقسيم تشيكوسلوفاكيا، ولكن بما أنها لم تتخلّ عن ممر دانزيغ، فقد أجبره البولنديون على بدءِ الحرب العالمية الثانية تحديداً منهًم . إذاً لماذا بدأت الحرب في 1 سبتمبر من عام ألفٍ وتسعِمئةٍ وتسعةٍ وثلاثين 1939 من بولندا؟ لأنه اتضحَ أنها رفضت الاتفاقَ معه. ولم يكن لدى هتلر أي خيار لتنفيذ خططه إلا البدءُ ببولندا.

بالمناسبة، الاتحاد السوفيتي تصرف بأمانة شديدة - أنا قرأتُ الوثائقَ الأرشيفية – لقد طلبَ الاتحاد السوفيتي الإذنَ من بولندا بإرسال قواتهِ لمساعدة تشيكوسلوفاكيا. ولكن قيلَ على لسان وزير خارجية بولندا آنذاك، إنه حتى لو حلقت الطائراتُ السوفيتية نحو تشيكوسلوفاكيا عبر أراضي بولندا، فسوف يُسقطونَها فوق أراضي بولندا. هذا ليس مهما. لكنَ الشيء المهم هو أن الحربَ بدأت، والآن أصبحت بولندا نفسُها ضحيةً للسياسةِ التي اتبعتها تجاه تشيكوسلوفاكيا، لأنه وفقًا لبروتوكولات مولوتوف-ريبنتروب المعروفة، ذهب جزءٌ من هذه الأراضي إلى روسيا، بما في ذلك غربُ أوكرانيا. وبذلك عادت روسيا، تحت اسم الاتحاد السوفييتي، إلى أراضيها التاريخية.

بعد النصر في الحرب الوطنية العظمى، كما نقول، هي الحربُ العالمية الثانية، تم ربطُ كلّ هذه الأراضي أخيرًا بروسيا والاتحاد السوفيتي. ومن المفترض أن بولندا، كتعويض، ضمت الأراضيَ الغربية، الألمانيةَ في الأصل – وهو الجزءُ الشرقي من ألمانيا، جزءٌ من الأراضي، هذه هي المناطقُ الغربيةُ من بولندا اليوم. وبطبيعة الحال، استعادوا مرةً أخرى المخرجَ إلى بحر البلطيق، وعادوا مرة أخرى إلى دانزيغ، الذي أصبحَ فيما بعد يُسمى باللغة البولندية. هكذا تطور الوضع.

بدأ البلاشفةُ أثناءَ تشكيل الاتحاد السوفيتي عام ألفٍ وتسعِمئةٍ واثنينِ وعشرين 1922، في تشكيلِ اتحادِ الجمهوريات الاشتراكية السوفيتية وأنشأوا أوكرانيا السوفيتية، والتي لم تكن موجودةً حتى الآن على الإطلاق.

 

تاكر كارلسون: هذا صحيح.

 

فلاديمير بوتين: في الوقتِ نفسه، أصر ستالين على ضرورةِ إدراجِ هذه الجمهوريات التي تم تشكيلُها ككياناتٍ مستقلة، ولكن لسبب ما، أصر مؤسس الدولة السوفييتية، لينين، على أن لها الحقّ في الانفصال عن الاتحاد السوفييتي. ولأسبابٍ غيرِ معروفة أيضاً، منحَ أوكرانيا السوفييتيةَ الناشئة الأراضيَ والسكانَ الذين يعيشون في هذه الأراضي، حتى لو لم يُطلق عليهم اسم أوكرانيا من قبل، ولسببٍ ما أثناء تشكيلهِم، تم "دمجُ" كل هذا في جمهورية أوكرانيا الاشتراكية السوفيتية، بما في ذلك منطقةُ البحر الأسود بأكملِها، والتي تم استلامُها في عهد كاترين الثانية، وفي الواقع، لم يكن لها أيُّ علاقةٍ تاريخية بأوكرانيا.

إذا تذكرنا، وعُدنا إلى عام ألفٍ وستِّمئةٍ وأربعةٍ وخمسين 1654، عندما عادت هذه الأراضي إلى الإمبراطورية الروسية، كانت هناك ثلاثُ أو أربعُ مناطقَ حديثة في أوكرانيا، ولم تكن هناك منطقةُ البحر الأسود. لم يكن هناك ببساطةٍ شيء حتى للحديث عنه.

 

تاكر كارلسون: في عام ألفٍ وستِمئةٍ وأربعةٍ وخمسين 1654؟

 

فلاديمير بوتين: نعم، بالضبط.

 

تاكر كارلسون: لديكَ معرفةٌ موسوعية. لكن لماذا لم تتحدّث عن هذا خلالَ أوّلِ اثنينِ وعشرينَ عاماً 22 من رئاستِك؟

 

فلاديمير بوتين: حصَلت، إذن، أوكرانيا السوفيتية على عددٍ كبير من الأراضي التي لم يكُن لها أيُّ علاقةٍ بها على الإطلاق، وفي المقام الأول منطقةُ البحر الأسود. كان يُطلق عليها اسم نوفوروسيا، عندما استعادتها روسيا نتيجةَ الحروبِ الروسية التركية، ولكن هذا ليس مهما. المهم أن لينين، مؤسسَ الدولةِ السوفييتية، خلقَ أوكرانيا بهذهِ الطريقة بالضبط. ولعقودٍ عديدة، تطورت جمهورية أوكرانيا الاشتراكية السوفيتية كجزءٍ من اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفيتية، وكان البلاشفة، لأسبابٍ غير معروفة أيضًا، منخرطينَ في الأكرنة. ليس فقط لأنه كان هناك مهاجرونَ من أوكرانيا في قيادةِ الاتحاد السوفيتي، ولكن بشكل عام كانت هناكَ مثلُ هذه السياسة - كان يُطلق عليها "التوطين". يتعلقُ هذا بأوكرانيا وجمهورياتِ الاتحاد الأخرى. تم إدخالُ لغاتٍ وطنية وثقافاتٍ وطنية، والتي بشكل عام، من حيث المبدأ، بالطبع، ليست سيئة. ولكن هذه هي الطريقةُ التي تم بها إنشاءُ أوكرانيا السوفيتية.

ضمت أوكرانيا بعد الحربِ العالمية الثانية، جزءا آخرَ من الأراضي.. ليس فقط الأراضيَ البولندية قبل الحرب – التي هي اليوم أوكرانيا الغربية، ولكن جزءاً من الأراضي المجريةِ وجزءاً من الأراضي الرومانية. كما تم أخذُ جزءٍ من أراضي رومانيا والمجر، وأصبحت هذه الأراضي جزءًا من أوكرانيا السوفيتية وما زالت موجودة. لذلك، لدينا كلُّ الأسبابِ للقول إن أوكرانيا، بطبيعة الحال، هي، بمعنى ما، دولةٌ مصطنعة أنشأتها إرادة ستالين.

 

تاكر كارلسون: هل تعتقدُ أن المجر لها الحقُّ في استعادةِ أراضيها؟ وهل تستطيعُ الدولُ الأخرى استعادةَ أراضيها وربما إعادةَ أوكرانيا إلى حدود عامِ ألفٍ وستِّمئةٍ وأربعةٍ وخمسين  1654؟

 

فلاديمير بوتين: لا أعلم، كيف يمكنُ العودةُ لحدودِ عامِ ألفٍ وستمئةٍ وأربعةٍ وخمسين 1654. يُطلقُ على فترةِ حكم ستالين اسمُ النظام الستاليني، ويقولُ الجميع إن هناكَ العديدَ من الانتهاكات لحقوق الإنسان، وانتهاكاتٍ لحقوقِ الدول الأخرى. وبهذا المعنى، بالطبع، من الممكن تمامًا، أن نقول إنَّ لديهِم الحقّ في إعادةِ أراضيهم، وهذا مفهومٌ على أي حال...

 

كارلسون: هل قلتُم ذلكَ لأوربان؟ بأنهُ يستطيعُ استعادةَ قسمٍ من الأراضي الأوكرانية؟

 

بوتين: لم أقُل ذلكَ أبداً. نحن حتى لم نتحدث في هذا الشأنِ إطلاقاً. لكنني أعلمُ بشكلٍ مؤكّد أنّ المجريين الذين يعيشون هناك يريدونَ بالطبع العودةَ إلى وطنِهم التاريخي.

علاوةً على ذلك، سأخبركُم الآن بقصةٍ مثيرة للاهتمام للغاية، وسأستطرد، وهذه قصةُ شخصية. في وقتٍ ما من أوائلِ الثمانينيات، استقليتُ سيارةً من المدينةِ التي كانت تُعرف آنذاك باسم لينينغراد، أي سان بطرسبورغ، وذهبتُ في رحلةٍ حول الاتحادِ السوفيتي عبر كييف. مررتُ بكييف، ثم تابعتُ إلى غربي أوكرانيا. وصلتُ مدينةً تُسمى "بيريغوفو"، وهناك كانت جميعُ أسماءِ المدن والقرى مكتوبةً باللغةِ الروسيةِ وبلغةٍ غيرِ مفهومة بالنسبة لي - اللغةِ المجرية. باللغتين الروسيةِ والمجرية. لم تكن باللغةِ الأوكرانية - بالروسية والمجرية.

مررتُ بإحدى القرى، وكان هناك رجالٌ يرتدونَ بدلاتٍ سوداء من ثلاثِ قطع وقبعاتٍ سوداء يجلسونَ بالقربِ من المنازل. سألتُ حينها: هل هؤلاء نوعٌ من الفنانين؟ فكانت الإجابة: لا، هؤلاء ليسوا فنانين، هؤلاءِ مجريون. سألت: وماذا يفعلون هنا؟ فقيل ماذا تعنون، هذه أرضُهُم، إنهم يعيشونَ هنا. في عهد الاتحاد السوفييتي في الثمانينيات. إنهم يحتفظونَ باللغةِ المجريةِ والأسماء وجميعِ الأزياء الوطنية. إنهم مجريون ويشعرونَ بأنهم مجريون. لذلك الآن عندما يتم حرمانُهم من....

 

كارلسون: نعم، أعتقدُ أن أشياءَ كهذهِ تحدثُ كثيراً. على الأرجح، العديدُ من الدولِ غيرُ راضيةٍ عنِ التعديلِ في الحدودِ الذي جرى خلالَ التغيراتِ في القرن العشرين وما قبلَه. لكن الحقيقة أنكُم لم تُعلِنوا شيئاً كهذا حتى فبراير ألفينِ واثنينِ وعشرين 2022. وقلتُم إنكُم شعرتُم بتهديدٍ واقعيٍّ من قِبَل حلفِ الناتو، ولا سيما التهديدُ النووي، وهذا دفعكُم إلى التصرف. هل أفهمكُم بشكلٍ صحيح؟

 

بوتين: أدركُ أن حواراتي الطويلة ربما لا تناسبُ هذا النوعَ من المقابلات. ولهذا سألتكُم في البداية: هل سنُجري حواراً جدياً أم عرضاً؟ فقلتم إنها ستكونُ مُحادثة جادة. لذلكَ لا تنزعج مني، من فضلك.

لقد وصلنا إلى اللحظةِ التي تم فيها إنشاءُ أوكرانيا السوفيتية. ثم كانَ هناك عامُ ألفٍ وتسعِمئةٍ وواحد وتسعين 1991 حينَ انهارَ الاتحاد السوفييتي. وكلُّ ما تلقتهُ أوكرانيا كهديةٍ من روسيا، أخذته معها.

لقد وصلتُ الآن إلى نقطةٍ مهمةٍ جدًا لليوم. فإن هذا الانهيارَ للاتحاد السوفييتي كان في الواقع سببُه القيادةُ الروسية. لا أعرفُ ما الذي كان يوجِهُ القيادة الروسية في ذلك الوقت، ولكنني أظن أنه كان هناكَ عدةُ أسبابٍ للاعتقاد أن كل شيء سيكونً على ما يرام.

أولا، أعتقدُ أن القيادة الروسية انطلقت من المبادئ الأساسية للعلاقاتِ بين روسيا وأوكرانيا. عملياً كانت هناك لغةٌ مشتركة، أكثرُ من  تسعينَ 90 في المائة من الناس في أوكرانيا كانوا يتحدثون باللغة الروسية؛ الروابطُ العائلية، شخصٌ من بين كل ثلاثة لديه نوعٌ من الروابط العائلية أو الودية؛ الثقافةُ المشتركة؛ التاريخُ المشترك وأخيرا الدين المشترك. الوجودُ المشترك داخلَ دولة واحدة لعدة قرون؛ الاقتصادُ مترابط للغاية - كلُّ هذه أشياءُ أساسية. كل هذا يكمنُ وراء حتميةِ علاقاتنا الجيدة.

والشيءُ الثاني مهم للغاية، أريدُكم كمواطن أمريكي ومشاهديكُم أن تسمعوا عن هذا أيضًا: لقد انطلقت القيادة الروسية السابقة من حقيقة أن الاتحادَ السوفيتي لم يعد موجودًا، ولم تعد هناك خطوطٌ فاصلة أيديولوجية. حتى إنّ روسيا وافقت طوعًا وبشكل استباقي على انهيارِ الاتحاد السوفيتي انطلاقاً من حقيقةِ أن ما يسمى - بين قوسين - "الغرب المتحضر" سوف يفهم ذلك باعتبارِه اقتراحًا للتعاونِ والتحالف. وهذا ما توقعته روسيا من الولاياتِ المتحدة ومن ما يُسمى بالغرب الجماعي ككل.

كان هناك أشخاصٌ أذكياء، بما في ذلك في ألمانيا. كان "إيغون بار" شخصيةً سياسية بارزة في الحزبِ الديمقراطي الاشتراكي، وقد أصر شخصيًا في محادثاتهِ مع القيادةِ السوفيتية قبل انهيار الاتحاد السوفيتي، على ضرورةِ إنشاءِ نظام أمني جديد في أوروبا. وأنهم بحاجةٍ إلى مساعدة ألمانيا على التوحد، ولكن مع إنشاء نظامٍ جديد يشملُ الولايات المتحدة وكندا وروسيا ودولَ أوروبا الوسطى الأخرى. لكن ليست هناك حاجةٌ لتوسعِ الناتو. وهذا ما قاله: إذا توسعَ الناتو، فإن كل شيء سيكونُ كما كانَ خلال الحرب الباردة، ولكنّهُ سيكونُ أقربَ إلى حدود روسيا. هذا كل شيء. كان ذكيا. لم يستمِع إليه أحد. علاوةً على ذلك، فقد غضب في إحدى المرات - هذه المحادثةُ موجودةٌ أيضا في أرشيفنا: قال: إذا لم تستمعوا إلي، فلن آتي إلى موسكو مجدداً. غضبَ من القيادة السوفيتية. لقد كان على حق، كل شيء حدثَ كما قال.

 

كارلسون: نعم، بالطبع، لقد تحققت كلماتُه، لقد تحدثتُم عن هذا عدةَ مرات، ويبدو لي أنّ هذا عادلٌ تمامًا. كما اعتقدَ كثيرونَ في الولايات المتحدة أن العلاقاتِ بين روسيا والولاياتِ المتحدة ستكونُ طبيعيةً بعدَ انهيارِ الاتحاد السوفييتي. ومع ذلك، حدثَ العكس. ولكنكُم لم تشرحوا أبدًا سببَ حدوثِ ذلك، لماذا برأيكُم حدثَ ذلك. صحيحٌ أن الغرب رُبما يخشى روسيا القوية، ولكنّه لا يخشى الصينَ القوية.

 

بوتين: يخشى الغربُ من وجود صينٍ قوية أكثرَ من خوفه من روسيا قوية، لأن عددَ سكان روسيا يبلغ مئةً وخمسينَ 150 مليون نسمة، ولكن هناك مليارٌ ونصفُ المليار نسمة في الصين، والاقتصادُ الصيني يتطور على قدم وساق ــ أكثرُ من خمسة في المئة سنوياً، حتى إنه كان أكثر. ولكن هذا يكفي بالنسبةِ للصين. قال "بسمارك" ذات مرة: الشيءُ الرئيسي هو الإمكانات. إن إمكاناتِ الصين هائلة؛ فهي الاقتصادُ الأول في العالم اليوم من حيثُ تعادلُ القوة الشرائية والحجمِ الاقتصادي. لقد تفوقوا بالفعلِ على الولايات المتحدة ومنذُ وقت طويل، والوتيرةُ آخذةٌ في النمو.

لن نتحدث الآن عن من يخافُ مِمّن، دعونا لا نتحدثُ عن مثل هذه الأشياء. دعونا نتحدث عن حقيقةِ أنه بعد عام ألفٍ وتسعِمئةٍ وواحدٍ وتسعين 1991، عندما توقعت روسيا أن يتم ضمُّها إلى الأسرة الأخوية "للشعوب المتحضرة"، لم يحدُث شيء من هذا القبيل. لقد خدعتمونا - عندما أقولُ "أنتم"، لا أقصدكُم شخصياً بالطبع، بل الولايات المتحدة - لقد وعدوا بأنه لن يكونَ هناك توسعٌ لحلف الناتو نحو الشرق، لكن هذا حدثَ خمسَ مرات، خمسُ موجاتٍ من التوسع. لقد تحملنا كل شيء، وحاولنا إقناعَهُم، وقلنا: لا داعي، نحنُ الآن منكم، كما يقولُ عندنا البرجوازيون، لدينا اقتصادُ سوق، ولا توجدُ سلطة للحزب الشيوعي، فلنتوصل إلى اتفاق.

علاوةً على ذلك، لقد تحدثتُ أيضًا عن هذا علنًا - الآن لنأخذ عصرَ يلتسين - كانت هناكَ لحظةُ قلق. قبلَ ذلك سافر يلتسين إلى الولايات المتحدة، وإن كنتُم تتذكرون تحدثَ في الكونغرس وقال كلماتٍ رائعة: فليبارك الرب أمريكا. لقد قالَ كلّ شيء، وكانت هذه إشارات: دعونا ننضمُّ إليكم.

لكن لا، عندما بدأت الأحداثُ في يوغوسلافيا... وقبل ذلك كان يتمُّ مديحُ يلتسين مراراً وتكراراً - بمجردِ بدءِ الأحداث في يوغوسلافيا وعندما رفع صوتَهُ دعماً للصرب، ولم يكن بوسعنا إلا أن نرفعَ أصواتَنا دفاعاً عن الصرب... أفهمُ أنه كانت هناك عمليات معقدة، أفهمُ ذلك. لكن روسيا لم يكن بوسعِها إلا أن ترفعَ صوتها لصالح الصرب، لأن الصربَ هم أيضاً أمة خاصة، قريبةٌ منا، ولها ثقافة أرثوذكسية وما إلى ذلك. حسنا، مثل هذا الشعب الذي طالت معاناته لأجيال. حسنًا، لا يهم، لكن الشيءَ المهم هو أن يلتسين تحدث علنًا عن دعمِه. ماذا فعلت الولايات المتحدة؟ في انتهاكٍ للقانونِ الدولي وميثاقِ الأمم المتحدة، بدأت قصفَ بلغراد.

لقد أخرجتِ الولايات المتحدة الماردَ من القمقم. ثم عندما اعترضت روسيا وعبّرت عن سُخطها ماذا قيل؟ إن ميثاقَ الأمم المتحدة والقانون الدولي قد عفا عليهما الزمن. الآن يشيرُ الجميعُ إلى القانون الدولي، ولكن قبل ذلك بدأوا يقولون إن كل شيء أصبحَ قديماً، ويجبُ تغييرُ كل شيء.

بالفعل، هناك أشياء تحتاجُ إلى التغيير، لأن ميزان القوى تغير، هذا صحيح، ولكن ليس بهذه الطريقة. نعم، بالمناسبة، بدأوا على الفور بالحديث بشكلٍ سيءٍ عن يلتسين، مشيرين إلى أنه كان مدمنًا على الكحول، ولا يفهم شيئًا. لقد فهم كل شيء، أؤكد لكم.

حسنا إذا. لقد أصبحتُ رئيسا في عام ألفين 2000. فكرت: حسنًا، لقد انتهت القضيةُ اليوغوسلافية، وعلينا أن نحاولَ استعادةَ العلاقات، وأن نواصلَ فتح هذا الباب الذي كانت روسيا تحاول دخولَه. علاوة على ذلك، لقد تحدثت عن هذا الأمر علنًا، أستطيع أن أكرر، في اجتماع هنا في الكرملين مع بيل كلينتون المنتهيةِ ولايتُه - هنا بجوارِ هذا المكان، في الغرفةِ المجاورة - أخبرته، وطرحت سؤالاً: استمع يا بيل، هل تعتقدُ أن الأمرَ ممكن؟ أنه إذا أثارت روسيا مسألة الانضمام إلى الناتو، فهل تعتقدُ أن ذلك سيكون ممكنا؟ حينها فجأة قال: أتعلم، هذا مثيرٌ للاهتمام، نعم، أعتقدُ ذلك. وفي المساء، عندما التقينا على العشاء، قال: أتعلم، تحدثتُ إلى فريقي - لا، الآن من المستحيل فعلُ ذلك. يمكنكَ أن تسأله، أعتقد أنه سيستمعُ إلى مقابلتنا وسيؤكدُ الأمر. لم أكن لأقولَ شيئًا كهذا أبدًا لو لم يحدث. حسنًا، الآن أصبح الأمرُ مستحيلًا.

 

كارلسون: هل كنتُم صادقينَ حينَها؟ هل كنتُم ستنضمونَ إلى الناتو؟

 

بوتين: لقد طرحتُ سؤالاً ما إذا كان الأمرُ ممكناً وتلقيت الرد: لا.... لو أنني كنتُ غيرَ صادق في رغبتي في معرفةِ موقفِ الإدارة...

 

كارلسون: لو أنهُ قالَ نعم، كنتُم ستنضمونَ للناتو؟

 

بوتين: لو أنهُ قال نعم، كانت ستبدأ عمليةُ التقارب، وفي نهاية المطاف كان يمكن أن يحدث هذا لو أننا رأينا رغبةً صادقةً لدى الشركاء للقيام بذلك. لكن الأمرَ لم يكُن كذلك. حسنًا، إن كنتم لا تريدونَ فلا بأس، حسنًا.

 

كارلسون: لماذا برأيكُم؟ ما هيَ الدوافعُ لذلك؟ أشعرُ أنك تشعرُ بالمرارةِ حيالَ هذا، أتَفَهَّمُ ذلك. لكن لماذا تعتقدُ أن الغرب رفضَكُم بهذا الشكلِ حينَها؟ ومن أين يأتي هذا العداء؟ لماذا لم تتحسن العلاقة؟ وما هي الدوافعُ لذلكَ من وجهةِ نظرك؟

 

بوتين: لقد قلتُم إنني أشعرُ بالمرارةِ بشأنِ الإجابة. لا، هذه ليست مرارة، هذهِ مجردُ حقيقة. نحن لسنا زوجين، المرارةُ والاستياءُ ليست أشياءَ تحدث في مثل هذه الحالات.

لقد أدركنا ببساطة أنهم لم يريدونا هناك، هذا كلُّ شيء. حسنا، ولكن دعونا نبني العلاقاتِ بشكل مختلف، دعونا نبحثُ عن أرضيةٍ مشتركة. لماذا تلقينا مثل هذا الرد السلبي، عليكم أن تسألوا قيادتَكُم. لا أستطيع إلا أن أخمنَ السبب: الدولةُ كبيرةٌ جدًا ولها رأيُها الخاص، وما إلى ذلك. أما الولاياتُ المتحدة – فقد رأيتُ كيف يتمُّ حلُّ القضايا في الناتو...

سأعطي الآن مثالا آخر فيما يتعلقُ بأوكرانيا. لقد "ضغطت" القيادةُ الأمريكية - وجميعُ أعضاء الناتو يصوتونَ بطاعة، حتى لو لم يعجبهُم شيءٌ ما. الآن سأخبركُم في هذا الصدد بما حدثَ لأوكرانيا في عام ألفينِ وثمانية 2008، على الرغم من أن هذا الأمر يتمُّ الحديثُ عنه، لذا لن يكونَ هناك أيُّ شيء جديد لأخبرَكُم به هنا.

ومع ذلك، بعدها، حاولنا بناءَ العلاقاتِ بطرقٍ مُختلفة. على سبيل المثال، كانت هناك أحداثٌ في الشرق الأوسط، في العراق، وقُمنا ببناءِ علاقاتٍ مع الولايات المتحدة بلطفٍ شديدٍ وهدوء.

لقد أثرتُ مراراً وتكراراً مسألةَ مفادُها أنه لا ينبغي للولايات المتحدة أن تدعم الانفصالية أو الإرهاب في شمالِ القوقاز. لكنهم استمروا في القيام بذلكَ على أيّ حال. والدعمُ السياسيّ والدعمُ المعلوماتي والدعمُ المالي وحتى الدعمُ العسكري جاء من الولايات المتحدة وتوابعِها فيما يتعلقُ بالجماعات الإرهابية في القوقاز.

لقد أثرتُ هذه القضية ذات مرة مع زميلي، رئيسِ الولايات المتحدة أيضًا. فقال: هذا غيرُ معقول، هل لديكَ دليل؟ قلتُ نعم. لقد كنتُ مستعدًا لهذه المحادثة وأعطيتُه الأدلة. فنظر، وهل تعلم ماذا قال؟ أعتذِر، لكن هذا ما حدث، سأقتبسُ، قال: سأركلُ مؤخرَتُهم. انتظرنا وانتظرنا الرد - ولكن لم تكن هناكَ إجابة.

قلتُ لمدير جهاز الأمن الفدرالي: اكتُب إلى وكالةَ المخابرات المركزية، هل هناكَ نتيجةٌ للمحادثةِ مع الرئيس؟ كتبَ مرةً ومرتين ثم تلقينا الرد. لدينا الجوابُ في الأرشيف. وجاء جوابُ الجهة الأمريكية من وكالةِ المخابرات المركزية: لقد عملنا مع المعارضةِ في روسيا؛ نعتقد أن هذا صحيح وسنواصلُ العملَ مع المعارضة. مضحك. نعم. لقد أدركنا أنه لن تكونَ هناكَ أي محادثة.

 معارضةٌ ضدّكُم؟

 

بوتين: بالطبع، في تلك الحالة كنا نقصدُ الانفصاليين، الإرهابيين الذين قاتلوا في القوقاز. هذا ما كنا نتحدثُ عنه. وقد سموها بالمعارضة. هذه هي النقطةُ الثانية.

النقطة الثالثة، وهي في غايةِ الأهمية، هي لحظةُ إنشاءِ نظام ِالدفاعِ الصاروخي الأمريكي، منذ البداية. لقد أمضينا وقتا طويلا في محاولةِ إقناع الولايات المتحدة بعدم القيام بذلك. فضلاً عن ذلك، وبعد أن دعاني بوش الأب، والدُ بوش الابن، لزيارته عبر المحيط، جرت هناكَ محادثةٌ جادة للغايةِ مع الرئيس بوش وفريقِه. لقد اقترحتُ أن تقوم الولايات المتحدة وروسيا وأوروبا بشكل مشترك بإنشاءِ نظامِ دفاعٍ صاروخي، والذي نعتقد أن إنشاءَهُ من جانب واحد يهددُ أمننا، على الرغم من حقيقةِ أن الولايات المتحدة صرحت رسميًا أنه يتم إنشاؤه ضدّ التهديدات الصاروخية من إيران. وكان هذا أيضًا مبررًا لإنشاء نظام الدفاع الصاروخي. اقترحتُ أن يعمل الثلاثة معًا – روسيا والولايات المتحدة وأوروبا. قالوا إن الأمرَ مثيرٌ للاهتمام للغاية. سألوني: هل أنت جاد؟ كنت أقول: بالتأكيد.

 

كارلسون: متى حدثَ ذلك؟ في أيِّ عام؟

 

بوتين: لا أذكر. لكن من السهلِ معرفةُ ذلك عبرَ شبكةِ الإنترنت عندما كنتُ في الولاياتِ المتحدة بدعوةٍ من بوش الأب. من الأسهلِ معرفةُ ذلكَ الآن، سأخبرك مِمَّن.

قيل لي: هذا مثيرٌ للاهتمامِ للغاية. فأقول: فقط تخيلوا لو تمكنا معًا من حل مثل هذه المسألةِ الإستراتيجية العالمية في مجالِ الأمن. العالمُ سوفَ يتغير. من المحتملِ أن تكون لدينا خلافات، ربما اقتصادية وحتى سياسية، لكننا سنغيرُ الوضعَ في العالم بشكل جذري. يقال: نعم. سألوني: هل أنت جاد؟ فأقولُ: بالطبع. قيل لي، علينا أن نفكرَ في الأمر. أقول: بالطبع تفضلوا.

ثم جاءَ وزيرُ الدفاع "غيتس"، والمديرُ السابق لوكالة المخابرات المركزية، ووزيرةُ الخارجية "رايس" إلى هذا المكتب حيثُ نتحدث الآن. هنا، على هذه الطاولة التي تقابلنا، ترون هذه الطاولة؟ لقد جلسوا على هذا الجانب. وأنا ووزيرُ الخارجيةِ ووزيرُ الدفاع الروسي من الجانب الآخر. قالوا لي: نعم، لقد فكرنا ونحنُ موافقون. فقلت: الحمد لله، عظيم. - "ولكن معَ بعضِ الاستثناءات."

 

كارلسون: إذن، لقد وصفتُم مرتين كيف اتخذَ الرؤساءُ الأمريكيون بعض القرارات، ثم قام فريقُهم بإخراج هذه القرارات عن مسارها؟

 

       فلاديمير بوتين: هذا بالضبط. في النهاية رفضوا مقترحنا. لن أخبركَ بالتفاصيل، لأنني أعتقدُ  هذا غير لائق، ففي النهايةِ كانت محادثةً سرية. لكنّ اقتراحَنا تمّ رفضُه - إنها حقيقة.

       ثم قلتُ حينها: انظر، ولكن بعد ذلكَ سنُضطر إلى الانخراطِ في إجراءاتٍ جوابية. سنقومُ بإنشاءِ أنظمةٍ هجومية والتي ستتغلبُ بدون أدنى شك على نظامِ الدفاع الصاروخي. وكان الجوابُ كما يلي: نحن لا نفعلُ ذلك ضدكم، وأنتم تفعلونَ ما تريدون، على أساسِ أن الأمرَ ليس ضدنا، وليسَ ضدّ الولايات المتحدة. أقول: حسناً.. وقد أنشأنا أنظمةً تفوقُ سرعتُها سرعةَ الصوت، ذاتَ مدى عابر للقارات، ونواصلُ تطويرها. نحن الآن متقدمونَ على الجميع في إنشاء أنظمةِ القصف التي تفوقُ سرعتُها سرعةَ الصوت: وكلٌّ من الولايات المتحدة والدول الأخرى يتحسنون كل يوم،   ولكنّنا لم نقم بذلك طوعياً، لقد اقترحنا أن نسلكَ طريقاً مختلفاً، لكنه تم دفعنا جانباً.

       الآن فيما يتعلقُ بتوسعِ الناتو إلى الشرق. حسناً، لقد وعدوا بأن حلفَ شمال الأطلسي لن يصلَ إلى الشرق، ولن يكونَ لهُ بوصةٌ واحدة في الشرق، كما قيلَ لنا. ومن ثم ماذا؟ قالوا: حسناً، هذا الكلامُ لم نسجلهُ في الورق، لذلكَ سنقومُ بتوسيعه... قاموا بخمسِ توسعات، بما في ذلكَ دولُ البلطيق، وكلُّ أوروبا الشرقية، وما إلى ذلك.

       والآن أنتقلُ إلى الشيءِ الرئيسي: وصلنا إلى أوكرانيا. في عام ألفينِ وثمانية 2008، وفي القمةِ التي عُقدت في بوخارست، أعلنوا بأن الأبوابَ مفتوحة أمام أوكرانيا وجورجيا للانضمامِ إلى حلف شمال الأطلسي في ذلك الوقت.

       الآن دعونا نتحدثُ عن كيفيةِ اتخاذ القرارات هناك. ويبدو أن ألمانيا وفرنسا تعارضانِ ذلك، وكذلك بعضُ الدولِ الأوروبية الأخرى. ولكن بعد ذلك، كما اتضح لاحقاً، الرئيسُ بوش، وهو رجلٌ قوي، وسياسي قوي، كما أخبروني لاحقاً: لقد مارسَ ضغوطاً علينا، واضطُررنا إلى الموافقة. إنه أمر مضحك، تماماً كما هو الحال في رياض الأطفال. أين الضمانات؟ أيُّ نوعٍ من رياضِ الأطفال هذا، أيُّ نوعٍ من الناسِ هم، من

هم؟ كما ترون، تم "الضغط" عليهِم ووافقوا. ثم يقولون: أوكرانيا لن تكونَ في الناتو، أنت تعلمُ ذلك. أقول: لا أعرف؛ أعرف أنكم وافقتم في ألفينِ وثمانية 2008، لماذا لن توافقوا في المستقبل؟ "حسناُ، لقد ضغطوا علينا". أقول: لماذا لا يضغطون عليكم غداً - وسوف توافقونَ مرة أخرى. إنه هراء. مع من سأتحدث هناك؟ أنا ببساطة لا أفهم. نحن على استعدادٍ للحديث. ولكن مع من؟ أين الضمانات؟ لا أحد.

وهذا يعني أنهم بدأوا في تطويرِ أراضي أوكرانيا. مهما كان الأمر، فقد رويت الخلفية الدرامية، وكيف تطورت هذه المنطقة، ونوعَ العلاقات التي كانت تربطها بروسيا. كان لكلّ شخص ثان أو ثالث هناك دائمًا نوعٌ من الارتباط بروسيا. وخلالَ الانتخابات في أوكرانيا المستقلةِ ذات السيادة، والتي حصلت على الاستقلال نتيجةً لإعلان الاستقلال، وبالمناسبة، مكتوبٌ هناك أن أوكرانيا دولة محايدة، وفجأةً في عامِ ألفينِ وثمانية 2008 أصبحت أبوابُها، أو بواباتُها، مفتوحةً للدخولِ في الناتو. إنه فيلم مثير للاهتمام! لم نتفق على هذا. لذلك، اعتمدَ جميعُ الرؤساء الذين وصلوا إلى السلطة في أوكرانيا على الناخبين، الذين كان لهُم بطريقة أو بأخرى موقفٌ جيدٌ تجاهَ روسيا. هذا هو جنوبُ شرق أوكرانيا، الذي يحتوي على عدد كبير من الناس. لقد كان من الصعبِ جداً "قتلُ" هؤلاء الناخبين الذين كان لهم موقفٌ إيجابي تجاهَ روسيا.

       لقد وصل فيكتور يانوكوفيتش إلى السلطة، ولكن كيف؟ فاز لأولِ مرة بعد الرئيس كوتشما - لقد نظموا جولةً ثالثة، وهو أمرٌ غيرُ منصوص عليه في دستور أوكرانيا. هذا انقلاب.

 كارلسون:  في عام ألفينِ وأربعةَ عشر؟؟ 2014!

 فلاديمير بوتين: لا قبل. لا، لا، حدثَ هذا من قبل. بعدَ الرئيسِ كوتشما، فاز في الانتخابات فيكتور يانوكوفيتش. لكن خصومَهُ لم يعترفوا بهذا النصر، فدعمت الولاياتُ المتحدة المعارضة وحددت موعداً لجولةٍ ثالثة. ما هذا؟ هذا انقلاب. دعمتهُ الولايات المتحدة، وجاء إلى السلطة نتيجةَ الجولةِ الثالثة. تخيل أنه في الولاياتِ المتحدة لم يُعجَب شخصٌ ما بشيءٍ ما – وبناءً عليهِ  نظموا جولةً ثالثة، وهو أمرٌ غير منصوص عليه في دستورِ الولايات المتحدة. ومع ذلك، فقد فعلوا ذلك هناك [في أوكرانيا]. حسناً، وصل فيكتور يوشينكو إلى السلطة، والذي كان يُعتبر سياسياً موالياً للغرب. حسناً، لكننا أيضاً أنشأنا علاقاتٍ معه، فقد ذهب إلى موسكو في زيارات، وذهبنا إلى كييف، وذهبت أنا. التقينا في إطار غير رسمي. غربيٌ! غربيٌ! فليكُن. فليكن، ولكنّ الناس يعملون. ويجب أن يتطورَ الوضع داخلياً، في أوكرانيا المستقلةِ نفسِها. وبعد أن قاد البلاد، ساءَ الوضع، ووصل فيكتور يانوكوفيتش أخيراً إلى السلطة.

ربما لم يكُن أفضلَ رئيس وأفضلَ سياسي - لا أعرف، لا أريد إصدار أحكام - لكن مسألة الارتباط بالاتحاد الأوروبي نشأت. لكننا كنا دائماً مخلصينَ جداً لهذا: من فضلِكُم فليكُن. لكن عندما قرأنا اتفاقيةَ الشراكةِ هذه، اتضح أنها مشكلة بالنسبة لنا، لأن لدينا منطقةَ تجارةٍ حرة مع أوكرانيا، وحدوداً جمركيةً مفتوحة، وكان على أوكرانيا، وفقًا لهذه الرابطة، أن تفتحَ حدودَها مع أوروبا - وكلُّ شيء سوف يتدفق إلى أسواقنا. قلنا: لا، لن ينجح هذا، سنغلقُ بعد ذلك حدودَنا مع أوكرانيا، حدودَنا الجمركية. وبدأ يانوكوفيتش يحسبُ كم قد تفوز أوكرانيا وكم قد تخسر، وأعلن لنظرائِه في أوروبا: يتعين علي أن أفكرَ أكثر قبل التوقيع. وحالما قال ذلك بدأت أعمالٌ مدمرة في أوساطِ المعارضةِ المدعومة من الغرب، ووصلَ كلُّ شيء إلى الميدان والانقلابِ في أوكرانيا.

 

كارلسون: هل كان يتاجرُ مع روسيا أكثرَ من تجارتِهِ مع الاتحاد الأوروبي؟

 

       فلاديمير بوتين:   بالتأكيد. إنها ليست حتى مسألةَ كمياتِ التجارة، على الرغم من أنها أكثرُ من ذلك. النقطةُ المهمة هنا هي علاقاتُ التعاون التي يقوم عليها الاقتصادُ الأوكراني بأكمله. كانت علاقاتُ التعاون بين الشركات وثيقةً للغاية منذ أيام الاتحاد السوفيتي. هناك، قامت إحدى الشركات بإنتاج مكوناتٍ للتجميع النهائي في كل من روسيا وأوكرانيا، والعكسُ صحيح. وكانت هناك علاقات وثيقة للغاية.

       لقد قاموا بانقلاب، على الرغم من أن الولايات المتحدة.. وأنا هنا لن أخوض في التفاصيل الآن، لأن هذا غير لائق، رغم أن الولايات المتحدة قالت لنا: أنت تهدئ يانوكوفيتش هناك، وسنقومُ بتهدئةِ المعارضة؛ ودع كلَّ شيء يسيرُ على طريق التسوية السياسية. قلنا: حسناً، نحن متفقون، فلنفعل ذلكَ بهذهِ الطريقة. ولم يستخدم يانوكوفيتش، كما طلبَ منا الأميركيون، لا القواتِ المسلحة ولا الشرطة. ونفذت المعارضة المسلحةُ في كييف انقلاباً. ماذا يعني ذلك؟ من أنتُم على أيِّ حال؟ – أردتُ أن أسألَ قيادة الولايات المتحدة آنذاك.

 

       كارلسون: بدعمٍ من من؟

 

       فلاديمير بوتين: بالطبع بدعم من وكالةِ المخابراتِ المركزية. المنظمةِ التي كما أفهم أنكم أردتُم العملَ بها ذاتَ مرة. ربما الحمدُ لله أنهُم لم يأخذوك. على الرغم من أن هذه منظمةٌ جادة، إلا أنني أفهمُ من زملائي السابقين، حيث إنني عملت في المديرية الرئيسية الأولى، وهم جهازُ مخابراتِ الاتحاد السوفيتي. لقد كانوا دائما خصومنا. العملُ هو العمل!.

       من الناحيةِ الفنية، لقد فعلوا كلَّ شيء بشكل صحيح، وحققوا ما يريدون - لقد غيروا الحكومة. ولكن من وجهةِ نظرٍ سياسية، فهذا خطأ فادح. وهنا، بطبيعةِ الحال، لم تقُم القيادة السياسية بعملِها على النحو الصحيح. وكان ينبغي للقيادة السياسيةِ أن ترى ما سيؤدي إليه ذلك.

       وعلى هذا فقد فُتحت أبوابُ أوكرانيا أمام حلفِ شمال الأطلسي في عام 2008. وفي عام 2014، نفذوا انقلاباً، وأولئك الذين لم يعترفوا بالانقلاب، وهذا انقلاب، بدأوا يتعرضونَ للاضطهاد... كما خلقوا تهديداً لشبهِ جزيرة القرم، التي اضطررنا إلى وضعِها تحت حمايتنا. وبدأوا الحرب في دونباس عام ألفينِ وأربعةَ عشر 2014، مستخدمينَ الطيرانَ والمدفعية ضد المدنيين. بعد كل شيء، هذا هو المكان الذي بدأ فيه كل شيء. يوجدُ تسجيلُ فيديو لطائراتٍ تضرب دونيتسك من الأعلى. لقد قاموا بعمليةٍ عسكريةٍ واسعة النطاق، وأخرى فشلت- ما زالوا يستعدون وكل ذلك على خلفية التطور العسكري لهذه المنطقة وفتحِ الأبواب أمام الناتو.

       حسناً، كيف لا نُظهر القلقَ بشأن ما يحدث؟ من جانبنا، سيكون هذا إهمالاً إجرامياً، وهذا ما سيكونُ عليه الأمر. كلُّ ما في الأمر هو أن القيادةَ السياسية للولايات المتحدة دفعتنا إلى خطٍ لم يعد بإمكاننا تجاوزُه، لأن ذلك سيدمرُ روسيا نفسَها. وبعد ذلك لم يكن بإمكاننا القبول بإلقاءِ إخوانِنا في الدين، وفي الواقع، هم جزءٌ من الشعب الروسي تحتَ هذه الآلة العسكرية.

 كارلسون: أي أنّه كان ذلكَ قبل ثماني سنواتٍ من بدء الصراع. ما الذي أثارَ هذا الصراع عندما قررتُم أنكُم ما زلتم بحاجةٍ لاتخاذ هذه الخطوة؟

فلاديمير بوتين: أثارَ الانقلابُ في البداية الصراع في أوكرانيا.

 بالمناسبة، وصل ممثلو ثلاثِ دولٍ أوروبية: ألمانيا وبولندا وفرنسا - وكانوا ضامنينَ للاتفاقية الموقعة بين حكومةِ يانوكوفيتش والمعارضة. وضعوا توقيعاتِهم كضامنين. ورغم ذلك قامت المعارضة بانقلاب، وتظاهرت كلُّ هذه الدول بأنها لا تتذكر شيئاً عن كونها الضامنةَ للتسوية السلمية. ألقوا به على الفورِ في الفرن، ولم يعد أحد يتذكر.

    لا أعرف ما إذا كانت الولاياتُ المتحدة تعرفُ أيّ شيء عن هذا الاتفاق بين المعارضة والحكومة وعن الضامنين الثلاثة، الذين دعموا الانقلاب بدلاً من إعادة العملية برُمتها إلى المجال السياسي. على الرغمِ من عدمِ وجود نقطةٍ في ذلك، صدقوني. لأن الرئيسَ يانوكوفيتش وافقَ على كل شيء، كان مستعداً لإجراءِ انتخاباتٍ مبكرة، حيث لم يكن لديه فرصة للفوز، بصراحة، لم تكن هناك فرصة. الجميع يعرف ذلك.

 لكن لماذا الانقلابُ ولماذا التضحيات؟ لماذا التهديداتُ لشبه جزيرة القرم؟ لماذا إذن بدأت العملياتُ العسكريةُ في دونباس؟ هذا ما لا أفهمه. وهنا يكمنُ سوء التقدير. أكملت وكالةُ المخابرات المركزية مهمتَها في تنفيذ الانقلاب. وفي رأيي، قال أحدُ نوابِ وزير الخارجية إنهم أنفقوا مبلغاً كبيراً على هذا، ما يقربُ من خمسةِ مليارات دولار. لكن الخطأ السياسيّ جسيم. لماذا كان يجبُ القيام بذلك؟ كل هذا كان من الممكن القيامُ به، بشكل قانوني فقط، دونَ وقوع ضحايا، دون بدء العمليات العسكرية ودون خسارةِ شبهِ جزيرة القرم. ولم نكن لنحركَ ساكناً لولا هذه الأحداثُ الدموية في الميدان، ولم تكن لتخطر على بالنا أبداً.

       لأننا اتفقنا على أنه بعدَ انهيار الاتحاد السوفييتي يجب أن يكون كلُّ شيء على هذا النحو - على طولِ حدود جمهوريات الاتحاد. اتفقنا على هذا. ولكننا لم نتفق قط على توسيع حلفِ شمالِ الأطلسي، ناهيكَ عن أننا لم نتفق قط على انضمام أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي. ولم نتفق على أن تكون هناك قواعدُ لحلف شمال الأطلسي هناكَ دون إجراءِ أي محادثاتٍ معنا. لقد طلبنا ولعقودٍ من الزمن: لا تفعلوا هذا، لا تفعلوا ذلك.

       ما هو الدافعُ وراءَ الأحداثِ الأخيرة؟ أولاً، صرحت قيادةُ أوكرانيا الحالية بأنها لن تنفذَ اتفاقيات مينسك، التي تمّ التوقيع عليها، كما تعلمون، بعد أحداث عام ألفينِ وأربعةَ عشر 2014 في مينسك، حيث تم وضعُ خطةٍ للتسوية السلميةِ في دونباس. لا، لقد أعلن قادةُ أوكرانيا الحاليون، ووزيرُ الخارجية، وجميعُ المسؤولين الآخرين، ومن ثم الرئيسُ نفسُه، بأنه لا يعجبهم أي شيء في اتفاقيات مينسك هذه. وبعبارة أخرى، فإنهم لن يمتثلوا لها. وقال الزعيمان السابقان لألمانيا وفرنسا مباشرةً في أيامنا هذه - قبل عامٍ ونصف العام - إنهما قالا للعالم أجمَع بشكلٍ مباشر وبصراحة إنهما وقعا على اتفاقياتِ مينسك هذه، لكنهما لم ينويا تنفيذَها قط. ببساطة شديدة لقد خدعونا.

       كارلسون: هل تحدثتُم مع وزيرِ الخارجية، معَ الرئيس؟ ربما كانوا خائفينَ من التحدثِ معك؟ وهل أخبرتَهُم أنهم إذا واصلوا ضخَّ الأسلحةِ لأوكرانيا فإنكُم ستتصرفون؟

 

       فلاديمير بوتين: لقد تحدثنا عن هذا باستمرار. وناشدنا قيادةَ الولايات المتحدة والدولَ الأوروبية لوقفِ هذه العملية فوراً وضمانِ تنفيذِ اتفاقيات مينسك. بصراحة، لم أكن أعرف كيف سنفعل ذلك، لكنني كنتُ على استعدادِ للتعاون.

نعم إنها صعبةٌ بالنسبة لأوكرانيا، وهناكَ الكثيرُ من      عناصر الاستقلال لدونباس، وقد تم توفيرُها لهذه المناطق، وهذا صحيح. لكنني كنت متأكداً تماماً، وسأخبركَ الآن: لقد اعتقدتُ بصدق أنه إذا تمكنا من إقناع هؤلاء الأشخاص الذين يعيشون في دونباس - فلا يزالُ يتعين إقناعُهم بالعودة إلى إطارِ الدولة الأوكرانية - فسوف تلتئم الجراحُ بشكل تدريجي، عندما يعودُ هذا الجزء من الإقليم إلى الحياةِ الاقتصادية، إلى البيئةِ الاجتماعية العامة، وعند دفعِ المعاشات التقاعدية، والمزايا الاجتماعية - كلُّ شيء سوف ينمو تدريجياً معاً. لا، لا أحد أراد ذلك، الجميع أرادَ حلّ المشكلة فقط بمساعدةِ القوة العسكرية. وهذا ما لم نستطع السماح به.

       وقد وصل الأمر برمته إلى هذا الوضع عندما أعلنوا في أوكرانيا: لا، لن نقوم بأيِّ شيء. بدأنا الاستعدادَ للعمل العسكري. لقد بدأوا الحرب في عام ألفينِ وأربعةَ عشر 2014. هدفُنا هو وقفُ هذه الحرب. ونحن لم نبدأها في عام ألفينِ واثنينِ وعشرين 2022، ما قمنا بهِ كانَ محاولةً لإيقافها.

 

       كارلسون: هل تعتقدون أنكم تمكنتُم من إيقافِها الآن؟ هل حققتُم أهدافَكُم؟

 

       فلاديمير بوتين: لا، لم نحققُ أهدافَنا بعد، لأن أحدَ الأهداف هو إزالةُ النازية. ويشيرُ هذا إلى حظر جميع الحركاتِ النازية الجديدة. وهذه إحدى المشاكل التي ناقشناها خلال عملية التفاوض التي انتهت في إسطنبول بداية العام الماضي، لكنها لم تنتهِ بمبادرتنا، لأنه قيل لنا -الأوروبيين على وجه الخصوص-: إنه لا بد من تهيئةِ الظروف للتوقيع النهائي للوثائق. وقال زملاؤنا في فرنسا وألمانيا: "كيف تتخيلُ ذلك، كيف سيوقعونَ على الاتفاق: بمسدسٍ في رأسهم؟ يتعينُ علينا سحبُ القوات من كييف". أقولُ: حسناً. لقد سحبنا قواتِنا من كييف.

       وبمجردِ سحبِ قواتنا من كييف، ألقى مفاوضونا الأوكرانيونَ على الفور في سلة المهملات جميعَ الاتفاقات التي توصلنا إليها في اسطنبول واستعدوا لمواجهةٍ مسلحة طويلة بمساعدةِ الولاياتِ المتحدة وأتباعِها في أوروبا. هكذا تطور الوضع، وهكذا يبدو الآن.

 

تاكر كارلسون: ما المقصودُ باجتثاثِ النازية؟ ماذا يعني هذا؟

 

بوتين: هذا بالضبط ما أريدُ التحدثَ عنهُ الآن. هذا سؤالٌ مهمٌ جدا.

اجتثاثُ النازية. بدأت أوكرانيا وبعدَ حصولِها على الاستقلال، بالبحثِ كما يقولُ بعضُ المحللين في الغرب، عن هُويتها. ولم تستطع أن تجد شيئاً أفضل سوى أن تصنعَ من هؤلاءِ الأبطال الزائفين الذين تعاونوا مع هتلر أساساً لهذه الهوية.

لقد قلتُ من قبل أنه في بداية القرن التاسع عشر، عندما ظهر منظرو استقلالِ وسيادةِ أوكرانيا، انطلقوا من حقيقةِ أن أوكرانيا المستقلة يجب أن تتمتع بعلاقات طيبة وجيدة للغاية مع روسيا. ولكن بسبب التطور التاريخي، ونظرًا لحقيقة أنه عندما كانت هذه المناطق جزءًا من الكومنولث البولندي الليتواني، تعرض الأوكرانيونَ للاضطهاد والمصادرةِ بوحشية شديدة، وحاولوا تدميرَ هذه الهوية، وتصرفوا بقسوةٍ شديدة، وكل هذا بقي في ذاكرة الناس. عندما بدأت الحرب العالميةُ الثانية، بدأ جزءٌ من هذهِ النخبة القومية المتطرفة بالتعاونِ مع هتلر معتقدينَ أنه سيجلبُ لهم الحرية. لقد قامت القوات الألمانية وحتى قواتُ الأمن الخاصة بتكليفِ المتعاونين مع هتلر لتنفيذ أقذرِ أعمال الإبادةِ ضد السكان البولنديين والسكان اليهود. ومن هنا جاءت هذه المذبحة الوحشية ضد السكان البولنديين واليهود والروس أيضًا. وكان على رأسِهم أشخاص معروفون: منهم بانديرا، شوخيفيتش. وهؤلاء الأشخاصُ بالذات هم الذين أصبحوا أبطالًا قوميين. هذه هي المشكلة. ويقولون لنا طوالَ الوقت: القوميةُ والنازية الجديدة موجودة في الدول الأخرى. نعم توجدُ براعم لكننا نسحقُها وفي البلدان الأخرى يسحقونها. لكن في أوكرانيا – على العكس، في أوكرانيا تم تحويلُهم إلى أبطال قوميين، ويتم تشييد النُصبِ التذكاريةِ لهم، وهم على الأعلام وتنادي الحشودُ التي تسير بالمشاعل بأسمائهِم، كما كان الحالُ في ألمانيا النازية. هؤلاء هم الأشخاص الذين قضوا على البولنديين واليهود والروس. يجب أن تتوقف هذه الممارسة وهذه النظرية.

بالطبع أيُّ قوميةٍ نَمَت تُعتبرُ جزءًا من الشعب هناك... أقولُ إن هذا جزء من الشعب الروسي، وهم يقولون: كلا، نحن شعبٌ منفصل. نعم، حسنا. إذا اعتبر شخص ما نفسَه شعبًا منفصلاً، فلهُ الحقُّ في القيام بذلك. ولكن ليسَ على أساسٍ نازي ووفقَ الأيديولوجيةِ النازية.

 

تاكر كارلسون: هل ستكونونَ مسرورينَ بامتلاكِ المنطقةِ الموجودةِ لديكُم الأن؟

 

بوتين: سأنهي جوابي الآن. لقد طرحتُم سؤالاً حول النازيةِ الجديدة واجتثاثِ النازية.

لقد جاء رئيسُ أوكرانيا إلى كندا - وهذا أمر معروف، لكن يتمُّ التكتمُ عليهِ في الغرب - وتم تقديمُ شخصٍ إلى البرلمان الكندي- كما قال رئيسُ مجلس النواب- إنهُ حاربَ الروس خلال الحرب العالمية الثانية. حسنًا، من قاتلَ الروسَ خلال الحربِ العالمية الثانية؟ هتلر وأعوانُه. اتضحَ أن هذا الرجل عملَ في قوات الأمن الخاصة النازية، وقد قتلَ شخصيًا الروسَ والبولنديين واليهود. قامت قوات الأمنِ الخاصة النازية المكونةُ من القوميينَ الأوكرانيين بهذا العمل القذر. وقف رئيسُ أوكرانيا مع البرلمان الكندي بأكمله وأشادَ بهذا الرجل. كيف يمكن أن تتخيلَ هذا الأمر؟ بالمناسبة، رئيسُ أوكرانيا نفسُه يهوديُّ الجنسية.

 

تاكر كارلسون: ماذا ستفعلونَ حيالَ هذا الأمر؟ لقد ماتَ هتلر منذُ ثمانينَ 80 عامًا، وألمانيا النازية لم تعُد موجودة، هل صحيحٌ ما تقولونه من أنكم تريدونَ إطفاءَ نارِ القوميةِ الأوكرانية. وكيف ستفعلون ذلك؟

 

بوتين: أصغِ إلي. سؤالكُم دقيقٌ للغاية... وهل يمكنني أن أخبرَكُم بما أفكر؟ ألن تنزعجوا من ذلك؟

 

تاكر كارلسون: بالطبع لا.

 

بوتين: قد يبدو هذا السؤال دقيقًا وسيئًا أيضا للغاية.

تقولون: لقد رحلَ هتلر منذ سنواتٍ عديدة،  80 ثمانينَ عامًا. لكن عملَهُ لا يزالُ قائما. الأشخاصُ الذين قضوا على اليهود والروس والبولنديين ما زالوا على قيدِ الحياة. والرئيسُ الاوكراني الحالي يصفقُ لهم اليوم في البرلمان الكندي، يصفقُ لهم تصفيقاً حاراً! فكيف يمكنُنا القول إننا اجتثثنا هذه العقيدةَ تماما إذا كان هذا ما نراهُ يحدث اليوم؟ هذا هو ما نقصدُ بهِ تطهيرَ النازية بمفهومنا. نحن بحاجةٍ للتخلص من هؤلاءِ الأشخاص الذين يُبقونَ على هذه النظرية والممارسةِ في الحياة ويحاولونَ الحفاظ عليها - هذا هو تطهيرُ النازية. وهذا ما نقصدُه.

 

تاكر كارلسون: حسنًا. أنا، بالطبع، لا أدافعُ عن النازية أو عن النازيةِ الجديدة. لكنّ سؤالي هو من الناحيةِ العملية: أنتم لا تسيطرونَ على البلدِ بأكملِه، ويبدو لي وكأنكُم تريدونَ السيطرةَ عليهِ بالكامل. فكيف يمكنكُم إذن اقتلاعُ الأيديولوجيةِ والثقافة وبعضِ المشاعرِ والتاريخِ في بلدٍ لا تسيطرونَ عليه؟ كيف يمكنُ تحقيقُ ذلك؟

 

بوتين: تعلمون، وبغضِّ النظر عن مدى غرابةِ الأمر بالنسبة لكم، فقد اتفقنا خلال المفاوضاتِ في إسطنبول على أنه - وكلُّ شيء موثقٌ كتابيا - لن يتمَّ زرع ُالنازية الجديدة في أوكرانيا، بما في ذلك منعُها على المستوى التشريعي.

سيد كارلسون، لقد اتفقنا على هذا. ويبدو أن هذا يمكنُ القيام به أثناء عملية التفاوض. ولا يوجدُ في هذا أي شيء مهين لأوكرانيا كدولةٍ حضارية حديثة. فهل من المسموحِ لأي دولة أن تدعو للنازية؟ كلا، أليس كذلك؟ نقطة، انتهى الأمر.

 

تاكر كارلسون: هل ستكونُ هناك مفاوضات؟ ولماذا لم تكن هناكَ مثلُ تلكَ المفاوضات ــ مفاوضاتُ السلام ــ الخاصة بتسويةِ النزاعِ في أوكرانيا حتى الآن؟

 

بوتين: المفاوضاتُ كانت، وقد وصلت إلى مرحلةٍ متقدمةِ جدًا من الاتفاق على تنسيقِ المواقفِ تجاهَ عمليةٍ معقدة، وكانت على وشك الانتهاء. ولكن بعد أن سحبنا قواتِنا من كييف، كما قلتُ من قبل، تخلى الجانبُ الآخر - أوكرانيا- عن كل هذه الاتفاقيات وأخذ في الاعتبار تعليماتِ الدولِ الغربية - الأوروبية والولايات المتحدة - بالقتالِ مع روسيا حتى النصر.

وعدا عن ذلك: فقد حظر رئيسُ أوكرانيا بموجبِ القانون إجراءَ المفاوضاتِ مع روسيا. ووقعَ مرسوما يمنعُ الجميع من التفاوض مع روسيا... إذا كيف نتفاوض وقد منع نفسَه ومنعَ الجميع من ذلك؟ ونحن نعلمُ أنه يطرحُ بعض الأفكار حول هذه التسويةِ. ولكن لكيّ يتم الاتفاقُ على شيء ما، نحتاجُ إلى إجراء حوار، أليس كذلك؟

 

تاكر كارلسون: نعم، لكنكم لن تتحدثوا مع الرئيسِ الأوكراني، بل ستتحدثون مع الرئيسِ الأمريكي. متى كانت آخرُ مرةٍ تحدثتم فيها مع جو بايدن؟

 

بوتين: لا أتذكرُ متى تحدثتُ معَه. لا أذكر، يمكن أن نرى.

 

تاكر كارلسون: لا تتذكرون؟

 

بوتين: كلا، هل ينبغي عليَّ أن أتذكرَ كلّ شيء؟ لدي الكثيرُ من الأمور للقيام بها. لدينا شؤونُنا الخاصةُ بالسياسةِ الداخلية.

 

تاكر كارلسون: لكنّهُ يمولُ الحربَ التي تخوضونَها.

 

بوتين: نعم، هو يمول، ولكن عندما تحدثتُ معَه، كان ذلكَ قبل بدءِ العملية العسكرية الخاصة، وبالمناسبة، أخبرتُه حينها - ولن أخوضَ في التفاصيل، ولا أفعلُ ذلك أبدًا- لكنني أخبرتُه حينها: أعتقد أنكَ ترتكبُ خطأً فادحًا ذا أبعادٍ تاريخية بدعمِكَ لكل ما يحدثُ هناك، في أوكرانيا، وإبعادكَ لروسيا. أخبرتُه بهذا - بالمناسبة، أخبرتُه أكثرَ من مرة.  - وهنا سأقتصرُ على هذا.

 

تاكر كارلسون: ماذا قال؟

 

بوتين: اسألهُ هو من فضلك. هذا أمرٌ سهل بالنسبة لكم: أنتَ مواطنٌ أمريكي، سافِر واسأله. ليس من المناسبِ بالنسبة لي أن أعلقَ على محادثتِنا.

 

تاكر كارلسون: لكنكم لم تتحدثوا معهُ منذ ذلكَ الحين – بعد فبراير/شباط من عام ألفينِ واثنينِ وعشرين 2022؟

 

بوتين: كلا، لم نتحدث. ولكن لدينا اتصالاتٌ معينة. بالمناسبة، هل تتذكرونَ عندما أخبرتُكُم عن اقتراحي للعمل معًا على نظامِ الدفاعِ الصاروخي؟

 

تاكر كارلسون: نعم.

 

بوتين: يمكنُك أن تسألَ الجميع: الحمد لله، كلهُم ​​على قيدِ الحياة وبصحةٍ جيدة. الرئيسُ السابق وكوندوليزا [رايس] على قيد الحياة وبصحةٍ جيدة، وبرأيي، السيد جيتس، والمديرُ الحالي لوكالة الاستخبارات المركزية، السيد بيرنز - الذي كان آنذاك سفيراً لدى روسيا، في رأيي، كان سفيراً ناجحا جدا وكلهُم شهودٌ على هذه الأحاديث. إسألهُم.

ونفسُ الشيء هنا: إذا كنتم مهتمونَ بردّ السيد الرئيس بايدن، فاسألوه. على أي حال، تحدثنا معاً حول هذا الموضوع.

 

تاكر كارلسون: أفهمُ هذا جيدا، ولكن من الظاهر، بالنسبةِ للأخرين، قد يبدو أن كل هذا قد يؤدي إلى وضعٍ يصبحُ فيهِ العالمُ كلُّهُ على شفا الحرب، وربما قد يتمُّ توجيهُ ضرباتٍ نووية.  لماذا لا تتصلونَ ببايدن وتقولونَ له: دعونا نجدُ حلا لهذهِ القضية بطريقةٍ أو بأخرى.

 

بوتين: ما الذي يجبُ حلّه؟ الأمرُ بغاية البساطة. وأكرر، لدينا اتصالاتٌ عبرَ مختلفِ الإدارات. سأخبرُكمُ بما نقولُه تجاهَ هذا الأمر وما ننقلهُ إلى القيادة الأمريكية: إذا كنتم تريدون حقًا وقفَ الأعمالِ العدائية، فأنتم بحاجة إلى وقفِ توريدِ الأسلحة - كلُّ شيء سينتهي في غضونِ أسابيعَ قليلة، هذا كلُّ شيء، وبعد ذلك يمكنُ الاتفاقُ على بعض الشروط، وقبل أن تفعلوا ذلك- أوقِفوا توريد الأسلحة.

ما الأسهل؟ لماذا يجبُ أن أتصلَ به؟ ما الذي يجبُ أن نتحدث عنه أو بأيِّ خصوص، هل يجبُ أن نتوسَلَ إليه؟ "هل ستقومونَ بتزويدِ أوكرانيا بهذا النوع من الأسلحة؟ أوه، أنا خائف، أنا خائف، من فضلكُم لا تفعلوا ذلك". عن ماذا يجبُ أن نتحدث؟

 

تاكر كارلسون: هل تعتقدونَ أن الناتو يشعرُ بالقلق من أن يتصاعدَ الوضعُ إلى حربٍ عالميةٍ أو حتى صراع نووي؟

 

بوتين: على أيِّ حال، يتحدثونَ عن ذلك ويحاولونَ تخويفَ شعوبهِم بتهديد روسي وهمي. هذه حقيقةٌ واضحة. والأشخاصُ المفكرون - وليس الأشخاصَ العاديين، ولكن الأشخاصُ المفكرون، والمحللون، والمنخرطونَ في السياسة الحقيقية، فقط الأشخاصُ الأذكياء - يفهمون جيدًا أن هذا تزييف. يتمُّ تضخيمُ التهديدِ الروسي.

 

تاكر كارلسون: هل تقصدون التهديدَ بغزو روسي، على سبيلِ المثال، في بولندا أو لاتفيا؟ هل يمكنكُم تخيلُ السيناريو الذي يمكنُ بوجبِه إرسالُ قواتٍ روسية إلى بولندا؟

 

بوتين: في حالةٍ واحدة فقط: فقط إذا حدثَ هجوم على روسيا من قبل بولندا. لماذا؟ لأنه ليسَ لدينا أي مصالحَ سواءٌ في بولندا أو في لاتفيا – ولا في أيِّ مكانٍ أخر. لماذا سنفعل ذلك؟ ببساطةٍ ليس لدينا أيُّ مصالح. هي مجردُ تهديدات.

 

تاكر كارلسون: الحجة - أعتقد أنكم تعرفونَها جيدًا – تكمنُ في أنه قد قام بغزو أوكرانيا، ولديهِ مُطالباتٌ إقليميةٌ في القارةِ بأكملِها. هل تقولونَ بشكلٍ لا لَبس فيه إنهُ ليس لديكُم مثلُ هذه المطالبات الإقليمية؟

 

بوتين: هذا مُستبعدٌ تماما. لا داعي لأن تكونَ مُحللا: فمن المخالفِ للفطرة السليمة أن تنجرَّ إلى حرب عالمية. وبالتالي الحربُ العالمية ستؤدي إلى دفعِ البشرية جمعاء إلى حافة الدمار. هذا واضح.

توجدُ بالطبع وسائلُ للردع. يواصلونَ إخافةَ الجميع بنا: غدًا ستستخدمُ روسيا الأسلحةَ النووية التكتيكية، غدًا ستستخدمُ هذا - لا، بعدَ غدٍ. وماذا بعد؟ إنها مجردُ قصصِ رعبٍ للناس العاديين، من أجل انتزاعِ أموالٍ إضافية من دافعي الضرائب الأمريكيين ودافعي الضرائب الأوروبيين للمواجهةِ مع روسيا في مسرح العملياتِ العسكرية الأوكرانية. والهدف هو إضعاف روسيا قدرَ الإمكان.

 

تاكر كارلسون: أحدُ كبارِ أعضاءِ مجلسِ الشيوخ، تشاك شومر، قال بالأمس: نحن بحاجةٍ إلى مواصلةِ تمويل أوكرانيا، وإلا فسيتعين على الجنود الأمريكيين القتالُ في أوكرانيا بدلاً من أوكرانيا. كيف تقيمونَ مثل هذا التصريح؟

 

بوتين: هذا استفزاز، وهو استفزازٌ رخيص. لا أفهم لماذا يتعينُ على الجنود الأمريكيينَ القتالُ في أوكرانيا. فهناك مرتزقةٌ من الولايات المتحدة. أغلبيةُ المرتزقةِ من بولندا، ويشغلُ المركزَ الثاني المرتزقةُ من الولايات المتحدة، وفي المركز الثالث من جورجيا. إذا كانَ لدى أيِّ شخص الرغبةُ في إرسالِ قواتٍ نظامية، فمن المؤكد أن هذا سيضعُ البشرية على شفا صراعٍ عالميّ خطير للغاية. وهذا واضح.

هل الولاياتُ المتحدة بحاجة إلى هذا؟ لماذا؟ آلافُ الكيلومترات من الأراضي القومية! ليس لديكُم ما تقومون به؟ لديكُم الكثيرُ من المشاكلِ على الحدود، مشاكلُ الهجرة، مشاكلُ الدّين الوطني - أكثرُ من ثلاثةٍ وثلاثينَ 33 تريليونَ دولار. ليس لديكُم ما تفعلونه - هل تحتاجونَ للقتال في أوكرانيا؟

أليسَ من الأفضل التوصلُ إلى اتفاقٍ مع روسيا؟ التوصلُ إلى اتفاق، وفهمُ الوضع الذي يتطورُ اليوم، وفهمُ أن روسيا ستقاتلُ من أجلِ مصالحِها حتى النهاية، وبفهم ذلك حقا، والعودةِ إلى الفطرة السليمة، والبدءِ في احترام بلدِنا ومصالحِها والبحثِ عن حلولٍ ما؟ يبدو لي أن هذا أكثرُ ذكاءً وأكثرُ عقلانية.

 

تاكر كارلسون: من فجّر "السيل الشمالي"؟

 

بوتين: أنتُم بالطبع. (ضحك.)

 

تاكر كارلسون: كنتُ مشغولاً في ذلك اليوم. أنا لم أفجّر "السيل الشمالي".

 

بوتين: قد يكونُ لديكُم عذرٌ شخصي، ولكنَّ وكالةَ المخابرات المركزية (CIA) ليس لديها مثلُ هذا العذر.

 

تاكر كارلسون: هل لديكُم دليلٌ على أن الناتو أو وكالةَ المخابراتِ المركزية فعلت ذلك؟

 

بوتين: تعلمون، ومُجدداً لن أخوضَ في التفاصيل، ولكن في مثل هذه الحالات يقولون دائمًا: ابحث عنِ الشخصِ المستفيد. ولكن في هذه الحالة، نحتاجُ إلى البحثِ ليس فقط عن الشخص المستفيد، وإنما أيضًا عن الشخصِ الذي يمكنهُ القيامُ بذلك. لأنه قد يكونُ هناكَ الكثيرُ من الراغبينَ بذلك، لكن لا يستطيعُ الجميعُ الوصولَ إلى قاع بحر البلطيق وتنفيذَ هذا الانفجار. يجب أن يكون هذان العنصران متحدين: مَنْ المستفيد والمهتم؟ ومَنْ بإستطاعتِه القيامُ بذلك.

 

تاكر كارلسون: لكنني لا أفهمُ تمامًا. فهذا هو أكبرُ عملٍ إرهابيٍّ صناعيٍّ في التاريخ، وعلاوةً على ذلك، فهو أكبرُ انبعاثٍ لثاني أكسيد الكربون إلى الغلاف الجوي. لكن مع الأخذ في الاعتبار أن لديكُم ولدى مخابراتِكُم أدلة، لماذا لا تقدمونَ مثلَ هذه الأدلة وتنتصرونَ في هذه الحربِ الدعائية؟

 

بوتين: من الصعبِ للغاية هزيمةُ الولايات المتحدة في الحربِ الدعائية، لأن الولايات المتحدة تسيطرُ على جميع وسائلِ الإعلام في العالم والعديدِ من وسائل الإعلامِ الأوروبية. إن المؤسساتِ الأمريكيةَ هي المستفيدُ النهائي من أكبر وسائل الإعلام الأوروبية. ألا تعلمونَ هذا؟ طبعا يمكنُ المشاركة في هذا العمل، لكن، كما يقولون، راحتُكَ أغلى. يمكنُنا ببساطة الكشفُ عن مصادر معلوماتنا، لكننا لن نحققَ أيَّ نتائج. كلُّ شيء واضحٌ للعالم أجمع حتى بدونِ أن نفعلَ ذلك، وحتى أن المحللينَ الأميركيينَ يتحدثون عن هذا بشكل مباشر.

 

تاكر كارلسون: نعم، ولكنّ السؤالَ هو - لقد عملتُم في ألمانيا، وهذا معروفٌ جيدًا، والألمان يفهمونَ جيداً أن شركاءَهُم في الناتو فعلوا ذلك، بالطبع، بهذا تمَّ توجيهُ ضربةٍ للاقتصاد الألماني - فلماذا يصمتُ الألمان؟ وهذا ما يُدخلني في حَيرة: لماذا لا يقولُ الألمانُ شيئًا عن هذهِ القضية؟

 

بوتين: هذا يُدهشني أيضًا. ولكنّ القيادةَ الألمانيةَ اليوم لا تسترشدُ بالمصالح الوطنية، بل بمصالحِ الغربِ الجماعي، وإلا فإنهُ من الصعبِ أن نفسرَ منطقَ تصرفاتِها أو تقاعسَها عن العمل. ففي نهاية المطاف، لا يقتصر الأمر على "السيل الشمالي 1"، الذي تمّ تفجيرُه. لقد تضررَ خط "السيل الشمالي 2"، لكنَّ أحدَ الأنابيبِ لا يزال قيدَ العمل وبوضعٍ جيد، ويمكنُ من خلالهِ إمدادُ أوروبا بالغاز، لكنّ ألمانيا لا تفتحُه. نحن جاهزون، فلتتفضلوا.

هناكَ طريقٌ آخرُ عبر بولندا، يسمى بـ يامال- أوروبا، يمكنُ أيضا تقديمُ إمداداتٍ كبيرةٍ عبرَه. لقد أغلقتهُ بولندا، وبولندا تلتقطُ الطعمَ من يد الألمان، وتتلقى الأموالَ من صناديقِ عموم أوروبا، والجهةُ المانحة الرئيسية لهذه الصناديق الأوروبية هي ألمانيا. تُغذي ألمانيا بولندا إلى حدٍّ ما. فأخذوا وأغلقوا الطريق إلى ألمانيا. لماذا؟ لا أفهم.

أوكرانيا، التي يزودُها الألمان بالأسلحة ويتبرعونَ لها بالمال. الراعي الثاني بعد الولايات المتحدة من حيثُ المساعدةُ المالية لأوكرانيا هو ألمانيا. يمرُّ طريقانِ للغازِ عبر أراضي أوكرانيا. لقد أغلق الأوكرانيون ببساطةٍ واحدا من هذه الطرق. افتحوا إذا الطريقَ الثاني وأحصلوا على الغاز من روسيا. ولكن هم الذين لايفتحون.

لماذا لا يقولُ الألمان: "اسمعوا يا شباب، نحن نعطيكُم المالَ والسلاح. من فضلكُم قوموا بفكّ الصّمام، ودعوا الغازَ يتدفقُ من روسيا إلينا. نحن نشتري الغاز المُسال بأسعارٍ باهظة في أوروبا، وهذا يخفضُ من مستوى قدراتِنا التنافسيةِ والاقتصادِ عموما إلى الصفر. هل تريدونَ أن نقدمَ لكم المال؟ دعونا نعيشُ بشكل طبيعي، ودعوا اقتصادَنا يكسبُ المال، فنحن نعطيكُم المالَ منه". كلا، لا يفعلون ذلك. لماذا؟ اسألهُم. (يدق على الطاولة). ماذا يوجدُ هنا وما الذي يدورُ في رؤوسِهم - نفسُ الشيء. الناسُ هناكَ غيرُ مؤهلين ابداً.

 

تاكر كارلسون: ربما ينقسمُ العالمُ الآن إلى نصفين: نصفٌ يمتلكُ طاقةً رخيصة، والآخر لا.

أريدُ أن أطرحَ سؤالا: العالمُ الآن عالمٌ متعددُ الأقطاب، هل يمكنكُم وصفُ التحالفاتِ والتكتلات؟ وفي رأيكُم من يقفُ بجانبِ من؟

 

فلاديمير بوتين: دعني أخبرك، لقد قلت إنّ العالمَ منقسمٌ إلى نصفين. ينقسمُ الرأس إلى نصفين: أحدُهما مسؤولٌ عن مجالٍ واحد من النشاط، والآخر أكثرُ إبداعا، وهكذا. ولكن لا يزالَ هو رأسٌ واحد. من الضروري أن يكونَ العالمُ متحداً كي يكونَ الأمنُ مشتركا، ولا يكونَ مُصمما لهذا "المليار الذهبي". وفي هذه الحالةِ فقط، سيُصبحُ العالم مستقراً ومُستداماً ويمكنُ التنبؤ به. وطالما أن الرأسَ مُنقسمٌ إلى قسمين فهـذا مرض، ومرضٌ خطير. يشهدُ العالم هذه الفترةَ من المرضِ الخطير.

لكن يبدو لي أنه بفضلِ الصحافة الصادقة ربما سيكونُ من الممكن ربطُ كلّ هذا بطريقة أو بأخرى. حيث إنَّ [الصحفيين] يعملونَ مثلَ الأطباء.

 

تاكر كارلسون: دعني أعطيكُم مثالاً واحداً. لقد وحّدَ الدولارُ الأمريكيُّ العالمَ كلَّه الى حدٍ بعيد. هل تعتقدونَ أن الدولار سيختفي كعملةٍ احتياطية؟ كيف غيرت العقوباتُ مكانةَ الدولارِ في العالم؟

 

فلاديمير بوتين: كما تعلمون، يُعدّ هذا أحدَ أخطر الأخطاءِ الإستراتيجية التي ارتكبتها القيادةُ السياسيةُ للولاياتِ المتحدة - استخدامُ الدولار كأداةٍ للصراع في السياسةِ الخارجية. الدولار هو أساسُ قوةِ الولايات المتحدة. أعتقد أن الجميعَ يفهم هذا جيدا، بغض النظرِ عن عددِ الدولارات التي يتمُّ طباعتُها، فإنها تطيرُ في جميع أنحاءِ العالم. التضخمُ في الولاياتِ المتحدة عند الحدّ الأدنى: ففي رأيي، نسبةُ ثلاثةٍ في المئة، أو حوالي ثلاثةٍ فاصلة أربعةٍ في المئة 3.4 نسبةٌ مقبولةٌ تماما بالنسبة للولايات المتحدة. وبالطبع هم يطبعونَ بلا نهاية. فعن ماذا يتحدثُ دينٌ بمقدارِ ثلاثةٍ وثلاثينَ تريليون ٣٣ تريليون؟ هذا يشيرُ إلى استحداثِ النقود وطباعتِها.

ومع ذلك، فإن هذا هو السلاحُ الرئيسي للحفاظِ على قوةِ الولاياتِ المتحدة في العالم. وبمجرد أن قررت القيادةُ السياسيةُ استخدامَ الدولار كأداةٍ للصراعِ السياسي، وجهوا بذلك ضربةً لهذهِ القوةِ الأمريكية. لا أريدُ أن أستخدمَ أيَّ ألفاظٍ غيرِ أدبية، لكنّ هذا غباءٌ وخطأ فادح.

انظروا ماذا يحدثُ في العالم. وحتى بينَ حلفاءِ الولايات المتحدة، فإن احتياطياتِ الدولار تتضاءلُ الآن. ينظرُ الجميع إلى ما يحدث ويبدؤنَ في البحث عن طرقٍ لحمايةِ أنفسهم. ولكن إذا طبقتِ الولاياتُ المتحدة تدابيرَ تقييديةً تجاهَ بعض البلدان مثلَ الحدّ من المدفوعات، وتجميدِ الأصول، وما إلى ذلك، فهذا إنذارٌ كبير وإشارة للعالم أجمع.

ماذا كان يحدثُ معنا؟ حتى عام ألفينِ واثنينِ وعشرين 2022، كان ما يقربُ من ثمانينَ في المئةِ 80% من المدفوعاتِ في التجارةِ الخارجيةِ الروسية بالدولار واليورو. وفي الوقتِ نفسه، كان الدولارُ يمثل حوالي خمسينَ 50 بالمئة من تسوياتِنا مع دولٍ أخرى، والآن، في رأيي، لم يبقَ سوى ثلاثةَ عشرَ 13 بالمئة فقط. لكننا لم نكن نحنُ من حظرنا استخدامَ الدولار، ولم نسعَ جاهدينَ لتحقيقِ ذلك. قررت الولاياتُ المتحدة الحدّ من مدفوعاتِنا بالدولار. أعتقدُ أن هذا محضُ هراء، كما تعلمون، من وجهةِ نظر مصالحِ الولايات المتحدة نفسِها، ودافعي الضرائب في الولايات المتحدة. لأن هذا يوجهُ ضربةً للاقتصادِ الأمريكي ويقوضُ قوةَ الولايات المتحدة في العالم.

بالمناسبة، كانت المدفوعاتُ باليوان تشكلُ حوالي ثلاثةٍ بالمئة. الآن ندفعُ أربعةً وثلاثينَ 34 بالمئةِ بالروبل ونفسَ المبلغ تقريبا، أو ما يزيدُ قليلاً عن أربعةٍ وثلاثين 34 بالمئةِ باليوان.

لماذا فعلتِ الولايات المتحدة هذا؟ يمكنني أن أعزو هذا فقط إلى الغطرسة. ربما ظنوا أن كلَّ شيءٍ سوف ينهار، لكن لم ينهر أيُّ شيء. علاوةً على ذلك، انظر، الدولُ الأخرى، بما في ذلك الدولُ المنتجة للنفط، بدأت تتحدثُ وتفعلُ ذلكَ بالفعل، وتدفعُ ثمنَ النفط باليوان. هل تفهمونَ أن هذا يحدث أم لا؟ هل يفهمُ أحدٌ هذا في الولايات المتحدة؟ ماذا تفعل؟ أنتم تقتطعونَ من أنفسكم.. اسألوا كل الخبراء، أيَّ شخص ذكيّ ومفكرٍ في الولايات المتحدة: ما هو الدولارُ بالنسبةِ للولايات المتحدة؟ أنتم الآن تقتلونَهُ بأنفسكم.

 

تاكر كارلسون: أعتقدُ أن هذا تقييمٌ عادل حقا.

السؤال التالي. ربما قمتُم باستبدالِ قوةٍ استعماريةٍ بأخرى، ولكن بقوةٍ أكثر لطفا؟ ولعلَّ مجموعةَ بريكس اليوم معرضة لخطرِ الخضوع لهيمنة قوة استعماريةٍ أكثر لطفا، الصين؟ فهل هذا جيدٌ لسيادةِ الدولة، في رأيكم؟ هل هذا يُزعجُكم؟

 

فلاديمير بوتين: نحن ندركُ جيداً قصصَ الرعب هذه. هذه قصةُ رعب. نحنُ جيرانٌ مع الصين. لا يتمُّ اختيارُ الجيران، مثلُ الأقاربِ المقربين. لدينا حدودٌ مشتركةٌ معهم تبلغ آلاف الكيلومترات. هذا في المقامِ الاول.

ثانيا، نحن معتادونَ على العيش معا على مدارِ عدةِ قرون.

ثالثا، فلسفةُ السياسةِ الخارجية للصين غيرُ عدوانية، ففِكرُ السياسةِ الخارجيةِ للصين يبحث دائما عن حلٍّ وسط، ونحنُ نرى ذلك.

النقطة التالية هي هذه: يتم إخبارُنا بهذا طوالَ الوقت، وقد حاولتَ الآن تقديمَ قصة الرعب هذه بشكلٍ رقيق، لكنها مع ذلك تبقى قصةَ الرعب نفسَها: حجمُ التعاون مع الصين آخذٌ في الازدياد. إن معدلَ نمو التعاون بين الصين وأوروبا أكبرُ وأعلى من معدلِ نموِ التعاون بين الصين والاتحاد الروسي. اسألوا الأوروبيين: ألا يخافون؟ ربما هم خائفون، لا أعرف، لكنهم يحاولونَ الدخولَ إلى السوق الصينية بأيّ ثمن، خاصةً عندما يواجهونَ الآن مشاكلَ في الاقتصاد. وتقومُ الشركات الصينية بتطوير السوقِ الأوروبية.

أليس هناك وجودٌ صغير للشركاتِ الصينية في الولايات المتحدة؟ نعم، القراراتُ السياسية تحاولُ الحد من التعاونِ مع الصين. سيد تاكر، أنتم تفعلونَ ذلك على حساب أنفسِكم: فمن خلال الحدّ من التعاون مع الصين، فإنكم تفعلون ذلك على حساب أنفسكم. هذه منطقة حساسة، ولا توجد حلولٌ خطية بسيطة هنا، تماما كما هو الحالُ مع الدولار.

ولذلك، قبلَ فرضِ أيّ عقوباتٍ غير مشروعة - غيرِ مشروعةٍ من وجهة نظر ميثاق الأمم المتحدة - علينا أن نفكر ملياً. في رأيي، أولئك الذين يتخذون القراراتِ لديهم مشاكلُ في هذا.

 

تاكر كارلسون: قلتُم قبلَ دقيقة إن العالمَ اليوم سيكون أفضل بكثير لو لم يكن هناك تحالفاِ يتنافسانِ مع بعضِهما البعض. ربما الإدارةُ الأمريكية الحالية، كما تقولون، وكما تعتقدون، تعارِضُكُم، لكن ربما الإدارةُ القادمة في الولايات المتحدة، حكومةُ ما بعدَ جو بايدن، تريدُ إقامةَ علاقاتٍ معكم وأنتم تريدونَ إقامةَ علاقاتٍ معهُم. ألا يلعب هذا دوراً؟

 

فلاديمير بوتين: سأخبرُكم الآن.

ولكن لإنهاءِ السؤال السابق. لدينا مئتا 200 مليار دولار، قد وضعنا هدفاً مع زميلي وصديقي الرئيس شي جين بينغ، وهو أن يصلَ حجمُ التبادلِ التجاري مع الصين هذا العام إلى مئتي 200 مليار دولار. ولقد تجاوزنا هذا. ووفقا لبياناتِنا، يبلغُ هذا (التبادلُ التجاري) بالفعل مئتينِ وثلاثينَ 230 مليارا، ووفقا للإحصاءات الصينية بلغَ مئتينِ وأربعينَ 240 مليارَ دولار، إذا تمّ حسابُ كل شيء بالدولار، فلدينا تبادلٌ تجاري مع الصين.

والشيءُ المهمُّ للغاية: لدينا حجمُ تجارةٍ متوازن، ويُكمل بعضُنا البعض في قطاع التكنولوجيا الفائقة، وفي قطاعِ الطاقة، وفي مجالِ التطوير العلمي. وهذا متوازن جدا.

أما بالنسبة لمجموعة بريكس ككل - حيث أصبحت روسيا رئيسةَ مجموعةِ بريكس هذا العام - فإن دولَ بريكس تتطورُ بوتيرةٍ سريعة للغاية.

انظروا، إن لم تخنني الذاكرة إن شاءَ الله، في عام ألفٍ وتسعِمئةٍ واثنينِ وتسعين 1992 في رأيي كانت حصةُ دولِ السبع في الاقتصادِ العالميّ سبعةً وأربعينَ 47 في المئة، وفي عام ألفينِ واثنينِ وعشرين 2022 انخفضت إلى ما يقاربُ من ثلاثينَ 30 في المئة. وكانت حصةُ دولِ بريكس في عام ألفٍ وتسعِمئةٍ واثنينِ وتسعين 1992 تبلغ ستةَ عشرَ 16 في المئة فقط، لكنها الآن تتجاوزُ مستوى "السبع". وهذا غيرُ مرتبطٍ بأيّ أحداث في أوكرانيا. إن اتجاهاتِ تطورِ العالم والاقتصادِ العالمي هي كما ذكرتُ للتو، وهذا أمر لا مفر منه. سيستمرُّ هذا في الحدوث: مع شروق الشمس، من المستحيل منعُ ذلك، عليكم التكيفُ مع هذا.

كيف تتكيفُ الولاياتُ المتحدة؟ بمساعدة القوة: بالعقوبات، والضغط، والقصف، وباستخدامِ القوات المسلحة. وهذا مرتبطٌ بالثقةِ المُفرطة. الناس في النخبةِ السياسية الخاصةِ بكُم لا يفهمون أنّ العالم يتغيرُ بسببِ الظروف الموضوعية، وأنهُم يحتاجون إلى اتخاذِ القراراتِ الصحيحة بكفاءة، في الوقتِ والموعد المناسبِ من أجل الحفاظِ على المستوى، أرجو المعذرة، حتى ولو أرادَ شخصٌ ما مستوىً من الهيمنة. مثلُ هذهِ التصرفاتِ الوقحة، بما في ذلك تجاهَ روسيا، على سبيلِ المثال، ودولٍ أخرى، تؤدي إلى نتيجةٍ عكسية. هذه حقيقةٌ واضحة، وقد أصبحت واضحة بالفعل اليوم.

لقد سألتَني الآن: هل سيأتي زعيمٌ آخر ويغيّرُ شيئاً ما؟ الأمرُ لا يتعلق بالقائد، ولا يتعلقُ بشخصيةِ إنسانٍ معين. كانت علاقتي جيدة جداً مع بوش، على سبيل المثال. أعلم أنه تم تصويرُه في الولايات المتحدة على أنه رجلٌ ريفيٌ لا يفهمُ الكثير. وأؤكد لكُم أن الأمرَ ليس كذلك. أعتقد أنه ارتكبُ أيضا الكثيرَ من الأخطاء فيما يتعلقُ بروسيا. لقد أخبرتكُم عن عام ألفينِ وثمانية 2008 والقرارِ الذي اتّخذ في بوخارست بفتحِ الأبوابِ أمامَ حلف شمال الأطلسي في أوكرانيا وما إلى ذلك. وهذا ما حدثَ معه، فضغطَ على الأوروبيين.

لكن بشكلٍ عام، على المستوى الإنساني، كانت تربطُني به علاقةٌ طيبةٌ وجيدة للغاية. إنه ليس أسوأَ من أيِّ سياسي أمريكي أو روسي أو أوروبي آخر. أؤكد لكم أنه كانَ يفهمُ ما كانَ يفعله، مثلُ الآخرين. وكذلك كانت تجمعني بترامب علاقاتٌ شخصية.

الأمرُ لا يتعلقُ بشخصيةِ القائد، بل يتعلقُ بمزاج النُخَب. إذا سادت فكرةُ الهيمنةِ بأيّ ثمن، وبمساعدةِ القوة، في المجتمع الأمريكي، فلن يتغيرَ شيء، بل سيزدادُ الأمرُ سوءا. إما إذا جاءَ الإدراك في النهاية أنّ العالم يتغيرُ بسببِ الظروف الموضوعية، وأننا يجبُ أن نكونَ قادرين على التكيفِ معها في الوقت المناسب، باستخدامِ المزايا التي لا تزالُ تتمتع بها الولاياتُ المتحدة اليوم، فمن المحتملِ أن يتغيرَ شيء ما.

انظروا، أصبحَ الاقتصادُ الصيني الاقتصادَ الأولَ في العالم من حيث تعادلُ القوة الشرائية، ومن حيثُ الحجم، فقد تفوقوا على الولاياتِ المتحدة منذ فترةٍ طويلة. إذاً الصينُ أولاُ، ثم الولاياتُ المتحدة الأمريكية، ثم الهند مع مليارٍ ونصفِ المليارِ    نسمة، ثم اليابان وتأتي روسيا في المركز الخامس. وخلالَ العامِ الماضي، أصبحت روسيا الاقتصادَ الأول في أوروبا، رغمَ كلّ العقوبات والقيود. فهل هذا طبيعيٌّ من وجهةِ نظركُم؟ العقوباتُ والقيودُ واستحالةُ سدادِ المدفوعات بالدولار وقطعُ الاتصال بـ SWIFT والعقوباتُ ضد سفننا التي تحملُ النفطَ والعقوباتُ ضد الطائراتِ والعقوباتُ في كلّ شيء وفي كلّ مكان. إن أكبرَ عددٍ من العقوبات التي يتمُّ تطبيقُها في العالم يتم تطبيقها ضد روسيا. وأصبحنا أولَ اقتصادٍ في أوروبا خلالَ هذا الوقت.

الأدواتُ التي تستخدمها الولاياتُ المتحدة لا تعمل. حسنا، علينا أن نفكرَ فيما يجبُ فعلُه. إذا وصل هذا الوعيُ إلى النخبِ الحاكمة. نعم، فالشخصُ الأول في الدولة سيتحركُ تحسباً لما يتوقعُه منه الناخبون وأصحابُ القرار على مختلفِ المستويات. ومن ثم قد يتغيرُ شيءٌ ما.

 

تاكر كارلسون: أنتم تصفونَ نظامينِ مُختلفين، وتقولون إن القائدَ يعملُ لصالحِ الناخبين، ولكن في الوقت نفسِه، يتم اتخاذُ بعضِ القرارات من قبلِ الطبقات الحاكمة. أنتم تقودونَ البلادَ منذ سنواتٍ طويلة، ما رأيكم، بخبرتكم، من يتخذ القراراتِ في أمريكا؟

 

فلاديمير بوتين: لا أعرف. فأمريكا بلدٌ معقد، لذلك، فمن ناحية، هي مُحافِظة، ومن ناحيةٍ أخرى، تتغيرُ بسرعة. ليس من السهلِ علينا معرفةُ ذلك.

من يتخذُ القرارَ في الانتخابات؟ هل يمكنُ فهمُ ذلك عندما يكونُ لكلّ ولايةٍ تشريعاتُها الخاصة، وكلُّ ولايةٍ تنظمُ نفسَها، ويمكنُ استبعادُ شخصٍ ما من الانتخابات على مستوى الولاية. هذا نظامٌ انتخابيٌ من مرحلتين، ومن الصعبِ علينا أن نفهمَ ذلك. وبطبيعةِ الحال، هناك حزبانِ مُهيمنان: الجمهوريون والديمقراطيون. وفي إطارِ هذا النظام الحزبي هناك مراكزُ تتخذُ القرارات وتُعدُّ القرارات.

انظر، لماذا، في رأيي، تم تنفيذُ سياسة ِ الضغطِ الخاطئةِ والفظة التي لا أساسَ لها على الإطلاق تجاهَ روسيا بعدَ انهيار الاتحاد السوفيتي؟ ففي نهايةِ المطاف، هذه سياسةُ ضغط. إن توسيعَ حلف الناتو، ودعمَ الانفصاليين في القوقاز، وإنشاءَ نظامِ دفاعٍ صاروخي - كلها عناصرُ ضغط. ضغط، وضغط، وضغط... ثم جرُّ أوكرانيا إلى الناتو. الأمرُ كله ضغط، ضغط. لماذا؟

أعتقد أيضا أنه تم إنشاءُ طاقةٍ إنتاجيةٍ فائضةٍ نسبيا. وخلالَ الحربِ ضدّ الاتحاد السوفيتي، تم إنشاءُ العديدِ من المراكز المختلفة والمتخصصينَ في الاتحاد السوفيتي الذين لم يتمكنوا من فعلِ أيّ شيء آخر،، بدا لهُم أنهم كانوا يُقنعونَ القيادةَ السياسية: يجبُ عليهم الاستمرارُ في ضرب روسيا، ومحاولةُ ايصالِها للانهيار، وإنشاءُ العديد من الكياناتِ شبهِ الحكومية في هذه المنطقة وإخضاعُها بشكلٍ منقسم، واستخدامُ إمكاناتِها المشتركة في القتالِ المستقبليّ مع الصين. وهذا خطأ، بما في ذلك الإمكاناتُ الزائدةُ لدى من عملوا على مواجهةِ الاتحادِ السوفييتي. نحنُ بحاجةٍ للتخلص من هذا. يجبُ أن تكون هناك قوى جديدة، وأشخاصٌ يتطلعونَ إلى المستقبل ويفهمونَ ما يحدثُ في العالم.

انظروا كيف تتطورُ إندونيسيا! ستُّمئةِ 600 مليونِ شخص. ما الذي يمكنُ فعلُه حيالَ ذلك؟ لا شيء. يتعينُ علينا فقط أن ننطلقَ من أن إندونيسيا سوف تنضم، وهي تنضمُّ بالفعل، إلى نادي الاقتصاداتِ الرائدةِ في العالم، مهما كان الأمر ــ سواءٌ أحبَّ ذلك أحدٌ أم لا.

نعم، نحنُ نفهمُ ونُدرك أنه في الولايات المتحدة، على الرغم من كل المشاكل الاقتصادية، لا يزالُ هناكَ وضعٌ طبيعي ونموٌ اقتصاديٌ لائق، حيث إن نموّ الناتج الإجمالي المحلي يشكلُ نسبةَ اثنينِ ونصف 2.5 في المئة، على حد علمي.

ولكن إذا ضمِنّا المستقبل، فإننا بحاجةٍ إلى تغييرِ نهجِنا تجاهَ ما يتغير. وكما قلت من قبل، فإن العالمَ سيظلُّ يتغير بغضِّ النظرِ عن الكيفية التي تنتهي بها الأحداث في أوكرانيا. العالمُ يتغير. في الولايات المتحدة نفسِها، يكتبُ الخبراءُ أن الدول تغيرُ موقفَها تدريجيا في العالم - خبراؤكم أنفسُهم يكتبون، وأنا أقرأ لهُم. والسؤالُ الوحيدُ هو كيفَ سيحدث هذا: هل بشكلٍ مؤلم، أو بسرعةٍ، أو بلطف، أو تدريجيا؟ ويكتبُ هذا أشخاصٌ ليسوا مناهضينَ لأمريكا. فهم ببساطة يتبعونَ اتجاهاتِ التنميةِ في العالم. هذا كلُّ شيء. ومن أجلِ تقييمها وتغييرِ السياسات، نحتاجُ إلى أشخاصٍ يفكرونَ ويتطلعونَ إلى الأمام ويستطيعونَ التحليلَ والتوصية ببعضِ القراراتِ على مستوى القيادة السياسية.

 

تاكر كارلسون: أحتاج أن أسألكُم عما يلي: لقد قلتُم بشكل واضح إن توسعَ الناتو جاءَ خرقاً للوعود ويُعدّ خطراً على بلادكم. ولكن قبلَ إرسالكم القوات المسلحة إلى أوكرانيا قامَ نائبُ رئيس الولايات الأمريكية المتحدة بدعمِ رغبة رئيس أوكرانيا للاشتراكِ في الناتو ضمنَ مؤتمر الأمن. هل تعتقدون أن هذا كان من ضمنِ الأمور التي تسببت ببدءِ العمليات العسكرية؟

 

فلاديمير بوتين: أكررُ مجدداً أننا قُمنا مراتٍ عديدة باقتراح أن يتمَّ البحثُ عن حلولٍ للمشكلات التي ظهرت في أوكرانيا بعدَ الانقلابِ الحكومي في عام ألفينِ وأربعةَ عشر  2014 بطرقٍ سلمية ولكن لم يستمِع إلينا أحد. بل أعلنت الإدارةُ الأوكرانية الخاضعةُ لسيطرةٍ أمريكيةٍ كاملة بأنها لن تلتزمَ باتفاقيات مينسك، إذ لا يعجبُها شيء فيها، واستمرت في قيامِها بالنشاط العسكري على تلكَ الأراضي. تزامناً مع ذلك أتى توغلُ نظمِ الناتو العسكرية في تلكَ المناطق تحتَ غطاءِ نشرِ مراكزَ مختلفةٍ لإعدادِ وإعادةِ تأهيلِ الكوادر، وبالتالي ففي حقيقةِ الأمر بدؤوا بإنشاء قواعدَ هناك بكلّ بساطة.

أُعلنَ في أوكرانيا، وتم إصدارُ قانون بهذا الشأن، أن الروس يُعتبرونَ عِرقاً غيرَ معترفٍ باسمهِ وفي نفسِ الوقت تم إصدارُ قوانينَ تحدُّ من حقوقِ العرقيات غيرِ المعترف باسمها في أوكرانيا. هل من الطبيعي أن تقومَ أوكرانيا بإعلان الروس عرقيةً غيرَ مُعترفٍ باسمها بعد حصولها على كل هذه المناطق الجنوبيةِ الشرقية هدية من الشعبِ الروسي؟ هذا كله ما أدى إلى اتخاذِ قرار بإنهاءِ الحرب التي أشعلها النازيونَ الجدد في أوكرانيا في عام ألفينِ وأربعةَ عشر 2014 بشكل مسلح.

 

تاكر كارلسون: هل تعتقدون أن لدى زيلينسكي حريةُ المشاركةِ في مفاوضاتٍ لحلّ هذا النزاع؟

 

فلاديمير بوتين: لا أعلم، إذ يصعبُ عليَّ الحكمُ على تفاصيلِ هذا الأمر. ولكن أعتقد أنه يمتلكُ هذه الحرية أو على أي حال كانَ يمتلكُها. لقد حاربَ والدُه الفاشيين والنازيين أيامَ الحرب العالمية الثانية ولقد تحدثت معَهُ في إحدى المرات عن هذا الأمر. لقد قلتُ له: "فولوديا (اسم تصغير من اسم العلم فلاديمير، يمكن استبداله بفلاديمير لسهولة النقل إلى المشاهد – ملاحظة المترجم) ما الذي تفعلُه؟ لماذا تدعمُ اليوم النازيينَ الجدد في أوكرانيا وقد حاربَ والدك الفاشية وكان مقاتلاً؟". لن أفصحَ عما أجابني بهِ لأنني أعتبرُهُ موضوعاً مختلفاً وأرى أنه من غير اللائق أن أقوم بذلك.

بما يخصُّ حريةَ الاختيار – فلمَ لا؟ فقد أتى إلى الحكم بناء على توقعاتِ السكان الأوكرانيين بأنه سيقودُ أوكرانيا إلى السلام وهذا ما تحدثَ عنه هو بنفسِه وما كان سبباً في فوزه في الانتخاباتِ بفارق كبير. ولكن أعتقدُ أنه وبعدَ وصولهِ إلى الحكم فهِمَ أمرين: أولهُما أنه من الأفضل ألا يتشاجرَ مع النازيين الجدد والقوميينَ المتشددين لأنهم عنيفونَ ونشطون جداً ولا يمكنُ التنبؤ بتصرفاتِهم، والأمر الثاني أن الغربَ بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية يدعمُهم وسيقومُ دائماً بدعم من يحاربُ روسيا، الأمر الذي يُعدُّ آمناً ويخدمُ مصلحَتَه. ولذلك قام بالالتزام بالموقفِ المناسب على الرغم من وعدِه لشعبه بإنهاءِ الحرب في أوكرانيا. ببساطة لقد كذب على ناخبيه.

 

تاكر كارلسون: هل تعتقدونَ أنه الآن في فبراير عام ألفينِ وأربعةٍ وعشرين 2024 يمتلكُ الحريةَ في التحدث إلى حكومتِكُم والمحاولةِ في مساعدةِ بلاده بأي شكل؟ هل يمكنهُ القيامُ بذلكَ بنفسِه؟

 

فلاديمير بوتين: لِمَ لا؟ فهو يظنُّ نفسَهُ رئيسَ دولة ولقد فاز في الانتخاباتِ الرئاسية، على الرغم من أننا في روسيا نرى أن كل ما حدثَ بعد عام ألفينِ وأربعةَ عشر 2014 تم بدؤُهُ بعدَ نشوبِ الانقلابِ الحكوميّ، وفي هذا الإطار فإن حكومةَ اليومِ معيبة. ولكنهُ يعتبرُ نفسَهُ رئيساً وهذا هو الوصفُ الذي تُطلقهُ عليه الولاياتُ المتحدة الأمريكية وكاملُ أوروبا وتقريباً العالمُ بأسره، وبالتالي لمَ لا؟ يمكنُه القيام بذلك.

لقد قمنا بالفعل بالتفاوضِ مع أوكرانيا في إسطنبول وتوصلنا إلى اتفاقٍ وهو على علم بذلك. إضافةً إلى ذلك، فإن رئيسَ مجموعةِ التفاوض، السيد أراخاميا على ما أذكر، ما يزالُ يترأسُ إحدَى الفصائلِ السياسيةِ للحزبِ القائد أي حزبَ الرئيس في برلمانِ البلاد أو الرادا. ما يزالُ متواجداً هناك. لقد قامَ حتى بالتوقيع بشكلٍ مبدئي على تلك الوثيقةِ التي أخبرتُكُم عنها، ولكنه فيما بعد أعلنَ للعالمِ بأسرِه ما يلي: "لقد كُنا مستعدينَ لتوقيعِ هذه الوثيقة ولكن وصلَ السيدُ جونسون، رئيسُ وزراءِ بريطانيا آنذاك، وأقنعنا بالعدولِ عن ذلك وقال إنهُ من الأفضلِ أن نخوضَ حرباً مع روسيا. سيقدمونَ لنا كلَّ ما نحتاجُه لاستعادةِ ما نخسرُه في جبهاتِ القتال مع روسيا، ولقد وافقنا على هذا الاقتراح." يمكنكُم الاطلاعُ على هذا التصريح، فقد تم نشره بشكلٍ علني.

هل يمكنُهم مراجعةُ هذا الأمر؟ السؤالُ هنا يكمن فيما إذا كانوا يرغبون في ذلك أو لا. إذ قامَ بعدَ ذلك السيدُ رئيس أوكرانيا بإصدارِ مرسوم يمنعُ التفاوضَ معنا. ما عليهِ إلا أن يلغيَ هذا المرسوم، فلم نقُم يوماً برفضِ التفاوض. نسمعُ على الدوام تساؤلاتٍ عما إذا كانت روسيا مستعدةً للتفاوض. نحن لم نرفض التفاوضَ أصلاً! بينما قاموا هم برفضِه بشكلٍ علني. وبالتالي ما عليهِ إلا أن يقومَ بإلغاء مرسومِهِ والمشاركةِ في المفاوضات، فنحنُ لم نرفضها قط.

وأما بخصوص أنهم قد سلّموا إلى مطالبِ أو حججِ رئيسِ الوزراءِ البريطاني السابق السيد جونسون فأعتقدُ أنهُ أمرٌ سخيفٌ ومؤسف. لأنه وكما قال السيد أراخاميا: "كان يمكنُنا منذ سنةٍ ونصفِ السنة أن نقوم بإيقافِ هذه العمليات العسكرية وهذه الحرب ولكن أقنعنا الإنكليز ورفضنا هذا الأمر". أين السيد جونسون الآن بينما تستمرُّ الحرب؟

 

تاكر كارلسون: هذا سؤالٌ جيد. لماذا قامَ بفعل ذلك؟

 

فلاديمير بوتين: لا أعلم، فأنا بنفسي لا أفهمُ هذا الأمر. كانت هذه التعليماتُ العامةُ بالتصرفِ في هذا الشأن. لسببٍ ما تشكلَ وهمٌ لدى الجميع بأنهُ يمكنُ الانتصارُ على روسيا في جبهةِ القتال، ويعود هذا الأمر إلى ثقتِهم الزائدةِ بنفسِهم وإيمانِهم بذلك ولكنه لا يدلُّ على وعيهِم الكبير.

 

تاكر كارلسون: لقد قمتُم بوصف الرابط بين روسيا وأوكرانيا ووصفِ روسيا على أنها بلد أرثوذوكسي كما قلتم. ماذا يعني هذا الأمرُ لكم؟ إنكم قائدُ بلد مسيحي، فكيف تصفونَ أنفسَكُم؟ وما هو تأثير هذا الأمر عليكم؟

 

فلاديمير بوتين: كما تعلمون تحدثتُ سابقاً عن أنه في عامِ تسعِمئةٍ وثمانيةٍ وثمانين 988 قام الأميرُ فلاديمير بقبولِ الدين المسيحي متخذاً من جدتهِ الأميرة أولغا مثالاً ومن ثم عرّفَ محيطَه على الدين المسيحي وبعدَ ذلك وبشكل تدريجي خلالَ عدةِ سنوات عرّف روسيا بأكملِها على الدين المسيحي. احتاجت عمليةُ الانتقالِ من الوثنية إلى المسيحية وقتاً طويلاً وسنواتٍ عديدة، ولكن في نهايةِ المطاف تركّزت الأرثوذوكسية أو هذا الدينُ المسيحيُّ الشرقيُّ بعمقٍ في وعي الشعب الروسي.

أثناءَ توسع روسيا وانضمامِ شعوبٍ أخرى إليها تعتنقُ الإسلامَ والبوذيةَ واليهودية كانت روسيا على الدوام في سلامٍ مع الشعوبِ التي تعتنق أدياناً أخرى وهنا تكمنُ قوتُها بالتأكيد.

كما أنه وفي كافةِ أديانِ العالم التي قمتُ بذكرها والتي تعدُّ الأديانَ التقليدية في روسيا الاتحادية نجدُ تشابهاً كبيراً بين الأسسِ والقيمِ المركزية فيها، إذا لم نقل إنها نفسُها في كل الأديان. ولقد اعتنت الحكومةُ الروسية بثقافةِ وأديانِ الشعوبِ التي انضمت إلى الإمبراطوريةِ الروسية. وهذا الأمرُ في اعتقادي يضعُ أساساً لأمن واستقرار سيادةِ الدولةِ الروسية لأن جميعَ الشعوب التي تقطنُ في روسيا ترى في روسيا وطناً لها.

في حالِ هاجر إليكُم سكانٌ من أمريكا اللاتينية أو كمثالٍ أكثر وضوحاً إلى أوروبا، يهاجرُ الناس ولكنهم يصلونَ من موطنِهم التاريخي إليكُم أو إلى بلدان أوروبا. وأما البلدانُ التي تعتنق أدياناً أخرى فهي ترى في روسيا وطنَها وليسَ لديها وطنٌ آخر. نحن معاً أسرةٌ واحدة كبيرةٌ وتتشابهُ قيمُنا التقليديةُ بشكلِ كبير. كما قلت إننا "أسرةُ واحدةٌ كبيرة" ولكن لدى كلِّ واحدٍ فينا أسرتُهٌ الخاصة والأسرةُ هي أساسُ مجتمعِنا. وفي حالِ قلنا إن الوطنَ يرتبطُ بكلِ أسرةٍ محددةٍ بشكلٍ وثيق فهذا هو واقعُ الأمر. حيثُ لا يمكننا أن نؤمنَ مستقبلاً جيداً لأطفالنا وأسرِنا في حالِ لم نؤمّن مُستقبلاً جيداً ومستقراً لبلدنا ووطنِنا بأكمله، لهذا السبب تنتشر القيمُ الوطنية في روسيا بشدة.

 

تاكر كارلسون: اسمحوا لي أن أقولَ إن الأديان تختلف. الدينُ المسيحي هو دينُ سلام، إذ يقول السيد المسيح: " إذا ضربكَ أحدُهم على خدك الأيمن فأدر له خدك الأيسر"، كما يقولُ: "لا تقتل". فكيف يمكنُ للقائد أن يكونَ مسيحياً إذا تم الاضطرار إلى قتل شخص آخر؟ كيف يمكنُ أن يتصالح الأمران في داخلِ المرء؟

 

فلاديمير بوتين: الأمرُ سهلٌ جداً إذا كانَ الأمرُ مُتعلقاً بالدفاع عن النفس وعن العائلةِ وعن الوطن. مما بدأت الأحداثُ في أوكرانيا؟ بدأت الأحداثُ من الانقلابِ الحكوميّ ومن بدءِ العملياتِ العسكريةِ في الدونباس، ونحن نقومُ بالدفاعِ عن شعبِنا وأنفسِنا ووطنِنا ومستقبلنا.

فيما يخصُّ الدينَ بشكل عام فهو لا يكمنُ في الأمورِ التي تُمارَسُ على السطح. لا يكمنُ الدينُ في الذهابِ يومياً إلى الكنيسة أو الصلاة. بل يقبعُ الدين في قلبِ كلّ واحدٍ فينا. ثقافتُنا تهتمُّ بالإنسان، ولقد تحدث دوستويسفكي المعروفُ في الغربِ على أنه عبقريُّ الثقافةِ الروسية والأدبِ الروسي كثيراً عن الروح الروسية.

المجتمعُ الغربيُّ عمليٌّ أكثر. الإنسانُ الروسي يفكرُ في الأمورِ الأزلية والقيمِ الأخلاقية، من الممكنِ ألا توافقوني ولكن الثقافةَ الغربيةَ عمليةٌ أكثر. أنا لا أقولُ إنهُ أمرٌ سيء، فهذا الأمرُ يسمحُ للمليارِ الذهبي اليوم بتحقيقِ نجاحاتٍ جيدة في الإنتاج والعلم وغيرِها من المجالات. هذا الأمرُ ليسَ سيئاً ولكنني أقول إننا قد نتشابهُ في المظهر الخارجي ولكنَّ الوعيَ لدينا مبنيٌّ بشكلٍ مختلف قليلاً.

 

تاكر كارلسون: إذاً أنتم ترونَ هنا شيئاً من الماورائيات؟ عندما تنظرونَ إلى ما يحدثُ في العالم هل ترونَ يدَ الرب في ذلك؟ هل تقولونَ لنفسِكُم أنكم ترونَ هنا لمسةً من قوى الغيب؟

 

فلاديمير بوتين: لا، بصراحةٍ لا أعتقدُ ذلك. أعتقدُ أن المجتمعَ العالميّ يتطورُ وفقاً لقوانينهِ الداخليةِ والموجودةِ بالشكلِ الحالي. هذا أمرٌ لا مهربَ منه ولقد تواجدَ على هذا الشكل على مرِّ تاريخِ البشرية. ارتقت شعوبٌ وتكاثرت وطورت قوتَها ومن ثم رحلت عن الساحةِ العالمية ضمنَ الإطارِ التي اعتادت عليه. أعتقدُ أنه ليسَ هناك داعٍ لذكرِ هذهِ الأمثلة: بدءاً من الاحتلالِ المغوليّ وجنكيز خان ومن ثم خانيّة القبيلة الذهبية وانتهاءً بالإمبراطوريةِ الرومانيةِ العظيمة. لا أعتقد أنه مرّ على تاريخ البشرية شيءٌ مثلُ الإمبراطوريةِ الرومانية العظيمة.

ولكن نمَت إمكانياتُ البربر بشكلٍ تدريجيّ وانهارت الإمبراطورية الرومانية تحت وطأةِ ضرباتِهم بسبب تفوقِ البربر عليها بالعددِ وتطورِهم الجيد بشكل عام، كما نقول اليوم، اقتصادياً، فأصبحوا أقوى. هذا أدى إلى انهيار النظام الذي فرضتهُ الإمبراطوريةُ الرومانيةُ على العالم. صحيحٌ أن انهيارَها استغرق وقتاً طويلاً، إذ احتاجت الإمبراطورية الرومانية إلى خمسِمئةِ 500 سنة لتتفككَ وتنهار. يكمنُ الفرق مع الوضع الراهن اليوم في أنّ عملياتِ التغير اليوم تحدثُ بشكلٍ أسرع مما كانت عليه في زمنِ الإمبراطورية الرومانية.

 

تاكر كارلسون: متى ستبدأ إمبراطوريةُ الذكاء الاصطناعي؟

 

فلاديمير بوتين: إنكم تجعلونني أغوصُ في مواضيعَ أصعب وأصعب. لإجابتكم على هذا السؤال ينبغي أن يكونَ المرءٌ مُختصاً في مجال الرقمياتِ الكبيرة والذكاء الاصطناعي.

يواجهُ الإنسانُ العديدَ من المخاطر مثلَ الأبحاثِ في مجالِ علم الجينات التي يمكنُ أن تؤديَ إلى خلق إنسانٍ خارقِ المواصفات، إنسانٍ مخصصٍ ليكونَ مقاتلاً، أو ليكونَ عالماً أو رياضياً. يقولون الآن إنهُ في الولايات المتحدة الأمريكية قام إيلون ماسك بالفعلِ بزرعِ رقاقةٍ في دماغ الإنسان.

 

تاكر كارلسون: ما رأيكم في هذا الأمر؟

 

فلاديمير بوتين: أعتقدُ أنه لا يمكنُ إيقافُ ماسك، إذ سيقومُ بشتى الأحوال بما يراه مناسباً. ولكن يجبُ أن يتمَّ الاتفاقُ معه بشكل ما والبحثُ عن سبلٍ لإقناعِه، فأنا أعتقد أنهُ إنسانٌ ذكي أو بالأحرى أنا متأكدٌ من ذكائِه، ويجبُ الاتفاقُ معه بشكلٍ ما على ضرورةِ خضوع هذا الأمر لقواعدَ محددة.

من المؤكد أنه على البشرية أن تفكرَ فيما سيأتي بهِ تطورُ هذه الأبحاث الحديثة والتقنياتِ الخاصة بعلم الجينات أو الذكاءِ الاصطناعي. يمكنُ أن نتوقعَ بشكلٍ تقريبي ما سيحدث. ولذلك عندما شعرتِ البشريةُ بخطرٍ على وجودِها بسبب الأسلحةِ النووية بدأت جميعُ البلدان التي تمتلكُ أسلحةً نووية بالاتفاقِ فيما بينها لأنها تعلمُ أن استخدامها غيرَ الحذر قد يؤدي إلى دمارٍ مُطلقٍ وكامل.

عندما سيتمُّ فهمُ أن تطورَ الذكاء الاصطناعي أو علمِ الجينات أو أياً من التوجهات الحديثة بشكلٍ غيرِ مقيد وخارجٍ عن السيطرة يشكلُ خطراً على الرغم من أنها أمورٌ لا يمكنُ إيقافُها، وستبقى هذه الأبحاثُ موجودة كما لم يكن من الممكن إخفاءُ البارودِ عن البشرية ولا يمكنُ إيقافُ الأبحاثِ في أيّ مجالٍ كان، ولكن عندما ستشعرُ البشرية بالخطرِ على نفسِها من هذا الأمر ستبدأ مرحلةُ الاتفاقِ الدولي على طرقِ التحكم فيه.

 

تاكر كارلسون: شكراً جزيلاً لكم على الوقت الذي أوليتمونه لهذا اللقاء. أود أن أسأل سؤالاً آخراً.

إيفان غريشكوفيتش هو صحفيٌّ أمريكي يبلغُ من العمر اثنينِ وثلاثينَ 32 عاماً ويتواجد في السجن الآن منذ ما يزيدُ عن السنة. أثارت هذه القصةُ ضجةً كبيرةً في الولاياتِ المتحدة الأمريكية. أرغب في أن أسألكُم: هل أنتم مستعدون لإطلاق سراحِهِ لننقلهُ إلى الولايات المتحدة كبادرةٍ عن حسن النية؟

 

فلاديمير بوتين: لقد قدّمنا الكثيرَ من بوادرِ حُسن النية وأعتقد أننا قد استنفذنا كلّ الإمكانياتِ الخاصة بذلك ولم تتمّ إجابتنا على بوادرِ حسن النيةِ الخاصةِ بنا ببوادرَ مشابهةٍ أبداً. ولكننا مستعدونَ للقول إننا لا نرفضُ إمكانيةَ القيام بذلك في حالِ قُدمت لنا حركةٌ مقابلة من طرف شركائنا.

عندما أقولُ "شركاءَنا" فأنا أعني في الدرجة الأولى ممثلي الاستخبارات، فهم يتواصلونَ فيما بينَهم ويناقشونَ هذا الأمر. ليس لدينا حظرٌ على حلّ هذه المشكلة. نحن مستعدونَ لحلّها ولكن هناكَ شروطٌ محددةٌ تتمُّ مناقشتُها من خلالِ قنواتِ الشركاءِ بين الاستخبارات. أعتقد أنهُ يمكنُ الوصولُ إلى اتفاق في هذا الأمر.

 

كارلسون: وبطبيعة الحال، كلُّ شيء يحدثُ على مدى قرون - الدولة تقبض على جاسوس، وتحتجزهُ ثم تستبدلهُ بشخص آخر. بالطبع، هذا ليسَ من شأني، لكن هذا الوضعُ مختلفٌ من حيثُ أن هذا الشخص ليسَ جاسوسًا بالتأكيد - إنه مجردُ طفل. لربما يكونُ قد انتهكَ قوانينَكم، لكنهُ ليس جاسوسًا وبالتأكيد لم يتجسّس. ربما يمكن تصنيفه في فئة مختلفة؟ ربما سيكونُ من الظلمِ طلبُ تبديلِه بشخص آخر؟

 

بوتين: كما تعلم، يمكنُ أن تقولَ ما تريدُ حولَ من هو الجاسوس ومن هو ليَس جاسوسًا، ولكن هناكَ أشياءُ معينةٌ ينصُّ عليها القانون. إذا تلقى شخصٌ معلومات سرية وقام بذلك على أساسٍ سري، فهذا يُسمى تجسساً. وهذا بالضبط ما فعله: كان يتلقى معلوماتٍ سرية، وقد فعلَ ذلك سرًا. لا أعرف، ربما تم توريطُه من شخص ما في هذا الأمر، ربما فعل كلَّ شيء دونَ حذر، بمبادرةٍ منه. لكن في الحقيقة هذا يُسمى تجسساً. وقد ثبُت كل شيء، لأنه تم القبضُ عليه مُتلبسا عند تلقيه هذه المعلومات. لو كانت هذه أشياءُ بعيدةُ الاحتمال، ومخترعةٌ، وغيرُ مثبتة، لكان الأمرُ مختلفًا. لقد تم القبضُ عليه مُتلبسا عندما تلقى معلوماتٍ سرية على أساس سري. فكيفَ يمكنُ تفسيرُ ذلك؟ 

 

كارلسون: هل تقصدونَ أنه عملَ لصالح الحكومةِ الأمريكية، لصالح حلفِ شمال الأطلسي (الناتو)، أم أنه مجردُ صحفيٍّ تلقى معلوماتٍ لم يكُن من المفترضِ أن تقعَ بينَ يديه؟ ويبدو لي أن هناكَ فرقاً بين هاتينِ الفئتين.

 

بوتين: لا أعرفُ لصالحِ من كانَ يعمل. لكنني أكررُ مرةً أخرى: الحصولُ على معلوماتٍ سرية على أساس سري يُسمى تجسساً، وقد عملَ لصالحِ المخابرات الأمريكية وبعضِ الجهات الأخرى. لا أعتقد أنهُ كان يعملُ لصالح موناكو، ومن غير المرجحِ أن تكون موناكو مهتمةً بتلقي هذهِ المعلومات. إن أجهزةَ المخابرات هي التي يجب أن تتوصلَ إلى اتفاقٍ فيما بينها. أهذا واضح؟ هناكَ أساليبُ معينة، وهناك أشخاصٌ، في رأينا، غيرُ مرتبطين أيضًا بالأجهزة الخاصة.

أنظر، سأقولُ لك شيئا: يمكثُ في بلد ما، وهو بلدٌ حليفٌ للولايات المتحدة، يمكثُ رجلٌ قامَ ولأسبابِ الولاء للوطن، بالقضاءِ على مجرمٍ في إحدى العواصم الأوروبية. خلالَ أحداثِ القوقاز، هل تعلم ماذا فعلَ ذلك المجرم؟ لا أريد أن أقولَ ذلك، لكنني سأذكرهُ على أية حال: كان يضعُ جنودَنا الأسرى على الطريق، ثم يقومُ بدهسِ رؤوسِهم بسيارتِه. أيُّ نوعٍ من البشر هذا، إن كانَ بشرا حقا؟ لكن كان هناكَ رجلٌ وطنيٌّ قضى على المجرمِ في إحدى العواصم الأوروبية. هل فعلَ ذلكَ بمبادرةٍ منه أم لا، هذا سؤال آخر.

 

كارلسون: لم يفعل إيفان غيرشكوفيتش شيئًا من هذا القبيل، وهذه قصةٌ مختلفة تمامًا.

 

بوتين: لقد فعلَ شيئًا آخر.

 

كارلسون: إنه مجردُ صحفي.

 

بوتين: إنه ليسَ مجردَ صحفي، أكرر مرة أخرى. هو صحفيٌ حصل على معلومات سرية على أساسٍ سري. حسنًا، نعم، هذه قصة مختلفة تمامًا. أنا أتحدث فقط عن هؤلاءِ الأشخاص الذين هم في الواقع تحتَ سيطرةِ السلطات الأمريكية، بغضّ النظر عن مكانِ وجودِهم في السجن، وهناك حوارٌ بين أجهزة المخابرات. يجبُ حلّ هذا الأمر بهدوءٍ وعلى المستوى المهني. هناك اتصالات، دَعْهم يُنفذونَ عملَهم. ولا أستبعد أن ينتهيَ الأمر بالشخص الذي ذكرتَه، أي السيد غيرشكوفيتش، في وطنِه. ولم لا؟ ليسَ من المنطقي إبقاؤه في السجن في روسيا بشكل أو بآخر. ولكن دع زملاءَ ضباطِ مخابراتنا من الجانب الأمريكي يفكرون أيضًا في كيفيةِ حل المشكلاتِ التي تواجهها أجهزةُ استخباراتنا. نحن لسنا منغلقين على المفاوضات. وأكثرُ من ذلك، فإن هذه المفاوضات مستمرة، وكانت هناكَ حالاتٌ كثيرة توصلنا فيها إلى اتفاق. يمكنُنا التوصل إلى اتفاق الآن أيضا، ولكن علينا التفاوض.

 

كارلسون: أتمنى أن تطلقوا سراحَه. شكرا جزيلا، سيدي الرئيس.

 

بوتين: وأودُّ أيضًا أن يعودَ إلى وطنه في نهايةِ المطاف. أقولُ هذا بصدق. لكني أكرر أن الحوارَ مستمر. كلما جعلنا مثلَ هذه المسائل أكثرَ علنية، كلما أصبحَ حلُّها أكثر صعوبة. يجبُ أن يكون كلُّ شيء هادئا.

 

كارلسون: صراحةً، بالنسبةِ للحرب، لا أعلم إن كان سينجحُ هذا الأسلوب أم لا. إذا سمحتم لي، سأطرحُ سؤالاً آخر. ربما لا تريدونَ الإجابة لأسباب استراتيجية، ولكن ألا تشعرونَ بالقلق من أن ما يحدث في أوكرانيا قد يؤدي إلى شيء أوسع وأخطرَ بكثير؟ وما مدى استعدادِكُم، وهل لديكم الدافعُ للاتصال، على سبيل المثال، بالولايات المتحدة والقول: دعونا نتفاوض؟

 

بوتين: انظر، لقد قلتُ بالفعل: نحن لم نرفض المفاوضات. نحن لا نرفض. من يرفض - هو الجانبُ الغربي، أما أوكرانيا اليوم فهي بالطبع تابعةٌ للولاياتِ المتحدة. هذا الأمرُ واضحٌ وجلي. صحيح، أنني لا أريدُ أن يبدوَ     هذا الكلام وكأنه نوعٌ من اللعنةِ أو الإهانةِ لطرفٍ ما، لكننا نفهم، أليسَ كذلك، نفهم ما الذي يحدث؟ تم تقديمُ الدعمِ المالي، قدموا اثنينِ وسبعينَ 72 مليارَ دولار، وتحتلُّ ألمانيا المركزَ الثاني، والدولُ الأوروبية الأخرى، وتُخصصُ عشراتِ المليارات من الدولارات لأوكرانيا. هناك تدفقٌ هائل من الأسلحة التي تقدمُ إليها. قولوا لقيادةِ أوكرانيا الحالية: اجلسوا وتفاوضوا، قوموا بإلغاءِ مرسومكم الملعون سيئ الصيت واجلسوا للتفاوض. نحن لم نرفض التفاوض.

 

كارلسون: نعم، لقد تحدثتُم عن ذلك. أنا أفهم جيدًا بالطبع أن هذه ليست لعنة. وبالفعل، فقد ترددَ أن أوكرانيا مُنعت من توقيع السلام بأوامرَ من رئيس الوزراء البريطاني السابق، الذي كان يتصرفُ بأوامرَ من واشنطن. ولهذا السبب أسأل، لماذا لا تحلون هذه القضايا بشكل مباشر مع إدارة بايدن التي تسيطر على إدارة زيلينسكي في أوكرانيا؟

 

بوتين: كانت إدارةُ زيلينسكي في أوكرانيا قد رفضت التفاوض، وأنا أفترضُ أنهم فعلوا ذلك بناءً على تعليمات من واشنطن. والآن، إذا رأوا في واشنطن أن هذا القرار خاطئ، فليتخلوا عنه، وليجدوا عذرًا خفيًا غير مهين لأحد، وليجدوا هذا الحل. نحن لم نتخذ هذه القرارات، بل هم من اتخذوا القرار، لذلك فعليهم أن يتخلوا عنه. هذا هو بيتُ القصيد.

لكنهم اتخذوا قراراً خاطئا، والآن أعلينا نحنُ أن نبحثَ عن مخرج من هذا القرار الخاطئ، ونصححَ أخطاءَهم؟ كلا، لقد ارتكبوا ذلك، فعليهِم أن يصححوا ذلك. نحن لا نمانع.

 

كارلسون: أريد أن أتأكد من أنني أفهمكم بشكل صحيح. أي أنكم تريدون التوصلَ إلى حلٍ تفاوضي لما يحدثُ الآن في أوكرانيا، أليس كذلك؟

 

بوتين: صحيح. لقد حققنا ذلك، وقمنا بإعدادِ وثيقةٍ كبيرة في إسطنبول، وقّعَ عليها رئيسُ الوفدِ الأوكراني بالأحرفِ الأولى. توقيعُه موجودٌ على مقتطفٍ من هذه الاتفاقية - ليس على كل الاتفاقية، بل على مُقتطفٍ منها. وضعَ توقيعَه، ثم قال: «كنا مستعدينَ للتوقيع، وكانت الحربُ ستنتهي منذ وقت طويل، منذ عام ونصف. لكن السيدَ جونسون جاء وأقنعنا بعدم القيامِ بذلك، وقد أضعنا هذه الفرصة”. حسنًا، لقد فاتهُم الأمر، وارتكبوا خطأً – فليعيدُوا النظرَ في ذلك، وستنتهي المشكلة. ولكن لماذا علينا نحن أن نشغلَ بالنا بتصحيح أخطاء الآخرين؟

أفهم أنهُ يمكنُ القول إن خطأنا يكمنُ في أننا كثّفنا الإجراءات، وباستخدام الأسلحة، قررنا إنهاءَ هذه الحرب، كما قلت، التي بدأت في عام ألفينِ وأربعةَ عشر 2014 في دونباس. لكنني سأعيدكَ إلى الماضي بعض شيء، ولقد تحدثتُ بالفعل عن هذا، لقد ناقشنا هذا للتو. إذاً دعونا نعود إلى عام ألفٍ وتسعِمئةٍ وواحدٍ وتسعين1991، عندما وعدونا بعدم توسيع الناتو، دعونا نعود إلى عام 2008، عندما فُتحت أبوابُ الناتو، دعونا نعودُ إلى إعلان استقلال أوكرانيا، حيث أعلنت أوكرانيا نفسَها دولة محايدة. ولنعد إلى حقيقةِ أن قواعدَ الناتو والقواعدَ الأمريكية والبريطانية بدأت تظهرُ على أراضي أوكرانيا، مما خلقَ هذه التهديدات لنا. دعونا نعودُ إلى حقيقة حدوثٍ انقلاب في أوكرانيا في عام 2014. لا طائلَ من ورائه، أليس كذلك؟ يمكنكَ دحرجةُ هذه الكرة ذهابًا وإيابًا إلى ما لا نهاية. لكنهم أوقفوا المفاوضات. خطأ؟ نعم. صححوه. نحن جاهزون. ماذا بعد؟

 

كارلسون: ألا تعتقدون أنه كان سيحطُّ من شأنِ الناتو أن يعترفَ اليوم بتحكمِ روسيا بما كانَ قبل عامين أراضٍ أوكرانية؟

 

بوتين: قد قلت: دعهم يفكرون كيف يقومونَ بذلكَ بكرامة. ثمة احتمالاتٌ لذلك في حال كانت الإرادة موجودة.

ها هم إلى الآن يضجون ويصرخون: يجب أن نحصلَ على انتصار استراتيجي على روسيا، انتصارٍ على أرض المعركة... ولكن الآن، على ما يبدو، بدأوا يعون أن المسألةَ صعبة إن لم تكن مستحيلة. وحسبَ رأيي، هذا مستحيل من حيث المبدأ ولن يحدثَ ذلك أبدا. أظن أن استيعابَ ذلك قد وصلَ إلى هؤلاء الذين يتحكمونَ بالسلطة في الغرب. ولكن في حالِ كان الأمر كذلك وأن الوعيَ قد وصلكم إذن فكروا بماذا ستفعلونَ لاحقا. فنحن مستعدونَ للحوار.

 

كارلسون: هل أنتم مستعدون أن تقولوا مثلا للناتو: أهنئكمُ قد انتصرتُم والآن دعونا نحافظُ على الوضع بذلك الشكل الذي هو عليه الآن.

 

بوتين: تعلمون أن ذلك موضوع ُالمفاوضات التي لا يرغبُ أحدٌ بإجرائها معنا، أو بالأصح يرغبون ولكن لا يعلمونَ كيف. أعلم أنهم يريدونَ – أنا لا أرى ذلك فحسب، وإنما أعلم أيضا أنهم يرغبونَ ولكن لا يعلمون بتاتا كيف يفعلونَ ذلك. لقد أساؤوا الفهم وأوصلوا الأوضاع إلى ما نحن عليه الآن. لسنا نحن من أوصلها وإنما "شركاؤنا"، أندادُنا أوصلوها إلى ما هي عليه. إذن دعهُم الآن يفكرونَ كيف يقلبون الوضع بالاتجاه المعاكس. فنحن لا نرفض ذلك.

سيكون ذلك مضحكا لو لم يكن الأمرُ محزنا، فهذه التعبئةُ المستمرة في أوكرانيا والهيستيريا والمشاكلُ الداخلية وكل ذلك... سنتفقُ عاجلا أم آجلا. أتعلمون؟ من المحتمل أن يكون غريباً في الوضع الحالي أن نسمع: إن العلاقاتِ بينَ الشعوب ستُعادُ رغم كل شيء. ولكن نحتاجُ إلى الوقت، ولكنها ستُعاد.

سأقدم لكم بعضَ الأمثلة الغريبة. تجري اشتباكاتٌ على أرضِ المعركة، وهذا مثال محدد: لقد تم تطويقُ الجنودِ الأوكرانيين، إنه مثالٌ واقعيٌ من الحياة، تجري الأعمالُ القتالية – جنودُنا يصرخون لهم: "لا فرصةَ أمامكم، استسلموا، اخرجوا وستبقونَ على قيد الحياة، استسلموا". وفجأة يصرخُ الجنود الأوكرانيون بلغة روسيةٍ سليمة: "الروسُ لا يستسلمون" – وقد قُتلوا جميعا. إنهم إلى الآن يشعرون بأنهم روس.

وضمن هذا المعنى كل ما يجري هو بدرجةٍ معروفة عنصرٌ من الحربِ الأهلية. والكلّ يعتقدُ في الغرب أن الأعمالَ القتالية قد فصلت إلى الأبد جزءاً من الشعب الروسي عن الآخر. لا .. إن إعادةَ التلاحم ستحدث، ولا مفرَّ من ذلك.

لماذا تقومُ السلطاتُ الأوكرانية بتفتيتِ الكنيسةِ الروسية الأرثوذوكسية؟ لأنها توحِدُ لا الأراضي فقط.. بل الروحَ التي لا يمكنُ لأحدٍ أن يفتتها.

هل انتهينا أم ثمةَ شيء آخر؟

 

كارلسون: لا، هذا كل شيء. شكرا جزيلا لكم فخامة الرئيس.

 

 

موافق

هذا الموقع يستخدم ملفات تعريف الارتباط .بامكانك قراءة شروط الاستخدام لتفعيل هذه الخاصية اضغط هنا

روسيا تحيي الذكرى الـ79 للنصر على النازية بعرض عسكري في الساحة الحمراء (فيديوهات)