يشير ليفيو جوسان من المعهد الأمريكي لعلوم المحيطات في وودز هول في مقال نشرته مجلة Climate of the Past إلى أن "تاريخ الحضارة الهندية هو درس جيد لنا جميعا. انظروا إلى إفريقيا، الناس تغادرها بسبب تغيرات مناخية مماثلة. قديما كانت الشعوب تنتقل بسبب هذه التغيرات إلى مكان جديد. ولكن ما الذي يمكن لسكان مناطق جنوب الولايات المتحدة أو ساحل بنغلاديش عمله اليوم مع أنهم يعلمون بأن مناطقهم ستغمرها المياه قريبا".
تعتبر حضارة الإندوس إحدى أقدم ثلاث حضارات في العالم إلى جانب حضارة سومر ومصر القديمة. وظهرت قبل حوالي 5 آلاف سنة في وادي السند على حدود الهند المعاصرة وباكستان وبلغت أوج ازدهارها في 2200-1900 قبل الميلاد. خلال هذه الفترة ظهرت نظم التجارة بين المدن والدول، وبدأت عمليات تخطيط بناء المدن وبناء المرافق الصحية وظهرت الأوزان والمقاييس الموحدة، وانتشر تأثير هذه الحضارة على مجمل شبه القارة بكاملها.
بدأ انهيار هذه الحضارة في 1900 قبل الميلاد واختفت تماما بعد بضعة قرون وأصبحت مدنها الكبيرة مهجورة وانتقل سكانها إلى العيش في بلدات وقرى صغيرة بالقرب من جبال هيمالايا. باعتقاد العديد من علماء الآثار والمؤرخين كل هذا كان بسبب التغيرات المناخية، حيث أصبحت المنطقة أشد برودة بسبب ضعف الرياح الموسمية. بيد أن البيانات الجديدة عن مناخ الأرض خلال عشرة آلاف سنة الماضية تشير إلى وجود تغيرات مناخية في ذات المنطقة سابقا، ولم تجبر السكان على تركها. هذه المسألة أصبحت موضع جدال مستمر بين العلماء بشأن تأثير جفاف الأنهار والكوارث المناخية في انهيار هذه الحضارة.
حاول جوسان وفريقه العلمي تسوية هذا الجدل المستمر من خلال عمليات الحفر في قاع المحيط الهندي والسواحل الباكستانية، وليس في موهينجو-دارو وراخيغاري وغيرها من مراكز هذه الحضارة الأسطورية.
تعتبر الصخور الرسوبية المحتوية على العوالق والقواقع والرخويات وغيرها سجلا عن التغيرات المناخية على الأرض في فترة تكونها. فمثلا تشير نسبة نظائر الأكسجين "الثقيلة" والخفيفة" إلى تقلبات درجات الحرارة على الأرض وتركيز الكربون "الثقيل". أما التنوع البيولوجي فيشير إلى وجود انقراض جماعي ، في حين يشير مستوى الكالسيوم والعناصر الأخرى إلى مستوى حموضة الماء وخواص مياه المحيطات.
باستخدام هذه المعلومات وأجزاء الحمض النووي للعوالق، تمكن العلماء من تتبع كمية الماء العذب التي هطلت في المنطقة الساحلية للمحيط وكيف تغير مستوى الترسبات خلال الصيف والشتاء.
أظهرت نتائج هذه المتابعة بأن نهاية هذه الحضارة الأسطورية كانت مرتبطة ببداية الجفاف والتغير الجذري في هطول الأمطار وأصبحت الرياح الموسمية أكثر، وتضاءل تدريجيا هطول الأمطار الصيفية، كل هذا جعل وادي السند غير صالح لسكن مجموعات كبيرة من البشر.
كما أن هذه التغيرات كانت مرتبطة ببداية "العصر الجليدي الصغير" ، وانخفاض درجات الحرارة في جميع أنحاء الكوكب. هذه البرودة غيرت تدريجيا اتجاه حركة الرياح والتيارات في المحيط الهندي، ما يعد أحد العوامل الرئيسية في اختفاء أولى الحضارات على الأرض. بحسب العلماء.
المصدر: نوفوستي