قصفت الولايات المتحدة في تلك الحملة التي نفذتها قوات جوية تابعة لحلف شمال الأطلسي من دون تفويض من الأمم المتحدة، المنشآت العسكرية والمدنية على حد سواء، ودمرت عن قصد قطاعات من اقتصاد الخصم.
جاء التدخل الأجنبي للقوى الغربية تتويجا لحرب كوسوفو التي اندلعت في فبراير 1998 على خلفية انتفاضة للانفصاليين الألبان في كوسوفو.
كوسوفو وميتوهيا تُعد أراضي صربية تاريخية. خلال الحرب العالمية الثانية، احتلت إيطاليا الفاشية المنطقة، ثم نقلتها إلى حليفتها ألبانيا، فيما كانت المنطقة في ذلك الوقت، مأهولة بالسكان الألبان المسلمين.
الوضع تغير بعد الحرب العالمية الثانية، حين ظهرت يوغسلافيا الاشتراكية في البلقان، وكانت تضم 6 جمهوريات، وعادت كوسوفو وميتوهيا إلى صربيا.
في النصف الثاني من القرن العشرين، بدأ عدد المسلمين يتجاوز عدد الصرب في كوسوفو، بسبب الهجرة من ألبانيا وارتفاع معدل الولادات. وفيما لم يتطور الاقتصاد في المنطقة، ازدهرت تجارة الأسلحة وأسواق المخدرات.
لم يرض الألبان ولا اليوغسلاف على هذا الوضع، وشب نزاع عرقي. في المحصلة، أعلن ألبان كوسوفو، بسبب ميزتهم العددية، أنهم يريدون الانفصال عن يوغسلافيا وإقامة جمهورية مستقلة وطرد جميع الصرب ومواطني الجبل الأسود والغجر مما وصفوها بأراضيهم التاريخية.
اشتعلت الحرب في المنطقة، وبدأ الألبان حربهم من أجل الانفصال بواسطة جيش تحرير كوسوفو، وهي منظمة سيئة السمعة، تذكر الولايات المتحدة ذاتها أن تمويلها تم في ذلك الوقت من خلال بيع الأعضاء البشرية والمخدرات.
بين ألبان كوسوفو والجيش والشرطة اليوغوسلافيين، اشتعلت حرب ضروس تخللتها عمليات تطهير عرقي على نطاق واسع.
القوات الحكومية معتمدة على تجهيزاتها الأفضل انتصرت، إلا أن الوضع أصبح أكثر توترا بشكل خاص بعد الحادث الذي وقع في قرية راشاك في 15 يناير 1999، حين وقع اشتباك مسلح كبير بين وحدات من قوات الأمن اليوغسلافية ومسلحي جيش تحرير كوسوفو.
عّلقت المفاوضات التي عقدت في فبراير ومارس 1999 في "رامبوييه" و"باريس" بفرنسا في 19 مارس، ولم يتمكن الطرفان من التوصل إلى اتفاق، حيث رفض رئيس جمهورية يوغسلافيا الاتحادية سلوبودان ميلوسيفيتش التوقيع على مرفقات عسكرية لاتفاق تسوية الأزمة.
في 24 مارس 1999، من دون موافقة من مجلس الأمن الدولي، بدأ حلف الناتو حملة جوية ضارية على أراضي جمهورية يوغسلافيا الاتحادية، واتخذ قرار إطلاق العملية من قبل الأمين العام لحلف الناتو آنذاك خافيير سولانا.
السبب الرسمي لبدء العمليات العسكرية أُرجع إلى وجود القوات الصربية على أراضي مقاطعة كوسوفو وميتوهيا، علاوة على اتهام السلطات الصربية بالتطهير العرقي.
في الحملة الجوية شاركت ثلاثة عشر دولة للحلف بطائراتها الحربية، من بينها فرنسا وألمانيا وإيطاليا والنرويج والبرتغال وإسبانيا وتركيا وبريطانيا والولايات المتحدة، فيما قامت الوحدة الأمريكية بـ 75 ٪ من جميع عمليات قوات التحالف.
عند بدء الغارات الجوية على يوغسلافيا، بلغ عدد القوات الضاربة للناتو 277 طائرة عسكرية، بما في ذلك 192 قاذفة قنابل و63 طائرة دعم لوجستي و19 طائرة استطلاع و 3 طائرات مروحية، وكانت تحت قيادة الجنرال الأمريكي ويسلي كلارك، قائد القيادة العليا لدول الحلف في أوروبا.
الضربات الصاروخية الأولى انطلقت في 24 مارس في حوالي الساعة 20.00 بالتوقيت المحلي، واستهدفت منشآت الرادار التابعة للجيش اليوغسلافي على ساحل الجبل الأسود في البحر الأدرياتيكي.
بالتزامن مع ذلك، تعرض مطار عسكري على بعد بضعة كيلومترات من بلغراد ومنشآت صناعية كبيرة في مدينة بانشيفو، الواقعة على بعد أقل من عشرين كيلومترا من العاصمة، لهجمات صاروخية.
أصيب ما مجموعه 53 هدفا. تم إعلان الأحكام العرفية في معظم المدن الرئيسة في صربيا والجبل الأسود لأول مرة بعد الحرب العالمية الثانية.
في الشهر الأول من غارات الناتو، نفذت طائرات الحلف في المتوسط حوالي 350 طلعة جوية يوميا، كما قرر قادة الحملة الجوية في قمة عقدوها في واشنطن في 23 أبريل 1999، تكثيف الحملة الجوية.
في كامل العملية، نفذت قوات الناتو الجوية، آلاف الطلعات الجوية هاجمت خلالها أكثر من 900 هدف على أراضي صربيا والجبل الأسود، وتم إسقاط أكثر من 21 ألف طن من المتفجرات، بما في ذلك أنواع من الذخيرة ذات الشوائب المشعة، وخاصة اليورانيوم المنضب "يو - 238".
توقفت حملة القصف الجوي في 9 يونيو 1999، بعد أن وقع ممثلو جيش جمهورية يوغسلافيا الاتحادية وحلف شمال الأطلسي اتفاقية عسكرية تقنية في مدينة "كومانوفو" المقدونية بشأن انسحاب القوات والشرطة من أراضي كوسوفو في يوغسلافيا الاتحادية ونشر قوات دولية على أراضي المقاطعة.
وفيما لم يتم تحديد عدد العسكريين والمدنيين الذين قتلوا خلال تلك العملية بدقة، إلا أن تقديرات السلطات الصربية، أشارت إلى مقتل حوالي 2500 شخص خلال القصف، من بينهم 89 طفلا، علاوة على إصابة 12500 شخص.
المنظمة الحقوقية "هيومن رايتس ووتش" رصدت 90 حادثة قتل فيها مدنيون نتيجة حملة الناتو على يوغسلافيا، مشيرة إلى مقتل ما بين 489 إلى 528 مدنيا.
من المنطقة نزح حوالي 863000 شخص، معظمهم من الصرب الذين كانوا يعيشون في كوسوفو، كما تشرد 590.000 آخرين.
لم يتم تحديد قيمة الخسائر المادية النهائية التي لحقت بالمرافق الصناعية ووسائل النقل لجمهورية يوغسلافيا الاتحادية. وبحسب تقديرات مختلفة، تم تقدديرها بقيمة تترازح بين 30 إلى 100 مليار دولار.
تم تدمير أو إلحاق أضرار جسيمة بحوالي 200 مؤسسة صناعية ومرافق تخزين النفط ومرافق الطاقة ومرافق البنية التحتية، بما في ذلك 82 جسرا للسكك الحديدية والسيارات، كما تضرر ما لا يقل عن 100 من المعالم التاريخية والمعمارية التي ترعاها منظمة "اليونسكو".
مجلس الأمن في 10 يونيو تبنى القرار رقم 1244، وبموجبه تم إقامة وجود أمني مدني دولي على أراضي كوسوفو وميتوهيا.
نص القرار أيضا على انسحاب القوات العسكرية وقوات الشرطة والقوات شبه العسكرية لجمهورية يوغوسلافيا الاتحادية من كوسوفو، والعودة الحرة للاجئين والمشردين، والوصول دون عوائق إلى مواقع المنظمات التي تقدم المساعدة الإنسانية، علاوة على توسيع مدى الحكم الذاتي لكوسوفو، حيث تم نشر قوات "لحفظ السام" تابعة للحلف.
لجنة مستقلة خاصة للتحقيق في جرائم الحرب التي ارتكبها قادة الناتو ضد يوغوسلافيا، كانت تأسست في 6 أغسطس 1999 بمبادرة من رئيس الوزراء السويدي هانز جوران بيرسون، خلصت إلى أن التدخل العسكري لحلف الناتو كان غير قانوني، لأن الحلف لم يحصل على موافقة مسبقة من مجلس الأمن الدولي. ورأت من جهة أخرى، أن تصرفات الحلفاء كانت مبررة لأن جميع الوسائل الدبلوماسية لحل النزاع قد استنفدت.
اللجنة انتقدت استخدام طائرات الناتو الحربية للقنابل العنقودية، إضافة إلى قصف المجمعات الصناعية الكيميائية ومصافي النفط على أراضي يوغسلافيا، ما تسبب في أضرار بيئية كبيرة.
الأمم المتحدة بدورها أعلنت في مارس 2002، وجود تلوث إشعاعي في كوسوفو نتيجة قصف الناتو.
المصدر: RT