مع الزمن تضيع التفاصيل لا سيما أن البعض يحاول أن يعيد كتابة التاريخ بما يوافق أهواءه ويتجاهل تضحيات الآخرين مقللا من شأنها تارة ومتناسية إياها عن عمدا تارة أخرى.
الأرقام لغة ساطعة لا تحتمل أكثر من معنى، وهي تعيد الأمور إلى نصابها، كاشفة عن عبث من يحاول قلب الحقائق وتشويه الوقائع أو تناسي ما جرى. الأرقام لها ذاكرة أبدية ولا سلطة للزمن عليها.
في الحرب العالمية الثانية سقطت باريس أمام زحف ألمانيا النازية كما تهاوت بسرعة العديد من الدول الأوروبية أمام القوات النازية. وحدها بريطانيا تمكنت من البقاء بعيدة نسبيا عن الخطر، لأن ألمانيا النازية ألقت بكل ثقلها على الجبهة الشرقية وأرسلت الملايين من جنودها لغزو الاتحاد السوفيتي.
بحلول يونيو 1941، كانت الجيوش الألمانية قد استولت بالفعل على العديد من الدول الأوروبية واحدة تلو الأخرى، ولم تحتج الدنمارك إلا ليوم واحد، وهولندا خمسة أيام، ويوغسلافيا 12 يوما، واليونان 18 يوما، وبلجيكا 12 يوما، وبولندا 35 يوما، وسقطت فرنسا بعد 44 يوماـ والنرويج بعد 63 يوما.
لم يوقف الاتحاد السوفيتي الزحف الألماني ويصد قوات هتلر ويمنعها من التوغل داخل أراضيه الشاسعة مبددا أوهام هتلر في تحقيق نصر سريع، بل وسد طريق ألمانيا النازية للهيمنة على العالم وحطم أسطورة الجيش الذي لا يقهر، قبل أن يحرر السوفييت أوروبا في زحف طويل انتهى بدخولهم برلين، في أعقاب حرب ضروس استمرت من 22 يونيو 1941 إلى 9 مايو 1945.
الأرقام تتحدث:
طيلة تلك الحرب، تركزت على هذه الجبهة الغالبية العظمى من الجيوش الألمانية النازية وشركائها، فنلندا ورومانيا وإيطاليا والمجر.
ما بين 190 إلى 270 فرقة نشطة لألمانيا النازية وحلفائها كانت تقاتل على الجبهة السوفيتية، في حين كانت تقف في مواجهة القوات البريطانية الأمريكية في شمال إفريقيا في الفترة بين 1941-1943، ما بين 9 إلى 20 فرقة، وفي إيطاليا بين عامي 1943-1945، ما بين 7 إلى 26 فرقة، وفي أوروبا الغربية بعد فتح الجبهة الثانية عام 1944 ما بين 56 إلى 75 فرقة.
خلال أصعب فترات الحرب ضد الاتحاد السوفيتي، خلال عامي 1941-1942 ، قاتلت جميع القوات العاملة للجيش النازي الألماني تقريبا ضد الجيش الأحمر بنسبة 90-95 ٪ من قواته.
حتى عام 1944، فاقت التشكيلات الألمانية النازية على الجبهة السوفيتية ما بين 15-20 مرة مثيلاتها على جميع الجبهات الأخرى، ومن ذلك:
في يونيو 1941، واجهت القوات السوفيتية 190 فرقة نازية ألمانية، فيما تصدت القوات البريطانية لـ 9 فرق فقط.
في خريف عام 1942، كانت توجد في الجبهة السوفيتية 266 فرقة للألمان وحلفائهم، فيما كانت أقل من 13 فرقة على جبهة شمال إفريقيا.
في بداية عام 1944، كانت القوات السوفيتية تواجه 245 فرقة، فيما كانت تقف ضد القوات البريطانية الأمريكية 21 فرقة ألمانية.
حتى بعد افتتاح الجبهة الثانية بنزول الأمريكيين والحلفاء في النورماندي، بقيت الجبهة الشرقية، الجبهة الرئيسة لألمانيا والعدد الأكبر من جيوشها بشكل ساحق كان يقاتل هناك.
بذلك، طوال فترة الحرب بين عامي 1941 – 1945، قيدت الجبهة السوفيتية القوات الألمانية النازية الرئيسة، وبقي في الأراضي السوفيتية 70% منها حتى بعد فتح الجبهة الثانية في النورماندي صيف عام 1944.
لم تشغل الجبهة السوفيتية الملايين من قوات هتلر فحسب، بل تم سحق قوات ضخمة، وخاصة البرية في المعارك على الجبهة الشرقية، حيث هزمت القوات السوفيتية في المجمل 607 فرقة من قوات التحالف النازي، 507 لألمانية النازية و100 فرقة لحلفائها.
هذا الرقم يزيد 3.5 مرة عن عدد القوات الألمانية التي واجهها الحلفاء على جميع الجبهات الأخرى في الحرب العالمية الثانية في أوروبا الغربية وشمال إفريقيا وفي إيطاليا، حيث هزمت القوات البريطانية الأمريكية 176 فرقة.
أمام الاتحاد السوفيتي فقدت ألمانيا وحليفاتها في الحرب العالمية الثانية 8.6 مليون شخص، وهو ما يمثل 73% من إجمالي الخسائر في القوة البشرية.
أما من جهة العتاد العسكري فقد خسرت ألمانيا النازية أمام السوفييت ما يصل إلى 75٪ من دباباتها، و74 ٪ من مدفعيتها، وأكثر من 75 ٪ من طيرانها الحربي، ويبلغ العدد 77 ألف طائرة، علاوة على أكثر من 2500 من السفن الحربية والسفن المساعدة.
على دروب النصر في تلك الحرب الدموية الطويلة، نفذت القوات السوفيتية أكثر من 50 عملية استراتيجية كبرى، شارك في كل منها من الجانبين عدة ملايين من الجنود والضباط، ومئات الآلاف من المدافع وآلاف الدبابات والطائرات.
غطت تلك العمليات مساحات واسعة من الأرض، واستمر بعضها لمدة شهرين أو ثلاثة أشهر.
من بين أيام تلك الحرب الـ 1418 غطت العمليات الحربية 1320 يوما، أي 93% من إجمالي قوت الحرب.
بالمقابل، دارت الحرب في شمال أفريقيا وفي إيطاليا وأوروبا الغربية 2069 يوما، بينما جرت العمليات العسكرية في 1094 يوما أي بنسبة 53٪ من الإجمالي.
علاوة على كل ذلك، كانت المعارك غير المسبوقة التي جرت عامي 1841 – 1943 في الاتحاد السوفيتي بالقرب من أسوار موسكو، وحول ستالينغراد، وفي كورسك، بمثابة نقاط تحول رئيسة في الحرب العالمية الثانية، حيث وجه السوفييت ضربات قاصمة للنازيين وانتزع زمام المبادرة الاستراتيجية ودفع بفلوله إلى الغرب ولاحقها حتى برلين.
هذه الحقيقة أقر بها رئيس الوزراء البريطاني في ذلك الوقت ونستون تشرشل، حيث قال قبل أيام قليلة من نهاية معركة ستالينغراد الأسطورية، في 20 يناير 1943: "يتم تنفيذ جميع عملياتنا العسكرية على نطاق صغير جدا مقارنة بالموارد الضخمة لبريطانيا والولايات المتحدة، وأكثر من ذلك، مقارنة بالجهود العملاقة لروسيا".
تشرشل المعروف بعدائه الكبير للسوفييت، جدد هذا الاعتراف لاحقا في 27 سبتمبر 1944، وقال في رسالة بعثها إلى ستالين: "سأغتنم هذه الفرصة لأكرر في مجلس العموم غدا ما قلته سابقا بأن الجيش الروسي هو الذي تسبب في تبخر الشجاعة من الآلة العسكرية الألمانية، وهو حاليا يعيق قسما كبيرا لا يضاهى من قوات العدو على جبهته".
المصدر: RT