مباشر

دعوة مخزية من عضوي كونغرس لاستجواب مترجمة ترامب

تابعوا RT على
قرأنا قبل ساعات خبرا يفيد باستدعاء مترجمة رئيس الولايات المتحدة دونالد ترامب، وذلك من قبل العضوين في الكونغرس الأمريكي، جين شاهين، وجو كيندي الثالث.

وجاء هذا الاستدعاء لمثول المترجمة أمام المشرعين "لتطلعهم على حقيقة ما دار خلال اللقاء الذي جمع ترامب مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، الاثنين 16 يوليو، في هلسنكي"، بحسب عضو الكونغرس الأمريكي جين شاهين.

خبر كهذا يدفع من يعلم مدى معاناة المترجم الفوري بسبب عمله الصعب (الأشبه بالسير على حافة بركان قد ينفجر في جزء من الثانية) إلى إلقاء الضوء على مشاق هذه المهنة، وما يقاسيه المترجمون الفوريون أثناء فترات الترجمة، التي لا يجب أن تتجاوز مدة محددة (20 دقيقة بحد أقصى)، وضرورة وجود زميل، مرافق/بديل متأهب، لما يتعرض له دماغ المترجم من ضغط ذهني هائل.

كم هم مساكين هؤلاء المترجمون، الذين يجدون أنفسهم مرغمين في بعض الأحيان على تسديد فواتير، جزاء مهنيّتهم العالية التي تزكّيهم وتجعلهم في دائرة نخبة النخبة، وهو ما يبدو أن مترجمة ترامب، مارينا غروس، بصدده الآن، ولسان حالها ربما يقول.. "ليتني كنت مترجمة عادية أختبئ في الظل بعيدا عن الأنظار".

فبالإضافة إلى ما يعانيه المترجمون من شطحات بعض السياسيين، الراغبين في استعراض عضلاتهم اللغوية ومهاراتهم البلاغية، تتضمن صعوبات الترجمة الفورية أيضا الأمثال الشعبية والنكات، التي قد تفقد فحواها بالترجمة (لأن ما يضحك شعبا قد يكون ركيكا وتافها لشعب آخر)، وهو ما قد يسبب إحراجا للمترجَم له أولا وأخيرا.

علاوة على ما تقدم، يعاني المترجمون الفوريون من مشاكل الإطالة، والإطالة المبالغ بها في بعض الأحيان.. (كلمة العقيد الليبي الراحل معمر القذافي في هيئة الامم المتحدة مثالا)، أو بسبب الإحراج الذي قد يسببه هذا الرئيس أو ذاك المسؤول للمترجم، باستخدام مفردات عفا عليها الزمن لخدمة مصالح معينة.. (وربما لا يزال حاضرا في الذاكرة ذاك المؤتمر الصحفي للزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات في باريس عام 1989، واستخدامه آنذاك لكلمة "كادوك" الفرنسية في وصفه الميثاق الوطني الفلسطيني، ما أدى إلى بلبلة في المؤتمر وبعده، وأثار تساؤلات حول ما إذا كان الميثاق متقادما أم لاغيا).

هل تقتصر معاناة المترجمين الفوريين على ذلك فقط؟ بالطبع لا.

يتعرض هؤلاء المغلوب على أمرهم في الكثير من الأحيان إلى انتقادات من أقرب المقربين، الذين يلومون المترجم الفوري، لا سيما إلى العربية، لأنه لم يلتزم بقواعد اللغة العربية السليمة.. ما يعتبره المنتقدون عادة انعداما في دقة الترجمة ككل، وذلك لأن المترجم فتح المرفوع أو كسر المسكون، علما أن هذا المسكين يظل في حالة ارتباك مهما طالت سنوات خبرته. فكل مؤتمر أو حوار، لا ثابت أو متوقع فيه سوى غير المتوقع من مطبّات.. إذ إن كل ترجمة وكأنها الترجمة الأولى.

وبالعودة إلى مترجمة الرئيس الأمريكي، فلا بد من إعلان التضامن مع السيدة غروس، وتسجيل الاعتراض على هذا الاستدعاء المُشين والمثير للأسف، ومطالبة عضوي الكونغرس، صاحبي المبادرة المُخجلة، جين شاهين وجو كيندي الثالث، بالعدول عن هذا الإجراء المُخزي، إذ إن من شأن ذلك الإجراء أن يحوّل المترجم إلى جاسوس، ويجعله رهينة ظروف لا ناقة له فيها ولا جمل، في مسعى لتقويض نزاهته المهنية. كما يجب استنكار كل أنواع الضغط والتهديد والابتزاز، التي يمكن أن تتعرض لها المترجمة المُستهدفة من قِبل عضوي الكونغرس المذكورين أعلاه، شأنها في ذلك شأن أي من زملائها الذين قد يجدون أنفسهم في حالات مماثلة.

ألم يعلمنا الأمريكان أنفسهم القاعدة الشهيرة.. ?what happens in Vegas stays in Vegas

في الحقيقة أنها معضلة.. فماذا لو كان المترجم شاهدا على مباحثات توصلت إلى نتائج كارثية على بلاده؟! ترى هل يتحلى بالأمانة المهنية ويلتزم الصمت، أم ينحّي ذلك جانبا في سبيل الوطن؟ ما الحل في هذه الحالة؟ هل يتعين على العالم، للخروج من هذا المأزق، أن يكون على موعد مع زعماء، يدخلون إلى قاعات المباحثات وهم يجروّن عربات صغيرة، محملة بالمعاجم اللغوية والقواميس؟ أم هل سنرى القادة وهم يجتهدون كالتلاميذ النجباء في تعلم اللغات الأجنبية للاستغناء عن خدمات المترجمين الفوريين؟ (ما يعيد إلى الأذهان اسم الدبلوماسي الروسي، ألكسندر غريبويدوف، الذي كان يتقن تسع لغات بما فيها العربية).

ومع ذلك لا يخلو الأمر من طرائف بطبيعة الحال.. منها ذلك الالتباس الذي وقع بسبب الخلط بين البيت الأبيض والدار البيضاء، في برقية بعثها دبلوماسي ألماني إبان الحرب العالمية الثانية جراء ترجمة غير دقيقة.

كما تجدر الإشارة هنا إلى أنه باستطاعة المترجم أن يتحول إلى مخرج عمل فني ويديره بحرفية.. وهو ما أورده السفير، الدبلوماسي الأسترالي، ريتشارد وولكوت، الذي شغل منصب وزير الخارجية في بلاده لأربعة أعوام، في كتابه "عمل غير دبلوماسي"، حين سرد قصة عن وزير دولة آسيوية كان يزور كوريا الجنوبية، وشرع في حكاية نكتة طويلة لم يفهمها المترجم، الذي لم يظهر عدم فهمه لتلك النكتة، لكنه نجح في احتواء الموقف وأن يجعل الجمهور يضحك لا بل ويصفق أيضا، ليكشف لاحقا أن كل ما قاله للحضور هو إنه لم يفهم نكتة الوزير، وطلب منهم الضحك والتصفيق لتفادي الإحراج.

ربما تلك هي الضريبة التي يجب أن يسددها المترجم الفوري، لكونه مستودع أسرار من العيار الثقيل.. وهنا ربما تذكّر القارئ النكتة الروسية القديمة عن المافيا، التي اختطفت ثريا أجنبيا وطالبته، بمساعدة مترجم، بالكشف عن مكان في إحدى الغابات، يخبئ فيه أموالا سرقها. وبعد "مفاوضات" طويلة دون جدوى، هددته المافيا بقتله، فما كان من الرجل إلا أن شرح للمترجم شرحا طويلا ومفصلا عن مكان المسروقات، ليردّ المترجم بإجابة مقتضبة: "يقول لكم.. اقتلوني".

علاء عمر

هذا الموقع يستخدم ملفات تعريف الارتباط .بامكانك قراءة شروط الاستخدام لتفعيل هذه الخاصية اضغط هنا