ماك آرثر الذي تولى منصب الحاكم العسكري لليابان بعد احتلاله، وقبلها قاد قوات الحلفاء في المحيط الهادئ، وضع أسسا لسيطرة دائمة على اليابان، ركز فيها على ضرب الثقافة الراسخة السائدة التي تدور حول شخصية "الإمبراطور" الإلهية.
الشنتوية ليست ديانة تقليدية ولا توجد لها تعاليم محددة، وهي أقرب إلى العادات التي ترسخت بقوة في الحياة اليومية عبر الزمن، ومع ذلك كانت بمثابة دين رسمي، وقد عمل الجنرال ماك آرثر على حظر تعاليمه في المدارس والمؤسسات التعليمية الأخرى، كما تمت إزالة صور الإمبراطور من المدارس وحظر الركوع في اتجاه قصره، وفي نفس الوقت زاد تأثير المسيحية بتشجيعها، حيث كثف المبشرون أنشطتهم في اليابان تحت رعاية السلطات الأمريكية، وأنشأت الكنيسة الكاثوليكية والطوائف الأخرى شبكة واسعة من المدارس والمعاهد الدينية والجامعات في البلاد.
بنهاية المطاف وبضغط من الحاكم العسكري الأمريكي لليابان، أبلغ الإمبراطور هيروهيتو بنفسه لشعبه في 1 يناير عام 1946 أنه ليس من أصل إلهي مطلقا وأنه ليس "سليل آلهة الشمس"، وما كان له أن يكون كذلك، وأن مثل هذا الأمر هو في الواقع أسطورة تستحق الندم. وهكذا قرر الأمريكيون الإبقاء على الإمبراطور في منصبه مع تخليه في نفس الوقت عن مكانته الإلهية، علاوة على أنه أصبح في الهيكلية السياسية الجديدة في اليابان مجرد شخصية رمزية، لا تأثير سياسي له.
مؤرخون يرون أن ماك آرثر أبقى على حياة الإمبراطور هيروهيتو وجنبه الإعدام أو الحكم بالسجن المؤبد لخشيته من رد فعل عنيف وثورة من جانب اليابانيين من جميع الطبقات الاجتماعية، ما من شأنه أن يعيق الوصول إلى هدفه الرئيس المتمثل في تحويل اليابان من مجتمع عسكري إقطاعي إلى دولة "ديمقراطية" موالية للغرب.
الجنرال ماك آرثر كان مصمما على تغيير اليابان داخليا وبشكل جذري، وبدأ العمل على إدخال تعديلات على دستور "ميجي"، حوله إلى وثيقة جديدة تماما، نزعت السلطة والنفوذ المباشرين عن الإمبراطور، وحظرت مشاركة اليابان في الصراعات العسكرية، وتمت تسمية البرلمان على أنه "أعلى جهاز لسلطة الدولة" و"الهيئة التشريعية الوحيدة في البلاد".
العميد كين دايك، وكان يتولى منصب رئيس قسم المعلومات والتعليم المدني في إدارة الاحتلال، وصف الشنتوية، بأنها دين "صنعه" القوميون المتطرفون وأمراء الحرب للترويج لمحاولة اليابان الفاشلة للسيطرة على العالم.
من جانب آخر، كتب مايكل شالر في كتابه "الاحتلال الأمريكي لليابان" قائلا إن خيال "الوطنيين" الأمريكيين مع اقتراب غروب شمس الإمبراطورية اليابانية جمح وهو يحلم بالانتقام من اليابانيين بسبب عار بيرل هاربور وهزائم الفلبين، إلى درجة أن "السناتور ثيودور بيلبو طالب بتعقيم جميع اليابانيين، وفيما بعد تم إعداد حتى مشروع لتربية (سلالة جديدة) من اليابانيين والقضاء على البربرية الفطرية لليابانيين "عن طريق" تزاوجهم مع السكان الهادئين والمطيعين في جزر المحيط الهادئ".
ماك آرثر نفسه أصيب بجنون العظمة من دوره في إسقاط ألوهية الإمبراطور هيروهيتو وقلب حياة اليابانيين رأسا على عقب، حتى أنه كتب في مذكراته قائلا: "أنا جندي محترف حصل على الحق المطلق في السيطرة على حياة 80 مليون شخص".
خطة ماك آرثر نجحت وبقيت اليابان بعد انتهاء الاحتلال الأمريكي رسميا في عام 1952، دولة حليفة جدا للولايات المتحدة لا تختلف كثيرا حتى عن بريطانيا، والسر في ذلك يكمن في عملية طويلة من الإذلال والانتقام الوحشي، بدأت بقنبلتين نوويتين، ثم بتغيرات دستورية جذرية نزعت مخالب بلاد الشمس المشرقة إلى الأبد، وحولت اليابان التي كانت تعرف باسم "قزم سياسي بمحفظة ضخمة" إلى تابع لما يشبه الإله.
المصدر: RT