كيربي مضى في تلميع هذا السلاح الإشعاعي ذي الأخطار المميتة على الحياة والبيئة بالزعم أنه لا يمثل تهديدا من جانب الانتشار الإشعاعي، وهو لا يقارن بالأسلحة النووية!
المسؤول الأمريكي في مجال الأمن القومي رأي أيضا ضمنيا في نفس التصريح أن قذائف اليورانيوم المنضب سلاح لا يهدد إلا الدروع وهو قادر على اختراقها!
الموقع الإلكتروني للبرلمان البريطاني كان أفاد في 20 مارس بأن لندن مستعدة لإرسال قذائف اليورانيوم المنضب إلى كييف، فيما أعلنت أنابيل غولدي، نائبة وزير الدفاع البريطاني في 21 مارس أن بلادها سترسل إلى أوكرانيا "إضافة إلى مجموعة من دبابات تشالنجر القتالية، قذائف اليورانيوم المنضب".
يشار إلى أن قذائف اليورانيوم هي سلاح جديد نسبيا، وتستغل لندن عدم وجود وثيقة دولية تقيده أو تحظر استخدامه، لزيادة إضرام النار به في أوكرانيا.
الأكثر فظاعة في قصة هذا السلاح أن مادة اليورانيوم المنضب المستخدمة فيه، على الرغم من أنها تتمتع بقوة اختراق أكبر بنسبة 20 ٪ مقارنة بنظيراتها، تم وضعها في الخدمة فقط بسبب رخص ثمنها.
في البداية جرى تطوير هذا النوع من الذخيرة المضادة للدروع في الغرب بهدف استخدامها في معارك محتملة واسعة النطاق مع الدبابات السوفيتية في أوروبا.
أول قذيفة تم تطويرها في هذا السياق من اليورانيوم والتيتانيوم، وأظهرت اختباراتها أنها لا تفقد طاقتها تقريبا بعد إطلاقها، وهي قادرة على اختراق الدروع الخطيرة بدون متفجرات.
اليورانيوم المنضب باختصار هو عبارة عن نفايات متبقية من عملية تخصيب اليورانيوم.
جميع الدول التي لها صناعات نووية متطورة تحتفظ بكميات كبيرة من هذه المواد التي تسمى "يو – 138"، وخصائصها الإشعاعية أقل نسبيا مقارنة باليورانيوم المخصب، فيما يصل نشاطها الاشعاعي إلى 60 بالمئة من خام اليورانيوم العادي.
على الرغم من مزاعم جون كيربي، منسق الاتصالات الاستراتيجية بمجلس الأمن القومي الأمريكي في البيت الأبيض بأن هذا السلاح تقليدي وغير ضار، إلا أن العديد من الخبراء والعلماء البارزين علاوة على عشرات الآلاف من ضحايا هذا النوع من الذخائر الفتاكة، تؤكد العكس.
ماذا فعلت قذائف اليورانيوم المنضب في العراق وفي يوغسلافيا؟
توجد حالتان معروفتان لاستخدام قذائف اليورانيوم المنضب. الأولى جرت خلال حرب العراق عام 1991 المعروفة بـ "عاصفة الصحراء"، والثانية خلال الحرب في يوغوسلافيا عام 1999.
في كلتا الحالتين، تم استخدام هذا النوع من الذخيرة من قبل الجيش الأمريكي.
هذه القذائف لوثت بشكل خاص الأراضي العراقية باليورانيوم. كما زادت نتيجة مضاعفاتها الولادات المبكرة، والإجهاض التلقائي، والعيوب الخلقية عند الأطفال حديثي الولادة، وسرطان الدم وأنواع أخرى من السرطان بمعدل 3 على 4 مرات.
من التشوهات الخلقية الناجمة عنها والمسجلة، غياب العيون والأذنين وانصهار الأصابع والأوعية الدموية، وما شابه. كل ذلك ظهر في أكثر من 60٪ من الأطفال المولودين في عائلات قدامى المحاربين الأمريكيين في حرب الخليج.
حين طال خطر هذا السلاح العسكريين الأمريكيين الذين قاموا بإطلاقه أو تواجدوا بالقرب منه، ولم يعد تجاهل آثاره ممكنا، أصدرت قيادة القوة المتعددة الجنسيات توجيهات بشأن كيفية التعامل مع المعدات الملوثة بالأشعة القاتلة، وكانت تتضمن نصائح بسيطة تقول:
لا تلمس أي شيء.. وارتدي بدلات وقفازات كيميائية.. لا تجلس في أي مكان.. ولا تسمح لأي شيء أن يلامس الجلد المكشوف.
أما المواطنون العراقيون فلم يكن أمر سلامتهم يهم أي أحد. المضحك والمبكي في نفس الوقت، أن العواقب التي انجرت على العسكريين الأمريكيين من استخدام قذائف اليورانيوم المنضب في "عاصفة الصحراء" بالعراق لا تزال تجري محاولات لنسبتها إلى أسلحة كيميائية عراقية لم يتم تدميرها بالشكل الصحيح.
وتستخدم هذه الذريعة لرفض الدعوى القضائية من قبل قدامى المحاربين الأمريكيين الذين شاركوا في تلك الحرب وتجاهل أسباب "الكارثة" تماما.
الآثار الكارثية لاستخدام قذائف اليورانيوم المنضب تأكدت بعد ثماني سنوات في يوغسلافيا عام 1999، حين شن عليها الناتو بمشاركة 14 دولة من بينها ألمانيا، حملة من الغارات الجوية.
في تلك الغارات، نفذت طائرات حلف الناتو 35219 طلعة جوية، وجرى خلال 79 يوما من القصف، إطلاق 31000 رأس حربي من اليورانيوم المنضب على 112 موقعا.
تقرير صدر عن لجنة الأمم المتحدة عام 2017، أشار إلى أن الفحوصات الأولية أثبتت أن 8 مناطق من أصل 11 كانت استخدمت فيها هذه القذائف، ملوثة بشدة.
ويعتقد الخبراء علاوة على ذلك أن الكثير من مياه كوسوفو ملوثة وغير صالحة للاستهلاك البشري.
من المفارقات أن أولى المصابين بسرطان الدم كانوا من جنود حفظ السلام الإسبان والإيطاليين والبلجيكيين، ومعظمهم من الشباب ذوي الأجسام القوية.
أما السكان المحليون فقد زادت حالات السرطان بينهم بدرجة كبيرة، إضافة إلى العقم واللوكيميا والطفرات الجينية والإجهاض المفاجئ.
ما حدث في يوغسلافيا من مضاعفات شديد الشبه بالعراق، إلا أن مكانه في وسط أوروبا. حدث ذلك على الرغم من أن الذخيرة التي ألقيت على يوغوسلافيا أقل بـ 30 مرة، مقارنة بما استخدم في العراق.
كما رصد انقراض جماعي للحيوانات وأهوال أخرى لا تجد من يلتفت إليها.
ومع ذلك تواصل واشنطن وساستها تلميع هذه السلاح ورش السكر على موت إشعاعي بطئ وكارثي.
المصدر: RT