جاء ذلك في مقال لماكريغور نشره موقع The American Conservative وحمل عنوان "العاصفة المتراكمة" – "المشكلات التي تسببها الولايات المتحدة لنفسها في أوكرانيا تفاقم من مشكلاتنا الخطيرة في الداخل".
ويعرض الكاتب كيف بدأت أزمة القوة القومية الأمريكية في الظهور من خلال انتكاسة الاقتصاد الأمريكي، والأسواق المالية الغربية التي تشعر بالذعر، وارتفاع أسعار الفائدة والأوراق المالية المدعومة بالرهن العقاري وسندات الخزانة الأمريكية التي تفقد قيمتها، فيما يشير "مزاج" السوق، المكون من المشاعر والعواطف والمعتقدات والميول النفسية، إلى حدوث "تحول مظلم داخل الاقتصاد الأمريكي".
ويتابع الكاتب: "تقاس القوة القومية الأمريكية بالقدرة العسكرية بنفس القدر الذي تقاس فيه بالإمكانات الاقتصادية والأداء، والإدراك المتزايد بأن القدرة الصناعية العسكرية الأمريكية والأوروبية لا تستطيع مواكبة الطلبات الأوكرانية للذخيرة والمعدات هو إشارة مشؤومة يجب إرسالها خلال الحرب بالوكالة التي تصر واشنطن فيها على فوز وكيلتها أوكرانيا".
ويرى ماكغريغور أن عمليات اقتصاد القوة الروسية في جنوب أوكرانيا قد نجحت في تقليص مهاجمة القوات الأوكرانية بأقل قدر ممكن من الأرواح والموارد الروسية، فيما نجح تنفيذ روسيا لحرب الاستنزاف ببراعة، حيث حشدت روسيا احتياطياتها من الأفراد والمعدات لنشر قوة أكبر بعدة أضعاف وأكثر فتكا بشكل ملحوظ مما كانت عليه قبل عام.
ويتابع: "لقد حوّلت روسيا بترسانتها الضخمة من أنظمة المدفعية، بما في ذلك الصواريخ والقذائف والطائرات المسيرة المرتبطة بمنصات المراقبة العلوية، الجنود الأوكرانيين الذين يقاتلون للاحتفاظ بالحافة الشمالية لنهر دونباس إلى أهداف واضحة". ويشير ماكريغور إلى أن أحد التقديرات الأخيرة تشير إلى مقتل ما بين 150-200 ألف جندي أوكراني منذ بدء العملية العسكرية الروسية الخاصة، بينما تصل بعض التقديرات الأخرى إلى 250 ألف جندي أوكراني.
ويكتب ماكريغور: "ونظرا للضعف الصارخ لقوات الدفاع البرية والجوية وقوات الدفاع الجوي، فإن الحرب غير المرغوب فيها مع روسيا يمكن أن تجلب بسهولة مئات الآلاف من القوات الروسية إلى الحدود البولندية، الحدود الشرقية لحلف (الناتو). وهذه ليست النتيجة التي وعدت واشنطن بها حلفاءها الأوروبيين، إلا أنها الآن احتمال حقيقي".
ويشير الجنرال المتقاعد إلى أن روسيا، وعلى النقيض من سياسة الاتحاد السوفيتي المعوقة، والتي تحركها الأيديولوجيا، عملت بمهارة على تنمية الدعم لقضيتها في أمريكا اللاتينية وإفريقيا والشرق الأوسط وجنوب آسيا. وحقيقة أن العقوبات الاقتصادية الغربية أضرت بالولايات المتحدة الأمريكية والاقتصادات الأوروبية واضحة للعيان، في الوقت الذي تحول فيه الروبل الروسي إلى واحدة من أقوى عملات النظام الدولي، وهو ما لم يعزز مكانة واشنطن العالمية.
ويتابع: "لقد أدت سياسة بايدن المتمثلة في دفع (الناتو) بالقوة إلى حدود روسيا إلى خلق قواسم مشتركة قوية للأمن والمصالح التجارية بين موسكو وبكين، والتي تجذب كذلك شركاء استراتيجيين في جنوب آسيا مثل الهند، وشركاء مثل البرازيل في أمريكا اللاتينية. والتداعيات الاقتصادية العالمية على المحور الروسي الصيني الناشئ وثورتهما الصناعية المخططة لحوالي 3.9 مليار نسمة في منظمة شنغهاي للتعاون عميقة".
باختصار، فإن استراتيجية واشنطن العسكرية لإضعاف روسيا أو عزلها أو حتى تدميرها فشلت فشلا ذريعا، وهذا الفشل يضع حرب واشنطن بالوكالة مع روسيا على مسار خطير حقا. وللمضي قدما، دون رادع في مواجهة انزلاق أوكرانيا إلى النسيان، يتجاهل 3 تهديدات متفاقمة:
1- استمرار ارتفاع التضخم وأسعار الفائدة المرتفعة التي تشير إلى الضعف الاقتصادي (فشل أول بنك أمريكي منذ عام 2020 هو تذكير بالهشاشة المالية للولايات المتحدة).
2- والازدهار داخل المجتمعات الأوروبية التي تعاني بالفعل من عدة موجات من اللاجئين/المهاجرين غير المرغوب فيهم.
3- التهديد بحرب أوروبية أوسع.
ويرى الكاتب أن هناك دائما فصائل متنافسة تحث الرئيس على تبني مسار عمل معين، ونادرا ما يعرف المراقبون من الخارج على وجه اليقين أي فصيل يمارس التأثير الأكبر، إلا أن هناك شخصيات في إدارة بايدن تسعى إلى الخروج من التورط في أوكرانيا. وحتى وزير الخارجية أنتوني بلينكن، وهو مؤيد شرس للحرب بالوكالة مع موسكو، يدرك أن مطالبة الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي بأن يساعده الغرب في استعادة شبه جزيرة القرم هو خط أحمر بالنسبة لبوتين، وقد يؤدي إلى تصعيد دراماتيكي من موسكو.
ويتابع ماكريغور: "إن التراجع عن مطالب إدارة بوش الخبيثة والحمقاء بانسحاب روسي مهين من شرق أوكرانيا قبل عقد محادثات السلام هو خطوة ترفض واشنطن اتخاذها. ومع ذلك سيتعين اتخاذها. فكلما ارتفعت أسعار الفائدة، وكلما زاد إنفاق واشنطن في الداخل والخارج لمتابعة الحرب في أوكرانيا، كلما اقترب المجتمع الأمريكي من الاضطرابات السياسية والاجتماعية الداخلية. وهذه ظروف خطيرة لأي جمهورية".
ويستنتج الكاتب أنه من كل الحطام والاضطراب الذي حدث خلال العامين الماضيين، تظهر حقيقة واحدة لا يمكن إنكارها، هو أن معظم الأمريكيين محقون في عدم الثقة بحكومتهم وعدم رضاهم عنها، فيما يظهر الرئيس بايدن على أنه قطعة من الورق المقوى، يحركها المتعصبون الأيديولوجيون في إدارته، والأشخاص الذين يرون السلطة التنفيذية مجرد وسيلة لإسكات المعارضة السياسية، والاحتفاظ بالسيطرة الدائمة على الحكومة الفدرالية.
ويؤكد ماكريغور على أن "الأمريكيين ليسوا حمقى، وهم يعلمون أن أعضاء الكونغرس الأمريكي يتاجرون بشكل صارخ في الأسهم بناء على المعلومات الداخلية، ما يخلق تضاربا في المصالح من شأنه أن يودع معظم المواطنين في السجون. وهم يعرفون أيضا أنه منذ عام 1965، قادتهم واشنطن إلى سلسلة من التدخلات العسكرية الفاشلة التي أضعفت بشدة القوة السياسية والاقتصادية والعسكرية الأمريكية".
ويختتم الكاتب مقاله بأن "عددا كبيرا جدا من الأمريكيين يعتقدون بأن ليس لديهم قيادة حقيقية منذ 21 يناير 2021، وحان الوقت لأن تجد إدارة بايدن مخرجا لواشنطن من حربها الأوكرانية بالوكالة ضد روسيا. لن يكون الأمر سهلا، فالأممية الليبرالية في شكلها الحديث، لمحاولة (إضفاء الطابع الأخلاقي على العولمة)، تجعل من الدبلوماسية الحكيمة مهمة شاقة، ولكن حان الوقت الآن.
في أوروبا الشرقية، تغرق أمطار الربيع القوات البرية الروسية والأوكرانية في بحر من الطين يعيق الحركة بشدة. لكن القيادة العليا الروسية تستعد لضمان أنه عندما تجف الأرض وتهاجم القوات البرية الروسية، ستحقق العمليات قرارا لا لبس فيه، ما يوضح أن واشنطن وأنصارها لا فرصة لديهم لإنقاذ نظام كييف المحتضر. وفي ذلك الحين، ستكون المفاوضات صعبة للغاية، إن لم تكن مستحيلة".
المصدر: The American Conservative