وقد أدت الصراعات المتكررة في البلاد بالفعل إلى نزوح ما يصل إلى 3.2 مليون سوداني داخليا، وتدفع أعمال العنف الحالية المزيد من الناس إلى الفرار. وبحسب التقديرات، فقد عبر نحو 20 ألف سوداني من دارفور إلى تشاد، حيث يعيش نحو 400 ألف لاجئ في 13 مخيما منذ سنوات عديدة. وتوجه نحو 10 آلاف شخص شمالا إلى مصر في أواخر أبريل. كما ينتهي المطاف باللاجئين في جنوب السودان وإثيوبيا، حيث أثرت الأمطار الغزيرة الأخيرة والفيضانات الناتجة عنها على مئات الآلاف من الأشخاص.
ودمرت الفيضانات المنازل والماشية والأراضي الزراعية، ما قد يؤدي إلى مزيد من الهجرة من الريف إلى الحضر داخل المنطقة.
وفي هذه البلدان المستقبلة، قد يطغى وصول آلاف اللاجئين على البنية التحتية الهشة بالفعل وخدمات الصحة العامة لبعض السكان الأكثر ضعفا في العالم.
وعلاوة على ذلك، يستضيف السودان نفسه أحد أكبر تجمعات اللاجئين في إفريقيا، ويفكر العديد منهم في العودة إلى ديارهم. على سبيل المثال، فر نحو 70 ألف لاجئ من إثيوبيا إلى السودان خلال الصراع الأخير في تيغراي. وإذا فعلوا ذلك، فإن حركات العودة ستضاف إلى تدفق اللاجئين الذين ينتقلون إلى البلدان المجاورة.
ولدعم اللاجئين والعائدين، هناك حاجة إلى الاهتمام في المناطق الحضرية حيث ينتهي بهم الأمر دائما، تقريبا، في مستوطنات عشوائية.
على سبيل المثال، مدينة أديس أبابا عاصمة إثيوبيا، حيث تشير التقديرات إلى أن أكثر من 80% من سكان المدينة يعيشون في مستوطنات عشوائية: مناطق غالبا ما تفتقر إلى المياه النظيفة أو إدارة النفايات، حيث يتم بناء المساكن من المواد الموجودة المتاحة، والطرق غير معبدة، والكهرباء متقطعة في أحسن الأحوال.
وتعد المستوطنات غير الرسمية في أديس أبابا - مثل العديد من المدن حول العالم - من أكثر الأماكن اكتظاظا بالسكان على وجه الأرض، ومع ذلك فإن أحداثا مثل الأزمة السودانية الحالية والتهجير الذي تسببت فيه ستسهم في توسعها بسرعة.
وتعد أديس أبابا بالفعل واحدة من أكبر المدن في إفريقيا (يزيد عدد سكانها عن 5 ملايين)، وهي تنمو بسرعة، وخاصة المستوطنات العشوائية. لكن الإدارة الحضرية للمستوطنات غير الرسمية تمثل تحديا غير عادي، وحتى تحديد مواقعها يمثل عقبة رئيسية في وجه المخططي لدى الحكومة المحلية.
وهذه المستوطنات غير الرسمية في أديس أبابا هي الوجهة الرئيسية لمعظم المهاجرين (الداخليين والدوليين). وتتميز هذه المناطق ببنية تحتية إما غير موجودة أو ناقصة بشدة، وتواجه التحدي المزدوج المتمثل في تفاقم تغير المناخ وسياسة بيئية حضرية سيئة.
وتدهورت المناظر الطبيعية الجبلية في أديس أبابا بالفعل بسبب إزالة الغابات وتآكل التربة من الانتشار المستمر للمستوطنات العشوائية. وعادة ما يرتبط مثل هذا البناء غير المرخص بنظم الصرف السيئة، والتخلص غير السليم من النفايات، وفقدان المساحات الخضراء، ما يؤدي إلى تفاقم تعرض المنطقة للضغوط.
وعلى وجه الخصوص، يؤدي هذا التوسع الحضري السريع والتوسع في المستوطنات العشوائية إلى تفاقم تعرض المدينة للفيضانات. ومن المقدر أن يساهم الانخفاض في المساحات الخضراء وحدها في المزيد من الفيضانات والانهيارات الأرضية.
وحاول الباحثون من جامعة تافتس في مدينة بوسطن في ولاية ماساتشوستس، رسم خرائط للمستوطنات العشوائية في المدن الإفريقية الداخلية، بما في ذلك أديس أبابا، باستخدام بيانات الأقمار الصناعية وصور التجوّل الافتراضي من "غوغل". وعملوا من خلال هذه الخرائط على توقع تأثيرات المناخ مثل الفيضانات عبر المدن.
ووجدت نمذجة المناخ أن المستوطنات غير الرسمية معرضة لخطر كبير للفيضانات اليوم، ومعرضة لخطر أكبر في غضون 25 و50 عاما، بالنظر إلى الزيادات المتوقعة في هطول الأمطار الموسمية في المستقبل.
وتأتي الفيضانات مع مخاطر كبيرة على حياة الإنسان والممتلكات، ما يهدد بجرف المنازل غير المستقرة والحياة داخلها.
ومن دون بدائل أفضل، يعرض اللاجئون السودانيون الذين يصلون إلى مستوطنات عشوائية في البلدان المجاورة أنفسهم لنوع مختلف من الخطر: المخاطر البيئية.
وسيؤدي وصولهم إلى زيادة العبء على البنية التحتية الهشة للمستوطنات العشوائية وتفاقم مخاطر الفيضانات الحالية. وبالتالي يمكن أن تزيد أزمة السودان من تأجيج المخاطر البيئية في المستوطنات الحضرية العشوائية في جميع أنحاء المنطقة.
وتوفر المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR) مأوى مؤقتا للاجئين السودانيين، لكن العديد منهم سيتخلى في نهاية المطاف عن المساعدة الإنسانية الرسمية ويتوجه إلى المستوطنات غير الرسمية في المدن المجاورة، حيث يوجد لدى الكثير منهم عائلات وشبكات عرقية. لكن من دون دعم مباشر، تواجه هذه المدن نتائج كارثية محتملة.
وتعد الخرائط المصممة والغنية بالبيانات التي تحدد المخاطر الحضرية والمناخية المتقاطعة أمرا حيويا لفهم أين توجد أكبر التهديدات للسكان الأكثر ضعفا في المدن، وأين يتم بناء البنية التحتية مثل المجاري وأنظمة المياه النظيفة والصرف للمساعدة على إدارة واستدامة التدفق الجديد للفارين من الصراع. إنها خطوة صغيرة ولكنها حاسمة للتخفيف من حدة المعاناة المنتشرة في جميع أنحاء المنطقة في أوقات الأزمات.
المصدر: phys.org