وتعد رسومات الكهف التي تعود إلى عصور ما قبل التاريخ "فريدة"، كونها أول عمل فني حقيقي، يصور الطبيعة المحلية بأشكال تشبه الإنسان والحيوان، حيث أنه حتى وقت قريب، لم يظهر الفن الصخري في مدغشقر إلا عددا قليلا من المواقع التي تصور مجرد رموز أساسية.
وتضمنت الاكتشافات المثيرة العديد من المفاجآت، بما في ذلك تلميحات حول بعض الروابط الثقافية الرائعة:
-أولا: ترتبط المشاهد التي تم تصويرها في بعض الحالات بشكل مباشر إلى حد ما بالزخارف الدينية المصرية من العصر البطلمي (300-30 قبل الميلاد).
-ثانيا: أظهرت استنتاجات أخرى من الرموز والكتابة على الجدران صلات بالعالمين الإثيوبي والعربي الإفريقي.
-أخيرا: أثارت الرموز والزخارف السائدة أسلوب فن الكهف الذي يعود تاريخه إلى ألفي عام في بورنيو.
وهناك أيضا مفاجآت أخرى، مثل تصوير ما لا يقل عن ثلاثة حيوانات منقرضة في مدغشقر (يُعتقد أنها انقرضت منذ قرون عديدة)، وهي الليمور الكسلان العملاق، وطيور الفيل (فصيلة طيور كبيرة الحجم وغير قادرة على الطيران)، والسلحفاة العملاقة.
وكان يُعتقد منذ فترة طويلة، وأكدت الأدلة، أن شعب مدغشقر ولغته وثقافته متجذرة في روابط قديمة بعيدة مع بورنيو، وهي جزيرة في جنوب شرق آسيا، بالإضافة إلى تأثيرات قوية من شرق إفريقيا القارية.
وقام فريق من العلماء من مدغشقر من مؤسسات محلية، مع متخصصين أمريكيين وبريطانيين وأستراليين، بزيارة الموقع بالقرب من قرية أناهيدرانو على الطرف الشمالي الغربي من منطقة بينكا المحمية التي تبلغ مساحتها 17100 هكتار في عام 2013.
وأمضى الفريق عدة أيام في تسجيل الصور، ومسح الكهف بأكمله ورسم خرائط له، والبحث عن المواقع الأثرية المرتبطة به، وإجراء مقابلات مع القرويين المحليين بخصوص هذا الفن. ومع ذلك، استغرق الأمر سنوات عديدة للبحث في أرشيفات الأدب والمتاحف ذات الصلة للتأكد من تفرد وأهمية ما وجدوه.
وأفاد عالم الأحياء القديمة الأمريكي ديفيد بورني أنه في عام 2013، اكتشفت مجموعته البحثية، 72 عينة من الفن الصخري في الكهف الواقع في منطقة بينكا الطبيعية المحمية، الواقعة في غرب الجزيرة.
وفقا لبورني، تم رسم اللوحات بصبغة سوداء وتتضمن تمثيلات لـ 16 حيوانا، و6 أشكال بشرية، وشكلين هجينين بين الإنسان والحيوان، وتصميمين هندسيين، و16 نموذجا لرمز على شكل حرف M، إلى جانب أنماط وأشكال أخرى مختلفة غير واضحة.
وتم التلميح إلى الروابط المصرية في ثماني صور رئيسية، بما في ذلك هيئة الصقر للإله حورس، والإله ذو رأس الطير تحوت، والآلهة ماعت التي تعلو رأسها ريشة النعام، وشخصيتين بشريتين وحيوانيتين تشبهان أنوبيس، وهو إله مصري قديم يُصور عادة على شكل رجل برأس كلب.
وبعد تحليل هذه الرسومات، خلص بورني إلى أن قطع الكهف "ترتبط بشكل مباشر بالزخارف الدينية المصرية من العصر البطلمي (300-30 قبل الميلاد)".
وبالإضافة إلى ذلك، سلط العلماء الضوء على تكرار استخدام الرمز M. واقترحوا أن هذا الشكل يشبه إلى حد كبير الحرف "hawt) "ሐ) في الأبجدية الأمهرية الإثيوبية القديمة، ويُنطق "ha".
وفي الوقت نفسه، يشير البروفيسور الأمريكي إلى أن هذا الرمز نفسه لم يتم العثور عليه إلا في لوحات كهف في جزيرة بورنيو والتي من المفترض أنه تم إنشاؤها قبل نحو 2000 عام.
وبحسب الفريق العلمي، فإن مثل هذه المصادفات تثبت مرة أخرى أن "شعب مدغشقر ولغته وثقافته متناغمون في حد ذاتهم، حيث تمتزج التأثيرات الإفريقية والآسيوية لنشوء شعب فريد من نوعه".
ويشير الفريق إلى أنه من الصعب تحديد متى تم عمل هذه الرسومات بدقة، حيث أنه من المعروف أن التأريخ المباشر لفن الكهف أمر بالغ الصعوبة، وقد ثبت ذلك في هذه الحالة حيث أن الصبغة السوداء كانت مصنوعة من معادن غير عضوية داكنة مع مكون صغير فقط من الفحم الذي يمكن استخدامه للتأريخ بالكربون المشع.
كما أن عدم تصوير أي رمزية مسيحية أو إسلامية أو هندوسية، ووجود الحيوانات المنقرضة، والافتقار إلى الزخارف الحديثة والأبجدية المستخدمة في اللغة الملغاشية الحديثة، يتناقض بشدة مع فكرة الأصل الحديث للفن.
ويرجح أن عمر هذا الفن يبلغ نحو 2000 عام، ويعود تاريخه إلى زمن كليوباترا أو حتى قبل ذلك، على الرغم من أن عدم وجود قطع فنية مماثلة يجعل من الصعب التوصل إلى نتيجة نهائية.
المصدر: لايف ساينس