اشتهر هذا الطيار الألماني الذي سجل رقما قياسيا في عدد الطائرات التي أسقطت في الحرب العالمية الأولى باسم البارون الأحمر، وينظر إليه باعتباره أسطورة في الطيران المقاتل، وكان الأفضل وبلا منازع في تلك الحرب.
مع اندلاع الحرب العالمية الأولى، شارك ريشتهوفن في المعارك كضابط مراقب في سلاح الفرسان، إلا أنه مل بعد حوالي عام، وأسهم لقاء جمعه مع طيار مقاتل شهير يدعى أوزوالد بويلك في انتقاله إلى الجو، بانضمامه إلى سلاح الطيران.
فشل ريشتهوفن في أول امتحان طيران له في برلين، ولم يستسلم وأثبت جدارته بتحقيق أول فوز في معركة جوية في 17 سبتمبر 1916. في معركة السوم، تمكن من إسقاط قاذفة قنابل بريطانية من طراز "بي أي 2" من خلال استهداف محركها.
كوفئ هذا الطيار بمنحه كأسا على انتصاره الأول، واستمر هذا التقليد إلى أن جمع هذا الطيار المقاتل الذي عرف لاحقا باسم "البارون الأحمر" 80 كأسا.
لم يحقق ريشتهوفن انتصارات على طيارين عاديين فقط في المعارك الجوية مع الخصوم، بل وتمكن من إسقاط عدد من الطيارين البريطانيين البارزين، مثل لانو هوكر.
نشوة الانتصارات المتتالية التي حققها "البارون الأحمر" في الجو، دفعته إلى جمع أجزاء من طائرات الخصوم التي أسقطها، واستخدامها كهدايا تذكارية.
كان ينزع متى تسنى ذلك، عن الطائرات التي يسقطها رقمها التسلسلي وأحيانا أجزاء أكبر، بما في ذلك الأسلحة.
تحوّل ريشتهوفن في عام 1917 من طائرة "الباتروس" إلى قيادة طائرة مقاتلة من طرز "فوكر" التي تتميز بقدرات مناورة أكبر. طلى طائرته الجديدة باللون الأحمر، وبات من السهل التعرف عليه في الجو، ومنذ ذلك الوقت أطلق عليه لقب "البارون الأحمر".
حين حقق البارون الأحمر نصره الجوي السادس عشر، منح وسام الاستحقاق وكان حينها الأعلى من نوعه، وكُلف بقيادة سرب جوي.
نجح ريشتهوفن في مهمته الجديدة، وحقق السرب تحت قيادته نتائج باهرة، وأصبح يطلق عليه بشكل غير رسمي اسم "السرك الأحمر".
وجه "السيرك الأحمر" عدة ضربات كبيرة لطيران الحلفاء. خلال معارك أراس في الجبهة الغربية والتي بدأت في 9 أبريل 1917، خسر البريطانيون 245 طائرة، أسقط سرب البارون الأحمر منها 89 طائرة، و20 اسقطها ريشتهوفن بنفسه.
من بين هذا العدد الكبير، أسقط سرب ريشتهوفن لوحده 89 طائرة، منها 20 أسقطها "البارون الأحمر" بنفسه.
مع اشتداد المعارك الجوية، زادت شهية البارون الأحمر في تحقيق المزيد ممن الانتصارات الجوية، وكان حينها قد جمع 60 كأسا.
كان البارون الأحمر متهورا، وكان قادته يحاولون كبح جماحه، لأن خسارته كانت ستكون بمثابة ضربة قوية لمعنويات القوات الألمانية، إلا انه لم يستمع لتلك المناشدات.
أصيب في إحدى المعرك في رأسه، وبقي طريحا في المستشفى لعدة أسابيع، وحين عاد إلى تنفيذ المهمات القتالية، تغير طبعه إلى الأسوأ وأصبح يلاحق طرائده الجوية بلا هوادة ومن دون أي احتراس.
الحظ الذي رافقه في سلسلة طويلة من المعارك الجوية مع الطيارين البريطانيين والكنديين، تخلى عنه يوم 15 ابريل 1918.
أثناء مطاردة "فريسته" فوق مواقع لقوات أسترالية في فرنسا، بدأت طائرته فجأة في الانخفاض وهبطت على تلة قرب بلدة فو سور سوم في فرنسا.
ركض الجنود الأستراليون إلى الطائرة الحمراء الشهيرة، وتبين أن رصاصة أطلقت من الأرض أصابت البارون الأحمر.
نطق ريشتهوفن ببعض الكلمات غير المفهومة قبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة. توقف قلبه فجأة، وتحير جميع من شهد الواقعة كيف تمكن الرجل من الهبوط بطائرته وهو يحتضر.
في البداية نسب تحييد البارون الأحمر إلى قائد السرب الجوي الكندي، الكابتن آرثر روي براون، إلا أنه تبين فيما بعد أن الرصاصة أطلقت من الأرض وأن من أطلقها على الأرجح الرقيب الأسترالي سيدريك بوبكين.
الأستراليون أقاموا للبارون الأحمر جنازة رسمية تقديرا له، وأعيد رفاته في وقت لاحق إلى ألمانيا في عام 1925، ودفن في برلين.
باحثون دققوا في انتصارات البارون الأحمر، استبعدوا من انتصاراته الجوية الثمانين، سبعة، من خلال توثيق 73 انتصارا جويا.
مع ذلك بقي ريشتهوفن يوصف في تاريخ الحرب العالمية الأولى بأنه الطيار المقاتل الأفضل، وأنه لجسارته المفرطة، الأكثر "جنونا" في تاريخ الطيران.
المصدر: RT