ومن المثير للدهشة أن البحر الميت، وهو عبارة عن بحيرة ملحية مغلقة، أصبح في الواقع أكثر ملوحة مع مرور الوقت، على الرغم من أنه يحتوي بالفعل على أملاح أكثر بنحو 10 أضعاف ما هو موجود في مياه البحر المتوسط.
وهذا التغيير في الغالب مدفوع بالنشاط البشري، حيث تحولت المياه العذبة من نهر الأردن، والتي كانت تغذي البحر الميت، في العقود الأخيرة للاستخدام في أغراض أخرى في المنطقة كالري والتعدين ومياه الشرب.
ومع عدم وصول المياه العذبة، تتبخر مياه البحر الميت ببطء، تاركة بلورات الملح القشرية في قاع البحر.
ولكن هذه البلورات المالحة أربكت العلماء منذ عقود بسبب تكوينها والطريقة التي تتحرك بها داخل ما تبقى من البحر الميت.
وعلى وجه التحديد، بعد أن تم تحويل المياه العذبة التي كانت تصب في البحيرة فائقة الملوحة، لاحظ الباحثون أن بلورات الملح تتسرب في الطبقة العليا من المياه، كما لو كانت الثلوج تتساقط عبر المياه، ثم تتراكم في قاع البحيرة.
وتسمى هذه الظاهرة بشكل عام Salt fingering (هي عملية خلط تحدث عندما يكون الماء المالح الدافئ نسبيا أكثر برودة)، لكن العلماء لم يفهموا كيف كانت تحدث هذه الظاهرة في البحر الميت، لأنه من غير المعروف حدوثها في أي مسطحات مائية أخرى مفرطة في النشاط.
ويقول المهندس الميكانيكي رافائيل أويلون، من جامعة سانتا باربرا في كاليفورنيا، إن هذه التشكيلات الملحية تتكون صغيرة جدا في البداية، بحيث لا يمكن ملاحظتها، لكنها تتفاعل بسرعة مع بعضها البعض أثناء غوصها نحو الأسفل، فتشكل هياكل أكبر بكثير.
وأشار العلماء إلى أن النتيجة النهائية هي عبارة عن تدفق ملحي قوي إلى الأسفل يؤدي إلى انخفاض في الطبقة المائية العليا، في حين أن الطبقة السفلية الأكثر برودة، تصبح مشبعة ويترسب فيها الهاليت (الملح الصخري).
وأوضح العلماء أن هذه الظاهرة يمكن أن تفسر أيضا تراكم تكوينات الملح الضخمة الأخرى الموجودة في السجل الجيولوجي.
وقال الباحث في ديناميات السوائل، إيكارت ميبورغ: "نعلم أن العديد من الأماكن حول العالم تحتوي على رواسب ملحية سميكة في قشرة الأرض، ويمكن أن تصل سماكتها إلى كيلومتر واحد، لكننا لسنا متأكدين من كيفية توليد رواسب الملح هذه عبر التاريخ الجيولوجي"، وأضاف: "الآن، نحن على بعد خطوة واحدة من فهم السبب وذلك بفضل نموذج حي هو البحر الميت".
المصدر: ساينس ألرت