برزت هذه المنظمة العنصرية عقب الحرب الأهلية الأمريكية التي اشتعلت بين عامي 1861 – 1865، كمصراع بين الحكومة الفيدرالية الأمريكية، التي اعتمدت على الولايات الشمالية للبلاد، والولايات الجنوبية المالكة للعبيد التي رفضت خطط الرئيس الأمريكي أبراهام لنكولن لإلغاء العبودية.
بمحصلة تلك الحرب الأهلية، جرى الحفاظ على وحدة الولايات المتحدة الأمريكية وتم القضاء على العبودية.
بعد الحرب عاش الجنوبيون الأمريكيون فترة صعبة تسمى إعادة الجنوب. كان اقتصاد الولايات الجنوبية في حالة من التدهور، وزاد من حدتها خراب الحرب والانخفاض الحاد في أسعار القطن، وكذلك الاضطرار إلى إعادة بناء اقتصاد المزارع على أساس العمل المأجور لا السخرة.
في ذلك الوقت، حصل حوالي 4 ملايين من العبيد السابقين على الحرية وحقوق المواطنة، الأمر الذي كان مهينا بالنسبة للجنوبيين المحافظين.
كانت النخب الجنوبية غاضبة ليس فقط بسبب إلغاء العبودية، ولكن لأن السود متساوون معهم في الحقوق، فيما كان الفقراء منهم غير راضين على الوضع الجديد الذي يفرض عليهم التنافس في سوق العمل المأجور مع العبيد المحررين!
علاوة على ذلك، كانت السلطة الفعلية في الولايات الجنوبية في الفترة الأولى بعد الحرب تمارس من قبل الإدارة العسكرية للشماليين، والتي كان ينظر إليها الجنوبيون المتمردون على أنها احتلال عسكري.
لم يستطع الجنوبيون القبول بالوضع الجديد، وبدأت تظهر بعد الحرب مباشرة العديد من الجمعيات السرية، بهدف محاربة الترتيبات الجديدة التي يفرضها الامريكيون الشماليون بقوة السلاح.
تحرير ملايين العبيد ومنحهم حقوقا مدنية على قدم المساواة مع البيض كان يعد أمرا غير مقبول للجنوبيين الذين اعتادوا على وضع العبيد فيما يعتقدون أنه المكان المناسب لهم في آخر السلم الاجتماعي.
تأسيس "كو كلوكس كلان":
شكل ستة ضباط سابقون في جيش الجنوب في 24 ديسمبر 1865، جمعية سرية من أجل الحفاظ على النظام السابق الذي كان قائما قبل الحرب في ولايات الرقيق الجنوبية، وذلك في مكتب محاماة القاضي توماس جونز.
حمل اسم هذه المنظمة العنصرية "كو كلوس كلان" مزيجا من الكلمات اليونانية والإنجليزية بمعنى دارة ومجتمع الأجداد "أفراد العشيرة"، ثم قام الضباط المؤسسون بإضافة بتغيير التهجئة لإضافة المزيد من الغموض والرعب عليها، لتصبح " كو كلوكس كلان"، وهو الصوت الناجم عن إعادة تحميل البندقية بالرصاص استعدادا لإطلاق النار!
ولزرع الرعب في قلوب السود والخصوم الآخرين الذين يقفون مع العبيد السابقين، وأيضا لإخفاء وجوههم، كان أفراد هذه العشيرة العنصرية يرتدون أردية بيضاء ذات قبعات مدببة، تغطي وجوههم ولا يظهر منها إلا العينين.
وجهوا عنفهم وترهيبهم في البداية نحو السود، وكذلك البيض الذين يناصرونهم، ثم بدأوا في القتل والاغتصاب وتنفيذ أعمال عنف أخرى ضد كل من يتحدى التفوق الأبيض.
سرعان ما اكتسبت "كو كلوكس كلان" شعبية بين جميع طبقات السكان البيض في الولايات الجنوبية، حيث عدت "مدافعة عن حقوق الشعب".
عدد المنظمات من هذا النوع تزايد في النمو بسرعة منذ عام 1867، حين بدأت عملية "إعادة الإعمار الجذري للجنوب"، والتي استهدفت إعادة الهيكلة الكاملة للحياة الاجتماعية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية للولايات الجنوبية.
انخرط العديد من الجنوبيين في مفارز ومضوا إلى "استعادة النظام" القديم، وسرعان ما اتحدت معظم المنظمات الإرهابية السرية للجنوبيين حول "كو كلوكس كلان"، وتحولت عقب ذلك إلى تنظيم قوي شديد الصرامة.
جرى اعتماد ميثاق ودستور "كو كلوكس كلان"، وكان على رأسها ناثان بيدفورد فورست، الجنرال السابق في جيش الجنوبيين.
أحاطت هذه المنظمة العنصرية السرية نفسها بالسرية والغموض، وعملت تحت أسماء مختلفة مثل "الإمبراطورية غير المرئية"، و"الإخوان البيض"، و"فرسان الصليب الأسود"، وبلغ عدد المنخرطين في صفوف "كو كلوكس كلان" في بداياتها نصف مليون شخص.
كان "النشاط" الرئيس لأعضاء عشيرة "كو كلوكس كلان" يتمثل في الأعمال الإرهابية، وكان لديهم بسبب التفرع الاستثنائي للمنظمة معلومات شاملة ارتكبوا على أساسها جرائم القتل والحرق العمد والاعتداء بالضرب.
وسُجلت حالات متكررة عندما تم ترتيب محاكمات سريعة ضد" مذنبين" وتنفيذ حكم الإعدام شنقا خارج نطاق القانون.
سياسة الإرهاب الكامل منحت "كو كلوكس كلان" قوة ونفوذا غير محدودين في جميع أنحاء الجنوب.
خرج الوضع تماما عن السيطرة ليس فقط بالنسبة للسلطات الفيدرالية، ولكن أيضا بالنسبة لرئيس المنظمة ذاتها، حيث انفلت أعضاؤها وباتوا يرتكبون بشكل متزايد أعمال عنف كما يحلو لهم.
تحت ضغط الرأي العام، اضطرت الحكومة الأمريكية إلى حظر هذه المنظمة في أوائل 1870.
توارت المنظمة تحت الأرض، لكنها لم توقف أنشطتها، التي شهدت فقط نوعا من الهدوء بحلول نهاية القرن التاسع عشر.
جرى في عام 1915، إعادة إحياء "كو كلوكس كلان" في جورجيا وبدأت في توجيه عنفها مجددا ليس فقط بالسود، ولكن أيضا ضد الشيوعيين والمهاجرين واليهود وحتى الكاثوليك.
تعاظم نفوذ هذه المنظمة العنصرية الإرهابية في عام 1920 في الولايات الأمريكية الجنوبية، وانتشر نفوذها لاحقا في بعض الولايات الشمالية. وبحسب تقديرات مختلفة، تراوح تعداد أفراد المنظمة من ستة إلى تسعة ملايين شخص.
في فترة الحرب العالمية الثانية لم تعد هذه المنظمة الإرهابية مناسبة للسلطات الأمريكية، وجرى في عام 1944، حل المنظمة رسميا، إلا أن هجماتها العنصرية لم تتوقف.
من جديد تم إحياء "كو كلوكس كلان" في عام 1950، حين نشطت حركة الحقوق المدنية السوداء في الولايات المتحدة، وردت هذه المنظمة على أنشطة السود السلمية لنيل حقوقهم بهجمات إرهابية واغتيالات سياسية، ولاحقا امتد نشاطها إلى كندا وبريطانيا.
ومع ظهور مشكلة تدفق المهاجرين من إفريقيا وأمريكا اللاتينية، بدأت أعداد " كو كلوكس كلان" في الازدياد منذ عام 2000، وتضاعف نشاط المنظمة بشكل ملحوظ في عام 2010 حين تم انتخاب باراك أوباما رئيسا للبلاد.
لا تزال منظمة "كو كلوكس كلان" تمر بحالات مد وجزر، وهي لا تزال باقية تجد دائما حاضنة ترعاها وارضا خصبة تغرس جذورها فيها.
وعلى الرغم من رفض العديد من الأمريكيين لهذه المنظمة العنصرية، إلا أن السلطات الأمريكية لا تستطيع حظر أنشطتها، والسبب يعود إلى التعديل الدستوري الأول الذي يحظر التعدي على "الحرية"!
المصدر: RT