ووجد الباحثون أنه عندما يركز الناس على "استبدال" فكرة بأخرى، أو "تصفية" أذهانهم من خلال التأمل، أن بصمات الدماغ للفكرة تتلاشى بشكل أسرع، تاركة فقط بقايا في الخلفية.
وعندما يركز الناس على "قمع" فكرة جديدة، فإن أثرها يستغرق وقتا أطول لتختفي، على الرغم من أنها عندما تختفي في النهاية، يكون رحيلها أكثر اكتمالا.
وتقول أستاذة علم النفس ماري بانيش، من جامعة كولورادو، بولدر، حول النتائج: "شعرنا بسعادة غامرة. هذه هي الدراسة الأولى التي تتجاوز مجرد سؤال شخص ما، هل توقفت عن التفكير في ذلك؟. ويمكنك في الواقع إلقاء نظرة على نشاط دماغ الشخص، ورؤية نمط الفكر ثم مشاهدته وهو يتلاشى أثناء إزالته".
ويعد الإفراط في التفكير أحد أعراض العديد من الاضطرابات النفسية، بما في ذلك الاكتئاب والقلق واضطراب ما بعد الصدمة (PTSD)، واضطراب الوسواس القهري، ويُعتقد أنه ينشأ عن نوع من العجز في الذاكرة العاملة لدى الشخص، وهي جزء من أدمغتنا تهتم بما هو في متناول اليد، ويمكن أن تحتوي فقط على الكثير من المعلومات، عادة زهاء ثلاثة أو أربعة مفاهيم في وقت واحد. لذلك من الضروري التخلص من الأفكار غير ذات الصلة، وتخزين الأفكار ذات الصلة للمستقبل.
ولسوء الحظ، يصعب إبعاد الأفكار السلبية، ولكن عندما نضع عقولنا بوعي في ذلك، يكون لدينا بعض التحكم في كيفية معالجة المعلومات في أدمغتنا. وثبت أن بعض التدريبات العقلية تنقي الذهن بشكل أسرع، والبعض الآخر أبطأ، وهناك تقنيات لا تعمل على الإطلاق.
ومع ذلك، فإن العديد من هذه النتائج تستند ببساطة إلى التقارير الذاتية أو الاختبارات السلوكية غير المباشرة. ويمنحنا تصوير الدماغ قياسا أكثر موضوعية.
وأظهرت أبحاث التصوير السابقة من عام 2015، أن تغيير محتويات ذاكرتك العاملة ينشط المنطقة الجدارية للدماغ، حيث نتلقى المعلومات الحسية ونعالجها. ومع ذلك، فإن مسح محتويات ذاكرتك العاملة ينشط قشرة الفص الجبهي، والتي تشارك في العمليات المعرفية المعقدة مثل اتخاذ القرار.
ومن المثير للاهتمام أن المتطوعين في هذه الدراسة الذين واجهوا صعوبة أكبر في التحكم في أفكارهم الداخلية، أظهروا نشاطا أكبر في قشرة الفص الجبهي ومنطقة بروكا المرتبطة بالكلام الداخلي.
وأجرى بحث 2015 العديد من الباحثين المشاركين في الدراسة الجديدة، ويركز على ثلاث استراتيجيات متميزة لإزالة الأفكار من عقلك.
وأثناء الاستلقاء داخل آلة التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي (fMRI)، عُرضت على 50 مشاركا بشكل عشوائي صورا لوجوه مشهورة وفواكه ومشاهد يمكن التعرف عليها، والتي فكروا فيها بنشاط لمدة أربع ثوان لكل منها.
وعند إنشاء "آثار دماغية'' لكل عنصر من هذه الأشياء، طُلب من المشاركين إما مسح الفكرة بالتأمل، أو قمع الفكر بالتركيز عليه ثم نسيانه بنشاط، أو استبدال الفكرة بشيء آخر شوهد في الدراسة.
وبتحليل البيانات الناتجة باستخدام التعلم الآلي، اكتشف الباحثون تسلسلا هرميا لمناطق الدماغ التي تشارك بدرجات متفاوتة في التحكم في أفكارنا، بما في ذلك المناطق الجدارية والأمامية القطبية، بالإضافة إلى الفص الجبهي الظهراني المرتبط بالانتباه والذاكرة العاملة.
ومن خلال النظر إلى أنماط نشاط الدماغ، كان الفريق قادرا على إظهار متى تمت إزالة فكرة من ذاكرة العمل لدى الشخص - لأول مرة في هذا المجال.
وما يزال من غير الواضح بالضبط ما يحدث لكل هذه المعلومات في الدماغ، لكنه يشير إلى إمكانية إزالة فكرة بسرعة وبشكل مؤقت من ذاكرتنا العاملة مع التركيز الصحيح للانتباه. ويمكن أيضا إزالتها بشكل دائم، ما يفسح المجال لأفكار جديدة، من خلال "التدخل" الذهني الاستباقي.
وتقول بانيش: "وجدنا أنه إذا كنت تريد حقا أن تتبادر إلى ذهنك فكرة جديدة، فعليك أن تجبر نفسك عمدا على التوقف عن التفكير في الفكرة القديمة".
وإذا كنت تدرس موضوعا ما، على سبيل المثال، وتحتاج إلى الغوص في موضوع آخر، فقد ترغب في محاولة قمع ذاكرتك العاملة أولا. وعندما يتعلق الأمر بالصحة العقلية، غالبا ما يُعتبر قمع الذكريات طويلة المدى أمرا سيئا. وفي حالات اضطراب ما بعد الصدمة، كما يشير الباحثون، يمكن أن يسمح للصدمات بأن تغلي تحت السطح، وبالتالي زيادة تأثيرها. ونتيجة لهذا التفكير، غالبا ما يستخدم العلاج بالتعرض لمعالجة بعض الذكريات المؤلمة وإعادة هيكلتها، بحيث تتحمل وزنا عاطفيا وعقليا أقل على المدى الطويل.
ومع ذلك، تشير هذه النتائج الجديدة إلى أن الذاكرة العاملة قد تكون مستهدفة أيضا للعلاج
وهناك حاجة إلى المزيد من البحث لاستكشاف كيف تتعطل بصمات الدماغ والعمليات المعرفية لدى المصابين بالاكتئاب أو القلق أو اضطراب ما بعد الصدمة. ولكن بمجرد أن تصل الذاكرة إلى الوعي وتدخل في الذاكرة العاملة للشخص، يعتقد المعدون أن القمع قد يكون في الواقع أداة أولية قيمة للبعض، "لأن هذه العملية تسمح بإزالة المعلومات من العقل بشكل كامل".
وبالمقارنة، فإن استبدال أو مسح فكرة من الذاكرة العاملة يأخذ هذا العنصر فقط من انتباهنا الواعي. وبينما يؤدي هذا إلى إلغاء تنشيط الأثر العصبي للعنصر، فإنه ما يزال يترك المعلومات كما هي.
ونُشرت الدراسة في Nature Communication.
المصدر: ساينس ألرت