وكان البلاشفة قد ركزوا منذ البداية على دولة اشتراكية موحدة مع منح حقوق الحكم الذاتي الإقليمي للشعوب التي تعيش بشكل متلازم.
هذه الآراء تأسست عليها قرارات المؤتمر الثاني للسوفييت في جمهورية روسيا الاتحادية الاشتراكية السوفياتية في يناير 1918، وتم البت في مسألة إعمال حق الأمم في تقرير المصير حتى الانفصال في كل حالة على حدة، مع مراعاة الظروف المختلفة، فيما اعتبر زعيم البلاشفة فلاديمير لينين الفيدرالية بأنها ليست إلا مرحلة ضرورية في الطريق إلى إنشاء دولة اشتراكية موحدة
عارض بعض قادة اللجنة المركزية للأحزاب الشيوعية في جورجيا وأذربيجان وأوكرانيا هذه الخطة واعتبروها تهديدا لاستقلال جمهورياتهم.
تلك الخطة التي وضعت في عام 1922، كان هدفها ترتيب البيت السوفييتي المستقبلي، في ظروف ما بعد الحرب العالمية الأولى والحرب الأهلية، حيث تم تدمير اقتصاد البلاد، وكان يتوجب فعل الكثير، وأولها تقرير مستقبل ووضع روسيا.
تشكلت بحلول عام 1922 ست جمهوريات، نسجت علاقات وثيقة مع روسيا الاتحادية الاشتراكية السوفياتية حتى أن موسكو عمليا مثلت ودافعت عن مصالحها في العلاقات الدولية وهي جمهورية أذربيجان الاشتراكية السوفياتية، وجمهورية جورجيا الاشتراكية السوفياتية، وجمهورية أرمينيا الاشتراكية السوفياتية، التي اتحدت فيما بعد في جمهورية القوقاز الاتحادية الاشتراكية السوفياتية، وأوكرانيا وبيلاروس.
اقترح جوزيف ستالين بناء دولة موحدة تنضم فيها الجمهوريات إلى جمهورية روسيا الاتحادية الاشتراكية السوفياتية على مستوى الحكم الذاتي، إلا أن الجورجيين والأذربيجانيين والأوكرانيين عارضوها فيما ساندت بيلاروس الحفاظ على الوضع القائم حينها.
وكان لينين قد كتب في عام 1913 قائلا إن الدولة المركزية الكبيرة "هي خطوة تاريخية ضخمة إلى الأمام من تفتت العصور الوسطى إلى الوحدة الاشتراكية المستقبلية لجميع البلدان".
يشار إلى أن وحدة الدولة الروسية التي تعود إلى قرون انهارت في الفترة من فبراير إلى أكتوبر 1917، بظهور عدد من الحكومات القومية البرجوازية على أراضيها وسعيها إلى الانفصال عن المركز التقليدي.
التهديد بحدوث تقلص حاد في أراضي الدولة البروليتارية الاشتراكية، وفقدان الآمال في ثورة عالمية مبكرة أجبر زعيم البلاشفة لينين بعد وصوله إلى السلطة في روسيا على إعادة النظر في وجهة نظره بشأن هيكل الدولة حيث أصبح مؤيدا شرسا للفيدرالية، على أن تكون مرحلة انتقالية "إلى الوحدة الكاملة".
ظهرت أول حدود وطنية داخل روسيا أواخر عام 1918 وأوائل عام 1919، بحلول نهاية عام 1922، وُجدت بالفعل 19 جمهورية ومنطقة مستقلة في جمهورية روسيا الاتحادية الاشتراكية السوفياتية، بالإضافة إلى 2 كوميونات عمالية تم إنشاؤها على المبدأ الوطني.
كان من المفترض أن يصبح الاتحاد الروسي حينها، وفقا لخطة مؤسسيه، نموذجا لدولة اشتراكية أكبر، ما يسمح باستعادة الإمبراطورية الروسية، التي لا يمكن تجنب انهيارها خلال الثورة ومسيرة الحكومة السوفيتية نحو الانتصار.
حتى منتصف عام 1918، كانت توجد جمهوريتان فقط كدولتين مستقلتين وهما جمهورية روسيا الاتحادية الاشتراكية السوفياتية وأوكرانيا، ثم ظهرت جمهورية بيلاروس، وثلاث جمهوريات في دول البلطيق، وثلاث جمهوريات في القوقاز..
منذ الأيام الأولى لظهور هذه الدول، قدمت لها جمهورية روسيا الاتحادية الاشتراكية السوفياتية، التي كانت هي ذاتها في أمس الحاجة إلى الضروريات، المساعدة في مختلف مجالات حياة الدولة بما في ذلك الجانب العسكري.
بمرور الوقت، بدأ بناء جهاز الدولة لجميع الجمهوريات على غرار جمهورية روسيا الاتحادية الاشتراكية السوفياتية، وظهرت مكاتبها التمثيلية في موسكو.
في ذلك الوقت أبرمت جمهورية روسيا الاتحادية الاشتراكية السوفياتية اتفاقيات تجارية مع إنجلترا وإيطاليا والنرويج، وأوكرانيا مع النمسا وتشيكوسلوفاكيا ودول أخرى، فيما وقع وفد مشترك من جمهورية روسيا الاتحادية الاشتراكية السوفياتية وأوكرانيا في مارس 1921، اتفاقية مع بولندا، ودعت الحكومة الإيطالية في يناير 1922، نيابة عن منظمي مؤتمر جنوة ، جمهورية روسيا الاتحادية الاشتراكية السوفياتية فقط من بين جميع الجمهوريات للمشاركة فيه.
وفي فبراير 1922، بمبادرة من الاتحاد الروسي، وقعت تسع جمهوريات بروتوكولا يخولها تمثيل وحماية مصالحها المشتركة، وإبرام وتوقيع المعاهدات مع الدول الأجنبية نيابة عنها. وهكذا ، تم استكمال الاتفاقيات العسكرية والاقتصادية الثنائية باتفاق دبلوماسي، وكانت الخطوة التالية هي تشكيل اتحاد سياسي.
بحلول عام 1922، تشكلت 6 جمهوريات على أراضي الإمبراطورية الروسية السابقة وعي جمهورية روسيا الاتحادية الاشتراكية السوفياتية، وجمهورية أوكرانيا الاشتراكية السوفياتية، وجمهورية بيلاروس الاشتراكية السوفياتية، وجمهورية أذربيجان الاشتراكية السوفياتية، وجمهورية أرمينيا الاشتراكية السوفياتية، وجمهورية جورجيا الاشتراكية السوفياتية. ومنذ البداية ارتبطت بتعاون وثيق بينهما على أساس المصير التاريخي المشترك.
وخلال الحرب الأهلية، جرى تشكيل اتحاد عسكري واقتصادي، وفي وقت انعقاد مؤتمر جنوة في عام 1922، كان يوجد اتحاد دبلوماسي.
التطور التالي حدث في مارس 1922 وتمثل في اندماج جمهورية أذربيجان وأرمينيا وجورجيا الاشتراكية السوفياتية في جمهورية القوقاز السوفيتية الاشتراكية. وفي ديسمبر 1922، ناشد أول مؤتمر للسوفييت عبر القوقاز هيئة رئاسة اللجنة التنفيذية المركزية المبادرة بعقد مؤتمر مشترك للسوفييت ومناقشة إنشاء اتحاد الجمهوريات السوفيتية. تم اتخاذ نفس القرارات من قبل جميع مؤتمرات السوفييت الأوكرانيين والبيلاروس.
لم يكن هناك إجماع على مبادئ إنشاء دولة الاتحاد. ومن بين عدد من المقترحات، برز اثنان، إدراج جمهوريات سوفيتية أخرى في جمهورية روسيا الاتحادية الاشتراكية السوفياتية بشأن حقوق الحكم الذاتي وهو اقتراح ستالين، وإنشاء اتحاد لجمهوريات متساوية،
يشار إلى أن لينين وهو بسبب مرضه لم يشارك في مناقشة المشروع، رفض بعد مراجعة المواد المقدمة إليه فكرة الاستقلال الذاتي ووقف مع تشكيل اتحاد الجمهوريات معتبرا أن الاتحاد الاشتراكي السوفيتي هو الشكل الأكثر قبولا للحكومة في بلد متعدد الجنسيات.
وجرت الموافقة أخيرا على المسودة الجديدة للجنة اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الثوري في جلسة كاملة للجنة المركزية في 6 أكتوبر 1922.
واكتمل مشوار التأسيس في 30 ديسمبر 1922، حيث أبرمت كل من جمهورية روسيا الاتحادية الاشتراكية السوفياتية، وجمهورية أوكرانيا الاشتراكية السوفياتية، وجمهورية بيلاروس الاشتراكية السوفياتية، وجمهورية القوقاز الاشتراكية السوفياتية وتضم جورجيا وأذربيجان وأرمينيا، معاهدة الاتحاد والتي بموجبها تأسست دولة اتحادية واحدة عي "اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية".
المصدر: RT