وفي مقال جديد نُشرته مجلة Advances in Nutrition، أطلق العلماء على هذه العناصر الغذائية المستنشقة اسم "العناصر الغذائية الهوائية" (Aeronutrients)، لتمييزها عن "العناصر الغذائية المعوية" (Gastronutrients) التي تمتصها الأمعاء.
ويشير مصطلح "المغذيات الهوائية" إلى مجموعة من المواد الغذائية التي يمكن أن نمتصها من الهواء مباشرة، مثل اليود، والزنك، وبعض الفيتامينات، والتي قد تؤثر بشكل إيجابي على الجسم.
ووفقا للدراسة، فإننا نستنشق نحو 9 آلاف لتر من الهواء يوميا و438 مليون لتر في العمر. وعلى عكس الأكل، لا يتوقف التنفس أبدا، ما يشير إلى أن الجسم يتعرض باستمرار للهواء، حتى في الأماكن التي تحتوي على كميات ضئيلة جدا من العناصر الغذائية. ويدخل الهواء إلى الجسم عبر الأنف والرئتين والأغشية المخاطية، حيث يمكن امتصاص جزيئات أكبر بكثير عبر الرئتين إلى مجرى الدم مقارنة بالجهاز الهضمي.
ويشير المقال إلى أن الأكسجين، على سبيل المثال، هو من الناحية الفنية مادة مغذية، مادة كيميائية "يحتاجها الجسم لدعم الوظائف الأساسية"، لكننا لا نميل إلى الإشارة إليه بهذه الطريقة لأننا نتنفسه، بدلا من تناوله.
كيف تعمل المغذيات الهوائية؟
تدخل المغذيات الهوائية أجسامنا عن طريق امتصاصها من خلال شبكات من الأوعية الدموية الصغيرة في الأنف والرئتين والظهارة الشمية (المنطقة التي يتم فيها اكتشاف الرائحة) والبلعوم الفموي (الجزء الخلفي من الحلق).
ويمكن للرئتين امتصاص جزيئات أكبر بكثير من الأمعاء، 260 مرة أكبر، على وجه التحديد. ويتم امتصاص هذه الجزيئات سليمة في مجرى الدم والدماغ.
وتدخل العقاقير التي يمكن استنشاقها (مثل النيكوتين والمخدرات، على سبيل المثال لا الحصر) الجسم في غضون ثوان. وبالمقارنة، تقوم الأمعاء بتفكيك المواد إلى أجزاء صغيرة باستخدام الإنزيمات والأحماض. وبمجرد دخولها إلى مجرى الدم، يتم استقلابها وإزالة السموم منها بواسطة الكبد.
وقد كانت الأدلة موجودة منذ عقود حول المغذيات الهوائية، حيث وجدت أبحاث أجريت في ستينيات القرن العشرين أن عمال الغسيل المعرضين لليود في الهواء لديهم مستويات أعلى من اليود في دمائهم وبولهم.
وفي الآونة الأخيرة، درس الباحثون في أيرلندا بيانات أطفال المدارس الذين يعيشون بالقرب من المناطق الساحلية الغنية بالأعشاب البحرية، حيث كانت مستويات غاز اليود في الغلاف الجوي أعلى بكثير. وكان لدى هؤلاء الأطفال نسبة أكبر بكثير من اليود في بولهم وكانوا أقل عرضة لنقص اليود من أولئك الذين يعيشون في المناطق ذات الأعشاب البحرية المنخفضة. ولم تكن هناك فروق في اليود في أنظمتهم الغذائية.
وهذا يشير إلى أن اليود المحمول جوا، وخاصة في الأماكن التي تكثر فيها الأعشاب البحرية، يمكن أن يساعد في تكملة اليود الغذائي. وهو ما يجعله من المغذيات الهوائية التي قد تمتصها أجسامنا من خلال التنفس.
ويمكن للمنغنيز والزنك أن يدخلا إلى المخ من خلال الخلايا العصبية التي تستشعر الشم في الأنف.
والمنغنيز عنصر غذائي أساسي، ولكن الإفراط في تناوله يمكن أن يضر المخ. ويلاحظ هذا لدى عمال اللحام، الذين يتعرضون لمستويات عالية من الهواء ويعانون من مستويات ضارة من تراكم المنغنيز.
وتحتوي الأهداب (الهياكل الشبيهة بالشعر) في الجهاز الشمي والجهاز التنفسي على مستقبلات خاصة يمكنها الارتباط بمجموعة من المغذيات الهوائية المحتملة الأخرى. وتشمل هذه العناصر الغذائية الكولين وفيتامين سي والكالسيوم والمنجنيز والمغنيسيوم والحديد وحتى الأحماض الأمينية.
وأظهرت الأبحاث المنشورة منذ أكثر من 70 عاما أن فيتامين بي 12 المستنشق يمكن أن يعالج نقص فيتامين بي 12. وهذا مهم للغاية للأشخاص الذين يعانون من معدلات عالية من نقص فيتامين بي 12، مثل النباتيين وكبار السن ومرضى السكري وأولئك الذين يتناولون الكحوليات بشكل مفرط.
ما زال هناك الكثير من الأمور التي تحتاج إلى دراسة لفهم كيفية استفادتنا من المغذيات الهوائية بشكل كامل. وأحد النقاط الرئيسية التي تحتاج إلى مزيد من البحث هي تحديد مكونات الهواء التي قد تكون مفيدة للصحة في بيئات طبيعية مثل الغابات أو المناطق الجبلية.
وحتى الآن، كان التركيز في الدراسات على ملوثات الهواء والمواد الضارة الأخرى، ولم يتم التركيز كثيرا على العناصر المفيدة. وإذا أثبتت الدراسات صحة فكرة المغذيات الهوائية، فقد نتمكن في المستقبل من تطوير شكل جديد من المكملات الغذائية، مثل فيتامين د أو فيتامين بي 12 على شكل رذاذ هوائي، ما يساعد في معالجة نقص المغذيات المنتشر.
المصدر: ميديكال إكسبريس