بداية تجدر الإشارة إلى أن العناوين المذكورة، أعلاه وما على شاكلتها، إنما هي عناوين تلتقطها عين المتابع لمواقع إلكترونية عربية، تكاد تنفرد في هذه الصيغة، للتقليل من شأن شخص محدد، وتوجيه المتلقي وشحنه مسبقا، علما أن الكثير من هؤلاء في غنى عن هذا الشحن، إذ أنهم منحازون بالفعل لـ "محلل" على حساب "محلل" آخر، والكثير منهم يتبنى موقفه هذا بناء إما على الطلّة البهية، التي يتمتع بها "الأستاذ"، أو على ذوق "الدكتور" الرفيع في اختيار ربطات العنق.
من المآسي التي يعانيها الإعلام العربي هي أولئك المحللون السياسيون، الذين يتقدمون المشهد، مع كل ما يصبّونه على رؤوس مشاهديهم من تحاليل.. المعذرة.. أعني تحليلات، وإن كانت لا تخلو من فائدة في بعض الأحيان، إذا ما نظرنا إليها كعملية ترتيب للرفوف، أو وضع كل قطعة من "البازل" في مكانها الصحيح "#لتكتمل_الصورة"، بعد الإذن من RT ONLINE، لكنها لا ترقى بأي حال من الأحوال إلى المعنى الحرفي لكلمة "تحليل".
في الكثير من الأحيان، يبدو الحوار بين هؤلاء "المحللين" أشبه بعراك بين مراهقين، يتنازعون على قلب بنت الجيران، أو جدل تُصوَّر فيه الخلافات بين الدول وكأنها نزاع بين ربتيّ منزل، على حبل غسيل، الأمر الذي يجعل ما يقدمه هذا المحلل أو ذاك أقرب إلى طبق مخلل كي يختار المتلقي ما يحلو له منه.
ولكن وللإنصاف.. إذا كان هذا هو مستوى المختصّين، التي تُسلّط عليهم الأضواء باستمرار، حتى يخال إليك أنه، ولكي لا يتأخر على موعد البث المحدد، بات يعيش في القناة التلفزيونية التي تستضيفه.. فهل يُلام المتحمسون لهم؟
حقوق النشر والغسيل والكيّ.. محفوظة
عناوين "الغسل" و"الكنس" و"الشطف" هذه تستهوي أولا وأخيرا، من لا يكترث بالمحتوى، وإنما من يبني "رأيه" على العنوان والصورة المرفقة بالخبر، فيتفادى المؤيّد لضحية "النقاش" مشاهدة التسجيل، الذي يحظى بإقبال شديد من جانب المخالفين، علما أنه يكفي أحيانا إلقاء نظرة عابرة، ولكن موضوعية، على "الحوار" الذي دار بين "الغاسل" و"المغسول"، ليتبيّن سريعا أن العكس هو الصحيح، وأن المحلل - الغسّالة هو الذي خرج من هذه المناظرة هابطة المستوى أصلا بـ "سواد الوجه" بعد حمام بارد.. ولكن هل هذا مهم؟
وهنا يأتي دور جيوش المهتمين برفع رصيد محللهم المفضل، فينبرون لتلميع صورته وإظهاره كمنتصر مؤيد من عند الله، متخصص في الكنس والغسل والشطف، وذلك بتعليقات المعجبين به، ممن يتطوعون للردح وكيل الشتائم لخصم "محللهم" السياسي المفضل، بما يوحي دون أدنى شك بأنهم إما لم يطّلعوا على التسجيل، أو أنهم تابعوه انطلاقا من مقولة الإمام الشافعي: "وعين الرضا عن كل عيب كليلة *** ولكن عين السخط تبدي المساوِيا".
قد يتساءل أحدنا حينما يمر بمجموعة من عمال البناء أو النظافة.. تُرى كم رسّام مُلهم أو أديب عبقري أو عالم فذ يختبئ داخل هؤلاء، إلا أنه لم ينل فرصته ليكشف عن مواهبه، بما في ذلك في القدرة على قراءة الأحداث وتحليلها، التي ربما هو نفسه لا يدرك أنه يتمتع بها.. وذلك في مقابل تساؤل عمّن يصدّق فعلا أنه خبير أو محلل، علما أن أكثر ما يمكن أن يطمح إليه أحد هؤلاء أن يكون محللا شرعيا.. ورحم الله من عرف قدر نفسه.
علاء عمر