أفرجت إيران بتاريخ 20 يناير 1981 عن رهائن السفارة الأمريكية الذين احتجزوا 444 يوما، وكان ذلك بالتزامن مع تنصيب رونالد ريغان، رئيسا للولايات المتحدة.
بدأت تلك الاحداث الكبرى في 4 نوفمبر 1979، بعد أشهر قليلة من انتصار الثورة الإسلامية في إيران بقيادة آية الله الخميني. وفي ذلك اليوم استولى حشد من الطلاب الإيرانيين على مبنى السفارة الأمريكية في طهران، واحتجزوا كرهان لمدة عام ونصف تقريبا 52 من بين أكثر من 70 أمريكيا كانوا بداخلها.
وخلال تلك الفترة، تمكن محتجزو الرهائن من نشر آلاف الوثائق السرية التي عثر عليها في السفارة، فيما فرضت الولايات المتحدة عقوبات شديدة على إيران، وتواصل العداء الشديد بين الجانبين ولم تتم استعادة العلاقات بين البلدين حتى الآن.
طالب محتجزو الرهائن بتسليم الشاه المخلوع محمد رضا بهلوي، المتهم بالفساد والقتل، وكان حينها يخضع لعلاج السرطان في نيويورك.
في يوم اقتحام السفارة الأمريكية في طهران، احتشد طلاب إيرانيون يعدون بالآلاف يطلقون على أنفسهم اسم "أتباع خط الإمام" أمام جدران السفارة الأمريكية في طهران وسط هتافات "الموت لأمريكا" و"الموت للشاه".
بعد ساعات قليلة، قرر الطلاب تسلق الجدران واقتحام مبنى السفارة واعتقال العاملين فيها، معتبرين إياهم جواسيس.
كل يوجد في مبنى السفارة الأمريكية بطهران 71 شخصا احتجزوا كرهائن. بعد أسبوعين، أطلق الطلاب 13 شخصا من الأمريكيين ذوي الأصول الإفريقية والنساء، وعللوا قرارهم بالقول إن السود ينتمون إلى "أقلية مضطهدة"، وأن النساء يحظين بـ"مكانة خاصة في الإسلام".
في تلك الأثناء، تمكن ستة موظفين آخرين من الفرار من المبنى، وقام السفير الكندي في طهران بإيوائهم سرا حتى منتصف عام 1980، حيث جرى إخراجهم من البلاد، وتحولت هذه العملية إلى فيلم هوليودي باسم "عملية أرغو" في عام 2012.
بعد فترة صمت قصيرة، ساند الخميني الطلاب واصفا احتجازهم للرهائن الأمريكيين بأنه "ثورة ثانية"، والسفارة بأنها "بؤرة تجسس". ثم دفع بشروطه للإفراج عن الرهائن قائلا: "إذا سلمت الولايات المتحدة الشاه المخلوع إلى إيران وتوقفت عن التجسس علينا، فإن الطريق إلى المفاوضات حول بعض الموضوعات المهمة للأمة سيفتح".
الرئيس الأمريكي في ذلك الوقت جيمي كارتر، أعلن الحادث عملا إرهابيا، فيما قدمت واشنطن شكوى إلى محكمة العدل الدولية، متهمة إيران بانتهاك عدة مواد من اتفاقية فيينا بشأن الأنشطة القنصلية.
"ويكيليكس" السفارة الأمريكية في طهران:
في لحظات اقتحام الطلاب لمبنى السفارة الأمريكية في طهران، سارع العاملون إلى تدمير أكبر عدد ممكن من الوثائق، وجرى تمرير رزم من الوثائق من خلال آلات تمزيق الورق، إلا أن ذلك لم يفيد، تمكن المقتحمون من استعادة معظم القصاصات، وقررت السلطات الإيرانية نشر الوثائق السرية المكتشفة والتي أعيد لصقها من دون رقابة.
نشر أسرار السفارة الأمريكية تواصل في وسائل الإعلام الإيرانية الرسمية وفي وسائل أخرى لعدة سنوات متتالية. وتم في المجموع نشر 77 مجلدا مع المراسلات الداخلية والكتيبات والتقارير الدبلوماسية تحت العنوان العام: "داخل مخبأ التجسس الأمريكي".
من بين تلك الوثائق، واحدة أفادت بأن مسؤولي السفارة حاولوا تجنيد مسؤولين إيرانيين رفيعي المستوى ورجال أعمال وصحفيين ونشطاء في المنفى، فيما وصف أحد التقارير كيف جرت محاولة تجنيد أبو الحسن بني صدر الذي كان عاد إلى إيران مع الخميني بعد الثورة وأصبح فيما بعد أول رئيس للبلاد، حيث عرض أحد عملاء وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية متنكرا في شخصية رجل أعمال أمريكي تعاون بني صدر بأشكال متنوعة من الاستشارات إلى التوظيف الكامل براتب شهري قدره 1000 دولار، إلا أن السياسي الإيراني رفض العرض.
وأعلنت الحكومة الإيرانية في هذا السياق أيضا أنها عثرت أثناء تفتيش المبنى على مظروف به أختام حرس الحدود لمغادرة إيران ودخولها، وبالتالي لتزوير الوثائق.
معصومة ابتكار التي تولت منصب نائب الرئيس في عهدي حسن روحاني ومحمد خاتمي، وكانت ضمن الطلاب الذين استولوا على السفارة الأمريكية، وعرفت فيما بعد باسم " سيستر ماري"، قالت في تصريح لوكالة الصحافة الفرنسية في عام 2016 إن "نشر هذه الوثائق يشبه ما تقوم به ويكيليكس الآن. كان ويكيليكس في ذلك الوقت".
ومع تأكيدها على أنها لا تزال ترى أن الاستيلاء على السفارة الأمريكي كان قرارا صحيحا، لفتت معصومة ابتكار إلى أن الطلاب تخوفوا في ذلك الوقت من أن تقوم الولايات المتحدة بانقلاب آخر على الجمهورية الإسلامية المشكلة حديثا، مثلما فعلت مع رئيس الوزراء المنتخب محمد مصدق في عام 1953.
في منطقة صحراوية تبعد عن العاصمة الإيرانية 80 كيلو مترا، فشلت الولايات المتحدة في إظهار مخالبها لإيران في 25 إبريل 1980، حيث احترقت طائرة مروحية وأخرى للتزود بالوقد بعد اصطدامهما وقتل 8 عسكريين أمريكيين، وأعلن الرئيس جيمي كارتر فشل عملية "مخلب العقاب" التي خططت بلاده بواسطتها لإنقاذ الرهائن في اليوم التالي.
تعرضت العملية السرية الأمريكية الكبيرة منذ الوهلة الأولى للعديد من المصادفات والعثرات، وانتهت بشكل كارثي، ما جعل الإيرانيين يرون فيها "معجزة إلهية" وقاموا ببناء مسجد في المكان.
بعد ذلك الفشل الكبير، اضطرت واشنطن إلى الدخول في مفاوضات مع طهران استمرت نحو عام، وقامت الجزائر بدور الوسيط.
وقعت إيران والولايات المتحدة في يناير 1981 اتفاقية، وعدت طهران من خلالها بالإفراج عن جميع الرهائن وسداد جميع الديون للبنوك الأمريكية، فيما تعهدت الولايات المتحدة برفع العقوبات، وإلغاء تجميد أصول الشاه ونقلها في أقساط إلى الحكومة الإيرانية الجديدة، فيما نص الاتفاق على إجراء جميع المعاملات المالية، من خلال البنك المركزي الجزائري.
المصدر: RT