ونظرا لأنه لا غنى عنها في التكنولوجيا الحديثة، مثل الثنائيات الباعثة للضوء المعروف اختصارا بـLED، والهواتف المحمولة، والمحركات الكهربائية، وتوربينات الرياح، والأقراص الصلبة، والكاميرات، والمغناطيس، والمصابيح المنخفضة الطاقة، فقد زاد الطلب عليها بشكل مطرد خلال العقود القليلة الماضية، ومن المتوقع أن يرتفع الطلب بشكل أكبر بحلول عام 2030.
ونتيجة لندرتها والطلب عليها، فهي باهظة الثمن: على سبيل المثال، يكلف كيلو أكسيد النيوديميوم حاليا نحو 200 يورو، كما تكلف نفس الكمية من أكسيد التيربيوم نحو 3800 يورو. وتحتكر الصين تقريبا تعدين العناصر الأرضية النادرة (أو المعادن الأرضية النادرة)، على الرغم من الإعلان عن اكتشاف احتياطيات هائلة واعدة (أكثر من مليون طن متري) في كيرونا بالسويد في يناير 2023.
ويمكن أن يكون هناك مصدر آخر لهذه المعادن القيمة وهو مياه الصرف من الصناعات المعدنية والتعدين، وكذلك الشركات العاملة في معالجة الإلكترونيات.
وتم توضيح هذا الاحتمال من قبل علماء ألمان، في ورقة بحثية نُشرت في مجلة Frontiers in Bioengineering and Biotechnology.
فقد أجرى توماس بروك وزملاؤه من جامعة ميونيخ التقنية تجارب معملية على 12 نوعا غريبا إلى حد ما من البكتيريا الزرقاء التي تعيش في الصحاري والمسطحات المائية الشديدة الملوحة والتربة الملوثة وغيرها من المنافذ المتطرفة.
وأظهرت التجارب أنه يمكن للكتلة الحيوية لبعض البكتيريا الزرقاء الغريبة ذات التركيب الضوئي أن تمتص بكفاءة العناصر الأرضية النادرة من مياه الصرف الصحي المتأتية من التعدين أو إعادة تدوير النفايات الإلكترونية، والتي يمكن بعد ذلك عزلها من كتلتها الحيوية وجمعها لإعادة استخدامها.
وقال الدكتور بروك: "قمنا بتحسين ظروف امتصاص العناصر الأرضية النادرة من قبل الكتلة الحيوية للبكتيريا الزرقاء، وتميزنا بأهم الآليات الكيميائية لربطها. يمكن استخدام هذه البكتيريا الزرقاء في عمليات صديقة للبيئة في المستقبل لاستعادة العناصر الأرضية النادرة ومعالجة مياه الصرف الصناعي في وقت واحد".
والامتصاص الحيوي هو عملية استقلابية سلبية للربط السريع والقابل للانعكاس للأيونات من المحاليل المائية إلى الكتلة الحيوية.
وقام بروك وزملاؤه بقياس إمكانات الامتصاص الحيوي للعناصر الأرضية النادرة من اللانثانوم والسيريوم والنيوديميوم والتيربيوم بواسطة 12 سلالة من البكتيريا الزرقاء في الثقافة المختبرية (طريقة لتطوير الكائنات الحية الدقيقة والبكتيريا وغيرها من الأصول البيولوجية).
ولم يتم تقييم معظم هذه السلالات من قبل لإمكاناتها التكنولوجية الحيوية. وتم أخذ عينات منها من موائل (منطقة بيئية طبيعية) عالية التخصص مثل التربة القاحلة في الصحاري الناميبية، أو سطح الأشنات (كائنات تنمو فوق الصخور على شكل قشرة رقيقة) حول العالم، أو بحيرة النترون في تشاد، أو الشقوق في الصخور في جنوب إفريقيا، أو الجداول الملوثة في سويسرا.
ووجد العلماء أن نوعا جديدا غير مميز من النوستك (Nostoc)، وهو جنس من الكتيريا الزرقاء، كان يتمتع بأعلى قدرة على الامتصاص الحيوي لأيونات من هذه العناصر الأرضية النادرة الأربعة من المحاليل المائية، بكفاءات تتراوح بين 84.2 و91.5 مغ لكل غرام من الكتلة الحيوية، بينما كان لدى بكتيريا Scytonema hyalinum الأقل كفاءة عند 15.5 إلى 21.2 مغ لكل غرام. كما كانت البكتيريا المتعاقبة الحبيبية المتطاولة (Synechococcus elongates) elongate والـ Desmonostoc muscorum والـ Calothrix brevissima وأنواع جديدة غير محددة من الـKomarekiella، فعالة أيضا.
ووجد العلماء أن الامتصاص الحيوي يعتمد بشدة على الحموضة: كان أعلى عند درجة حموضة بين خمسة وستة، وأخذ ينخفض بثبات في المحاليل المتزايدة الحمضية.
وكانت العملية أكثر فاعلية عندما لم تكن هناك "منافسة" على سطح الامتصاص الحيوي على الكتلة الحيوية للبكتيريا الزرقاء من الأيونات الموجبة لمعادن أخرى غير العناصر الأرضية النادرة مثل الزنك أو الرصاص أو النيكل أو الألومنيوم.
واستخدم الفريق تقنية تسمى التحليل الطيفي بالأشعة تحت الحمراء لتحديد المجموعات الكيميائية الوظيفية في الكتلة الحيوية المسؤولة في الغالب عن الامتصاص الحيوي للكائنات الأرضية النادرة.
واستنتج العلماء أن الامتصاص الحيوي للعناصر الأرضية النادرة بواسطة البكتيريا الزرقاء ممكن حتى عند التركيزات المنخفضة للمعادن. كما أن العملية كانت سريعة أيضا، على سبيل المثال، تم امتصاص معظم السيريوم في المحلول بيولوجيا في غضون خمس دقائق من بدء التفاعل.
المصدر: phys.org