مباشر

هل أطفالنا مشاريع استثمار؟

تابعوا RT على
عام جديد يدق الأبواب هو مناسبة، سعيدة لبعض وسعيدة بالنمطية لبعض آخر.. فيما هو حد فاصل يعود ليطرح معادلة "قبل وبعد"، التي تفرض نفسها لإعادة الحسابات، بما في ذلك ما يخص مسألة الزواج.

وفي سياق حوار دار مؤخرا مع بعض الزملاء بشأن الاستعدادات للاحتفال برأس السنة الجديدة، تحدث أحدهم عن السنوات التي باتت تمر سريعا، مشيرا، وهو لم يتجاوز الخامسة والعشرين من عمره، إلى أنه لم يحقق حلمه حتى الآن بالزواج من بنت الحلال، ما دفعني إلى سؤاله عن سبب تأجيل الحدث السعيد، وما إذا كانت هناك اعتراضات من جانب أهلها مثلا، ليرد نفيا وهو يضحك قائلا: ألا يجب أن أعثر عليها أولا؟

إذا.. الزميل الشاب ينظر إلى الزواج كهدف قائم بذاته يجب تحقيقه، ولتحقيقه لا بد من عنصر يُطلق عليه شريك حياة، على الرغم من أنه في واقع الحال قد يكون شريك النمطية في الحياة.

في الكثير من الأحيان، تتأتى الرغبة في الزواج من واقع الفرض والإجبار، فتشكل ضغطا نفسيا يحول دون التفكير في الأمر وتدبّره، انطلاقا من الرغبة الشخصية، بسبب الأعراف السائدة في المجتمع، والأهل، الذين لا يترددون في استخدام أسلحة الابتزاز، كالتذكير الدائم بأمنية السيدة الوالدة في أن تلقي نظرة على حفيدها قبل أن تموت، والقول إن الزواج نصف الدين.

تعيد مسألة نصف الدين هذه إلى الذهن ما قاله ممدوح، الشخصية التي جسدها الفنان فؤاد المهندس في فيلم "العريس يصل غدا": أنا ديني مكتمل والحمد لله والأخلاق كومبليه.. وبصراحة أنا الجواز بالنسبه لي يطيّر النص اللي عندي.

من المهم كذلك الأخذ بعين الاعتبار أن الابتزاز قد يكون متبادلا. فالأبناء يكتسبون هذه المهارة من آبائهم، وقد يبلغ الأمر وضع شروط تعجيزية، كما فعل أحد أبناء عمومتي، حين قال لوالدته إنه لن يتزوج إلا بفتاة، تشبه سميرة توفيق في أغنية "وح وح وآني بردانه"، ما دفعها للاستنفار والاستفسار بين الجارات والخياطات في الكويت ودول الجوار، وكادت أن ترسل الحمام الزاجل إلى أقرباء في كندا.. حتى لبّت طلبه.

وبعد سنوات من السعادة مع "سميرة"، تقدم بها العمر لتصبح شبيهة بعزت العلايلي.. ولا تزال السعادة تجمعهما.

من المعروف أن الزواج، في مجتمعاتنا الشرقية، يرتبط باعتبارات تبدو في واقع الحال واهية لا وزن لها، كالحسب والنسب، والمكانة الاجتماعية، ناهيك عن المعيار الكارثي، ألا وهو الجمال، المرتبط تلقائيا بالجنس. لذا يولي الشباب أهمية كبيرة لجمال شريكة الحياة، علما أن هذا المعيار يجب أن يكون في ذيل قائمة اهتمامات الراغبين بالزواج.. لأن الجمال أشكال وألوان، ولا يحول لاحقا دون الرغبة في البحث عن جمال ذي نكهة من نوع آخر.

لا بد، أو فلنقل من الطبيعي أن يطرح الكثير من الأزواج، ذكور وإناث، تساؤلات حول هذا الأمر، منها، هل تم الزواج مبكرا.. أم تراه متأخرا؟ أيهما أولى.. إنجاب الأطفال والانشغال بتربيتهم أم العمل والتقدم في السلم المهني؟ هل كان اختيار شريك الحياة صحيحا؟ وهل كان قرار الارتباط بحد ذاته صحيحا؟

توجهت إلي ذات يوم الشابة كريستينا، سكرتيرة شركة كنت أعمل فيها، وكانت في حالة معاناة بسبب علاقة جمعتها بشابين، وحان الوقت لاختيار أحدهما للارتباط به.

أذكر أنني قلت لها.. لو كنت مكانك يا كريستينا لتخليت عن هذه الفكرة أصلا، خاصة إذا ما بلغ الأمر حد المقارنة، لأنه أيا كان الخيار ستندمين. الشاب الذي ستضحين به سيكون في نظرك دائما هو الأفضل، فالخيال أحلى وأجمل من الواقع.. وهو ما صارحتني به بعد سنوات.

يرى الكثير من الناس في الزواج مشروعا، يرمي إلى تخليد اسم العائلة، علاوة على أنه مشروع استثماري بامتياز، بحيث يُنظر إلى "ولي العهد" المنتظر بمثابة مليونير المستقبل، الذي سيعوّض صبر أهله خيرا.. و"يا ويله يا سواد ليله" إذا كانت حياته مجرد حياة كريمة تغنيه عن مد يده للناس.

تروي في هذا السياق طرفة روسية أن أبا رمق ابنه يطالع في كتبه الدراسية فسأله: ماذا تفعل؟ أجاب الابن بأنه يحل الواجب المدرسي فرد والده فورا: اترك عنك هذا واذهب للعب كرة القدم.

أتذكر في هذا الصدد حوارا مع أحد سائقي التاكسي في مقتبل العمر، وكان ذلك في منتصف التسعينيات، دار عن الزواج والأطفال، فأذكر أنني قلت للسائق إنه من الجيد أن يُرزق الإنسان بأطفال يفخر بهم، ليرد سريعا: "وما حاجتي أنا لأفخر بهم؟ من الأفضل أن يفخروا هم بي". أعادني رد سائق التاكسي الحكيم هذا إلى زميل له في العقد السادس من عمره، كنت قد سألته مداعبا عمّا إذا كان متزوجا، فرد وهو يقهقه بالإيجاب، ثم أضاف أن أحفاده أكثر من أولاده.

هنا سألته.. هل تنصحني بالزواج؟ رد الرجل بما أعتبره من تلك الأقوال المأثورة التي تُنسب إلى مجهول: "لا أتخيل حياتي دون زوجتي وأبنائي وأحفادي. ولكن لو عاد بي الزمن إلى لحظة اتخاذ القرار بالزواج لما اتخذته".

الاستنتاج الذي يمكن أن يخلص إليه أي منا.. هو أن سائقي سيارات الأجرة في روسيا، وبشكل عام، يتمتعون ببعد أفق ونظرة فلسفية للحياة، وذلك لطبيعة عملهم التي تصنع منهم علماء نفس وأخصائيين في علم الاجتماع بالممارسة. أما إذا أردنا أن "نتكلم بجد".. فالاستنتاج الأهم هو أن الزواج ليس معادلة رياضية تحتمل إجابة صحيحة واحدة.

الزواج، وعدم الزواج كذلك، هو قرار قد يكون محوريا في حياة الإنسان، ومن الطبيعي أن يتم اتخاذه انطلاقا من نمط حياة الشخص المعني باتخاذه وعقليته. فإذا كانت له رغبة برفيق عمر يشاركه حياته، يجب عليه أن يُقدم على هذه الخطوة. أما إذا كان الزواج مجرد عنوان لمرحلة ترتبط بفئة عمرية معينة، ترغم من يعيش فيها على القيام بها لمجرد أن هذه سُنّة الحياة.. فبكل تأكيد هو قرار خاطئ.. هكذا بكل بساطة. 

وعودة إلى زميلي الراغب بالزواج، سألني الشاب عمّا إذا كان لدي أولاد، فأجبته بأنني لا أعلم. وربما لو كنتُ ثريا لطرقت بابي سيدة من الماضي وهي تحمل صورة لتخبرني أنها لابني، ففوجئ عندما علم أنني لست متزوجا أصلا، فرمقني بنظرة شفقة، وكأنني حرمت نفسي من متعة لا تُعوّض وقال: ألم تفكر في نفسك عندما يتقدم بك العمر؟ ألا تريد أن يكون بجوارك شخص قريب منك يعتني بك؟

شخصيا.. لم أنظر يوما إلى مؤسسة الزواج بشكل جدي، وكلما رأيت عروس، بفستانها الأبيض، وعريس، ببدلته السوداء، تذكرت الآيزبيرغ (الجبل الجليدي) الذي جاب أجل التيتانيك. وحتى لو تغيرت نظرتي للزواج فهو أبعد ما يكون عن مزرعة لتفريخ بشر يجب أن يضعوا نصب أعينهم رعاية آبائهم وأمهاتهم والعناية بهم، وليس في ذلك انتقاص من حق الوالدين والبر بهما.

الرأي الصائب في هذه المسألة، من وجهة نظري، هو أن الحساب في مصرف أي رجل يرغب في أن يُرزق بالأولاد، يجب ألا يقل عن رقم في الدولار مُلحق بخمسة أصفار، وأن الأب مسؤول عن ابنه حتى لو بلغ عمره تسعين عاما.. و"عمره" هنا تعود على الأب وعلى الابن أيضا.

علاء عمر

هذا الموقع يستخدم ملفات تعريف الارتباط .بامكانك قراءة شروط الاستخدام لتفعيل هذه الخاصية اضغط هنا