ويقول بيتر دوغلاس من جامعة ماكجيل الكندية في مقال نشرته مجلة "Nature Geoscience": "تبدو تلك المناطق وكأنها غابات بدائية. ولكن إذا نظرنا إلى تربتها، سنفهم أن النظام البيئي تعرض في الماضي البعيد إلى انحطاط حاد لا يمكن إزالة آثاره أبدا".
واستمرت حضارة المايا آلاف السنين، وخلفت العديد من "المدن الميتة" ومعالم حضارية على شبه جزيرة يوكاتان التي اختفت في القرن التاسع الميلادي، عندما غادرها السكان. وإلى الآن، يبقى سبب انقراض هذه الحضارة موضوع جدل بين العلماء.
ووفقا لرأي بعض علماء الآثار، يعود السبب في ذلك إلى سنوات الجفاف الناتج عن التغيرات المناخية وازدياد الكثافة السكانية في مدن المايا. وقد عثر على أول تأكيد لهذه النظرية عام 2012، خلال عمليات الحفر في منطقة تيكال، إحدى أضخم مدن المايا، حيث عثر على منظومة معقدة لخزانات وقنوات المياه.
ولكن الحفريات اللاحقة في مدن المايا كشفت نتائج متناقضة، حيث أشارت إلى أن المناخ لم يكن السبب الوحيد لانقراض هذه الحضارة، بل وأيضا الصراعات السياسية بين أطراف القبائل الهندية. وهذا ما جعل العلماء يتجادلون بشأن دور المناخ في حياة المايا.
وكشف دوغلاس وفريقه عاملا آخر أثر في هذه "الكارثة الجيوسياسية"، فبعد دراسة وتحليل كيفية تغير التربة في تلك الغابات الاستوائية، التي فيها مدن المايا في أوج ازدهارها، اكتشفوا في قاع ثلاث بحيرات واقعة جنوبي المكسيك وشمالي غواتيمالا وجود جزيئات شمعية أكثر قدما تحت الطمي القديم والجديد. عمر هذه الجزيئات بحسب دوغلاس، هو بمثابة مؤشر لكمية المواد العضوية الموجودة في التربة. وهذا يسهل تحديد عمرها.
وقاس دوغلاس وفريقه عمر هذه الجزيئات الشمعية والرواسب الأخرى بطريقة تحليل الكربون المشع، وتبين بأنه قبل 3500 سنة أي قبل ظهور مدن المايا، كانت هذه الجزيئات أكبر بحدود 1.5 ألف سنة من بقية الرواسب. وهذا بحسب الفريق العلمي يتوافق مع القيم المثالية للغابات الاستوائية التي لم يمسها الإنسان.
وتشير هذه البيانات إلى أنه عند 1500 سنة قبل الميلاد، تغيرت الظروف بصورة حادة، حيث بدأت تختفي الاختلافات في عمر الشمع والرواسب البيولوجية تدريجيا. وفي أعوام 380-400 قبل الميلاد، بدأت قرى المايا بالتحول إلى مدن كبيرة.
ويشير الجيولوجيون إلى أن التربة بدأت تفقر وتنحط نتيجة تقطيع المايا لأشجار الغابات واستخدام هذه الأراضي للزراعة، حيث كانت تفقد خصوبتها تدريجيا، ما اضطر المايا إلى إزالة مناطق جديدة من الغابات، وهكذا.
ووفقا للعلماء، هذا ما سرع تآكل التربة وتغير تركيبها، ما تسبب في تغير توازنها الحمضي-القاعدي، وسهل تحللها. وهذه التغيرات لا رجعة فيها، حيث أثرت في حجم المحاصيل، وهذا بحسب العلماء كان بمثابة أحد الأسباب الرئيسية لانقراض حضارة استمرت آلاف السنين.
المصدر: نوفوستي