كان ذلك قبل سنوات من انتهاء الحرب. وكانت التهديدات ضد الأدميرال الياباني الشهير، إيسوروكو ياماموتو، قائد عملية الهجوم على الأسطول الأمريكي في ميناء "بيرل هاربر" عام 1941، تأتي من قوميين متطرفين متنفذين في مواقع صنع القرار في طوكيو، كانوا يطالبون بمزيد من عمليات الغزو والتوسع.
ياماموتو في خضم عسكرية المجتمع الياباني بشكل كامل حينها، كان أحد القادة العسكريين اليابانيين القلائل جدا الذين عبروا علنا عن رفضهم لسياسة بلادهم الخارجية، ووقفوا ضد غزو منشوريا في عام 1931، والحرب الدموية اللاحقة مع الصين.
علاوة على ذلك، كان الأدميرال ياماموتو ضد التوقيع على الميثاق الثلاثي مع إيطاليا وألمانيا عام 1940، لخشيته من أن يؤدي التحالف مع ألمانيا النازية إلى حرب مع الولايات المتحدة.
كان يدرك أن الاقتصاد الأمريكي في ذلك الوقت يتفوق بأشواط على الاقتصاد الياباني، وكان صرّح بأن بلاده ليست مستعدة لصراع مسلح طويل الأمد ومرهق، مع مواردها الطبيعية الشحيحة، في حين أن الولايات المتحدة يمكنها القتال طويلا بالاعتماد على إمكانيات غير محدودة.
كان الأدميرال الياباني يعرف الولايات المتحدة جيدا، لأنه بعد تخرجه من الأكاديمية البحرية أقام في الولايات المتحدة ودرس الاقتصاد في جامعة هارفرد، ولاحقا عاد إليها وشغل منصب الملحق البحري في سفارة بلاده بين عامي 1925 – 1927.
مخاوف الأدميرال بدأت بالتحقق، منذ الأشهر الأولى من عام 1941، حين تم تكليفه بالتخطيط لهجوم صاعق كبير ضد الولايات المتحدة، وما كان على ياماموتو إلا الطاعة العمياء، بحسب التقاليد العسكرية الإمبراطورية اليابانية .
كان ياماموتو على يقين حينها، من أن الاسطول الياباني بإمكانه شت هجمات لمدة ستة أشهر، لكنه سيخسر الحرب لا محالة، إذا استمرت أكثر من ذلك.
وضع الأدميرال خطة الهجوم على ميناء بيرل هاربر بجزر هاوي، التي ورطت اليابان في حرب مدمرة مع الولايات المتحدة.
صبيحة 7 ديسمبر، أقلعت 414 طائرة حربية من ست حاملات طائرات يابانية باتجاه هاواي. هاجمت بشكل مفاجئ المطارات الأمريكية في جزيرة أواهو، والسفن الحربية التي كانت راسية في ذلك الوقت في ميناء بيرل هاربور.
أغرق اليابانيون خلال الهجوم 4 بوارج أمريكية ومدمرتين، ودمروا 188 طائرة، وألحقوا أضرارًا جسيمة بأربع بوارج أخرى، وقتلوا أكثر من ألفي جندي أمريكي. تم تحييد الأسطول الأمريكي في المحيط الهادئ بشكل مؤقت، ما سمح لليابان بالاستيلاء بسرعة على معظم جنوب شرق آسيا.
لاحقا أشرف ياماموتو على عمليات غزو جزر سليمان وغينيا الجديدة، ونفذ غارات على سيلان، وكانت حينها مستعمرة بريطانية.
قام الأدميرال في صيف عام 1942 بمحاولة الاستيلاء على القاعدة العسكرية الأمريكية في جزيرة ميدواي. لم يتحقق النجاح الذي كان يأمله، لأن الاستخبارات الأمريكية كانت فككت شفرات اتصالات الراديو اليابانية، وأبلغت الأدميرال تشيستر نيميتز، قائد الأسطول الأمريكي في المحيط الهادئ، بالهجوم الوشيك.
الهزيمة كانت ثقيلة جدا، فقد خسر الأسطول الياباني 4 حاملات طائرات ومعها 248 طائرة، وطرادا واحدا، وقتل من أفراده 2500 عسكري.
أنهك الأسطول الياباني بحلول عام 1943، بشكل كبير بسبب القتال المتواصل، فقرر ياماموتو رفع معنويات الوحدات العسكرية اليابانية المتمركزة في جزر شورتلاند وبوغانفيل في جنوب المحيط الهادئ.
الأمريكيون كانوا يترصدون الأدميرال للثأر منه على "بيرل هاربر"، وعلمت في 14 ابريل 1943 بتفاصيل رحلته من رسالة لاسلكية فكت شفرتها.
أرسلت البحرية الأمريكية 18 طائرة مقاتلة من طراز لوكهيد "بي – 38 جي" لاعتراض وإسقاط الطائرة التي تقل الأدميرال ياماموتو.
كان على هذا السرب الجوي قطع مسافة 700 كيلو متر فوق البحر للوصل إلى الهدف، ولذلك عدت عملية الاعتراض، الأطول في الحرب العالمية الثانية بالنسبة لطيران البحرية.
رصد الامريكيون طائرة ياماموتو وسرب الحماية المرافق لها جنوب خليج الإمبراطورة أوغوستا في بوغانفيل في جزر سليمان الشمالية، وانقسم تشكيلهم الجوي المهاجم إلى جزئين، واحد تولى مطاردة وإسقاط طائرات "زيرو" المرافقة، وجزء صب نيرانه على قاذفتي قنابل يابانيتين كان في إحداهما الأدميرال.
أصيبت طائرة ياماموتو حوالي الساعة 08:00 صبيحة 18 أبريل 1943، وهوت متحطمة في غابة بالقرب من قرية "أكو" جنوب بوغانفيل.
نفذت هذا الهجوم مقاتلتان أمريكيتان من طراز لوكهيد "بي – 38 جي" بقيادة النقيب توماس لانفير والملازم ريكس باربر، فيما أصيبت قاذفة القنابل اليابانية الثانية وسقطت في البحر.
عثر في وقت لاحق على جثة إيسوروكو ياماموتو في غابة بجزيرة بوغانفيل، وتبين في وقت لاحق أن الأدميرال كان أصيب بطلقتين قاتلتين في الظهر قبل سقوط الطائرة.
المصدر: RT