تعود قصة السيلفيوم إلى حوالي عام 630 قبل الميلاد، حين ضاقت جزيرة "تيرا" اليونانية بكثرة سكانها حتى لم يعد الكثيرون يجدون ما يكفي من الطعام والماء، فأرسل الأهالي بعثة بحثا عن وطن جديد.
أبحر عدد من سكان الجزيرة جنوبا وانتهى بهم المطاف إلى سواحل شمال إفريقيا، وتحديدا سواحل المتوسط بشرق ليبيا.
حط المغامرون الإغريق هناك، وبنوا مدينة أطلقوا عليها اسم قورينا، وهي حورية وقع أبولو في غرامها، والمدينة في الوقت الحالي تعرف باسم "شحات".
لم تكن أوضاع المستوطنين الجدد في البداية مرضية بشكل تام، إلا أنهم اكتشفوا فجأة كنزا استغنوا واستمتعوا به، بل واستغنى به الرومان بعدهم.
يقال إن امرأة نسي التاريخ أن يذكر اسمها، اكتشفت نبات "السيلفيوم" السحري على منحدر جاف بساحل المتوسط في شرق ليبيا، وإن هذا النبات يشبه عشبة "شبت كبيرة".
استخدمت هذه النبتة في البداية كتوابل في الطهي، أثناء تحضير طبق من حساء لحم الضأن، وفيما بعد في العهد الروماني صنعت منه توابل عطرية بمزجه مع الصنوبر. وكانت تباع بوزنها بالدنانير الفضية!
كان يعتقد في ذلك الوقت أن المرأة يكفي أن تشرب مستخلص عصير السيلفيوم مرة واحدة في الشهر كي لا تخاف من الحمل المفاجئ، كما يمكنها في المراحل المبكرة استخدامه للإجهاض.
ولهذا السبب تحديدا، انتشرت شعبية السيلفيوم بشكل منقطع النظير في اليونان ومصر ثم في روما، وتبين أن هذا النبات السحري لا ينمو في أي منطقة أخرى في العالم غير قورينا الليبية، وأنه ينمو تلقائيا ولا يمكن نقله وزراعته في منطقة أخرى، فكبرت أهميته وزاد الإقبال عليه وأصبح رمزا ينقش على العملات المعدنية.
لهذه الأسباب ارتبط السيلفيوم في العصر الروماني بالحب والرومانسية. يظهر ذلك جليا في ذكره من قبل الشاعر الروماني جايوس فاليريوس كاتولوس في قصيدة تقول:
"أنت تسأل ليسبيا كم عدد القبلاتهل هي تكفيني تماما أم لا، أي نوع من الأسئلة؟
كم عدد الرمال الليبية الموجودة في العالم
في الراتنج، في السيلفيوم القوريني,
بين بيت الوحي حيث يغلي كوكب المشتري،
وقبر الإله القديم بات".
هذا النبات العجيب استخدم أيضا في تلك الحقبة في الطب، وكان العصير منه يستخدم في علاج التهاب الحلق والحمى وعسر الهضم والصرع، ويستخدم أيضا كترياق للتسمم، إلا أن الأمر الأكثر أهمية أن هذه العشبة الأسطورية، كانت مثيرة للشهوة الجنسية، وفي نفس الوقت وسيلة فعالة لمنع الحمل.
يوليوس قيصر نفسه كان حصل على هدايا من قورينا تمثلت إضافة إلى الذهب والفضة في نحو نصف طن من السيلفيوم المجفف.
مع الإقبال المتزايد على النبات السحري، زاد اقتلاعه وجمعه من منابته في قورينا، ويعتقد أنه في ذروة الطلب تم جمع السيلفيوم من منطقة بمساحة 10 آلاف كيلومتر مربع على الأقل.
بنهاية المطاف، قضى الاستهلاك المفرط على النبات السحري، ولم تجد نفعا إجراءات الحماية التي حاول بها الرومان تفادي انقراضه، بل وحدث العكس وأصبح يحصد بطرق غير قانونية مع ارتفاع أسعاره بشكل هائل.
رواية أخرى تقول إن سكان قورينا المحليين من الليبيين القدماء هم من عملوا على حرمان الرومان منه باقتلاعه وإتلافه، وذلك لأنهم لم يكونوا يستفيدون منه على الرغم من أنه ينبت في أرضهم!
نيرون ونبتة "السيلفيوم" الأخيرة!
فيما يمكن تشبيهه بالإعلان الأخير عن انقراض السيلفيوم في القرن الأول الميلادي، كتب المؤرخ الروماني بليني قائلا: "في ذكرى الجيل الحالي، تم العثور على نبات واحد هناك، تم إرساله إلى الإمبراطور نيرون".
اللافت أن السلفيوم ارتبط أيضا بسقوط الإمبراطورية الرومانية، وعلاوة على إلقاء البعض بالمسؤولية في ذلك على مادة الرصاص التي تناولها الرومان في طعامهم وتسببت في انهيار صحتهم، إلى جانب الحروب وغزوات البرابرة، دفع خبراء في علم النبات بفرضية تقول أن الخطأ كان في عشبة السيلفيوم التي حد بواسطتها الرومان من النسل، وهكذا، بحسب هذه الرواية، قضى الرومان على أنفسهم، بأيديهم وبواسطة عشبة تحمل النقيضين، المتعة والفناء.
المصدر: RT