مغامرون أقل منه شأنا بكثير مثل جياكومو كازانوفا، تتردد أسماؤهم وتنتشر سيرهم، إلا أن بينيفسكي، المغامر النمساوي من أصل مجري، أقل حظا منهم.
موريتز بينيفسكي مثل كازانوفا، كان "زير نساء"، يتمتع بجاذبية خاصة وقدرة على اللعب بقلوب العذارى واستغلالهن في تنفيذ مخططاته، كما فعل في روسيا القيصرية حين نفي بسبب نشاطاته التأمرية إلى جزيرة كامتشاتكا في أقصى شرق البلاد، باستمالته ابنة حاكم المنطقة وفرارها معه. هذا المغامر المحتال، كانت زوجته تنتظره في ذلك الوقت، وكان يسعى للهرب للالتحاق بها في أوروبا.
موريتز أوغست بينيفسكي ولد في الإمبراطورية النمساوية بتاريخ 20 سبتمبر عام 1746 في قرية تسمى "فربوف" توجد حاليا ضمن سلوفاكيا. والده من أصل مجري، وكان عقيدا متقاعدا، وكان ترتيب موريتز الحادي عشر بين 13 طفلا.
ما أن بلغ موريتز سن العاشرة حتى بدأ في دراسة العلوم العسكرية، وفي سن 16 عاما التحق بالخدمة العسكرية النمساوية، وشارك في حرب السنوات السبع "1756 – 1763، صل بنهايتها على رتبة نقيب.
بعد تلك الحرب دخل في نزاع مع أسرته وكان عمره سبعة عشر عاما بسبب حرمان والده له من الميراث عقابا له على سلوكه السيء. استغل عددا من الخدم وجمع مرتزقة وطرد أخواته وأزواجهن من ضيعة الأسرة، وكان أن اضطر إلى الهرب بعد هذه الفعلة من ملاحقة السلطات إلى بولندا، وأبحر منها إلى الهند.
عاد في عام 1768 إلى بولندا وشارك في تمرد ضد السلطات القيصرية الروسية. حينها وقع في قبضة القوات الروسية وتم إطلاق سراحه بشروط، إلا أنه لم يتلزم وتم القبض عليه عدة مرات لتنقله من مدينة إلى أخرى. ضاقت السلطات به ذرعا، فتم نفيه إلى كامتشاتكا.
من تلك الجزيرة الروسية النائية دبر المكائد وحاك المؤامرات واستولى مع مجموعة من المجرمين على سفينة أبحر بها إلى اليابان، ثم تايوان وماكاو ووصل إلى موريشيوس.
لاحقا وصل إلى باريس، وأصبح شخصية مشهورة في صالوناتها باعتباره بطلا رومانسيا، ورحالة لا يشق له غبار، والرجل الذي فر من "سيبيريا الرهيبة".
عرض عليه الفرنسيون قيادة رحلة استكشافية إلى مدغشقر. أبحر إلى هناك مع 250 أوروبيا بينهم 11 شخصا من رفاقه القدماء.
وصل على مدغشقر في عام 1774، وأسست المجموعة على ساحلها مدينة لويبورغ. حظي موريتز بمكانة كبيرة بين السكان المحليين، وزعم أنه ينتمي إلى السلالة الحاكمة. نجح مسعاه ونصبه شيوخ القبائل المحلية في عام 1776 حاكما أعلى للجزيرة.
بسبب مؤامرات خصومه، توقفت باريس عن تقديم المساعدات له، واضطر هذا المغامر العنيد إلى السفر إلى أوروبا ثم إلى أمريكا منخرطا هنا وهناك في حروب محلية.
بقي حلم الجلوس على عرش مدغشقر يؤرقه، وحاول الحصول على دعم بالخصوص من الإمبراطور النمساوي جوزيف الثاني، إلا أنه لم يتمكن من الحصول على تمويل منه.
بنهاية المطاف، أبحر في 25 أكتوبر بعد رحلة طويلة وشاقة إلى أن وصل الجزيرة. على الفور أقنع السكان الأصليين بطرد ممثلي السلطات الفرنسية، وقام بتأسيس عاصمة جديدة هي موريتانيا، اشتقاقا من اسمه "موريتز".
الفرنسيون جمعوا على الفور حملة لمعاقبة بينفسكي، "الملك" المتمرد. تمكنت القوة الفرنسية من التسلل والدخول إلى "موريتانيا". أخذ المغامر ورجاله على حين غرة، وأصابت رصاصة طائشة في بداية الهجوم "الملك" وأردته قتيلا.
عاش هذا المغامر العنيد 40 عاما فقط، جاب خلالها البحار والمحيطات في عدة قارات، وتمكن من الجلوس على عرش مدغشقر مرتين. في أوروبا كتب القصائد والروايات عنه، واختلطت مذكراته بالأساطير. لم تستطع أي قوة أن تروض جموحه وتوقف اندفاعه. فقط رصاصة طائشة تمكنت من فعل ذلك.
المصدر: RT