المشهد جرى في منطقة توشيما بضواحي طوكيو، وتحديدا في فرع البنك الإمبراطوري "تيجين"، عند الساعة 15:00 قبل لحظات من إغلاق البنك لأبوابه مؤقتا بعد الظهر.
دخل رجل يرتدي معطفا طبيا، وقدم الزائر نفسه للعاملين في البنك على أنه عالم وبائيات مكلف من قبل الخدمات الصحية الوقائية لتطعيم الموظفين ضد تفشي مرض الزحار.
تبادل "هذا الطبيب" مع مدير البنك بطاقات العمل، وهو تقليد شائع في اليابان، وبعدها جمع المدير العاملين وعددهم 16 بمن المدير وطفل واحد .
أخرج "الطبيب" قارورتين من حقيبته، إحداهما بها سائل أحمر والأخرى تحمل سائلا شفافا. استعرض أمام الجميع كيفية استخدام الدواء، وأخذ قطرات من السائل الأحمر بماصة، وأسقطه على لسانه، ثم خفف السائل عديم اللون بالماء وشرب. كرر جميع العاملين العملية، وبعد بضعة دقائق سقطوا على الأرض مصابين بتشنجات، وبعد لحظات أخرى فقد 16 شخصا وعيهم. توفى 10 من العاملين في البنك على الفور، ولاحقا لقي اثنان آخران مصرعهما في المستشفى بمن فيهم الطفل الوحيد، فيما نجا أربعة أشخاص فقط.
حمل "الطبيب" من البنك 164000 ين نقدا، وشيكا بقيمة 18000 ين. ولا يعرف لماذا اكتفى السارق الغامض بهذا المبلغ فقط على الرغم من وجود الكثير من الأموال حينها في المصرف وكانت في المتناول.
الشرطة استلمت هذه القضية الغامضة وسرعان ما اكتشفت أن محاولتين مماثلتين جرتا لكنهما فشلتا. الأولى لم يقتنع فيها المدير بادعاء "الطبيب" وفضل الاتصال بوزارة الصحة، الأمر الذي جعل الزائر الغامض يختفي فجأة. وفي المرة الثانية لم تكن الجرعة كافية ولم يفقد العاملون في البنك وعيهم، ولذلك فشلت محاولة السطو.
في محاولة السطو الثانية ترك "اللص" دليلا قاد رجال الشرطة إلى الفاعل. في تلك المحاولة ترك وراءه بطاقة عمل كتب عليها: "الدكتور شيجيرو ماتسوي".
صاحب بطاقة العمل "الكرت" عثرت عليه الشرطة بسرعة، وكانت لديه حجة دامغة مئة بالمئة ببراءته، واستحالة أن يتواجد في ذلك اليوم في الفرع الذي تعرض للسطو وقتل عدد كبير من العاملين به بالسم.
المحققون افترضوا أن يكون الجاني واحدا ممن سبق واستلم بطاقات عمل من الطبيب الحقيقي. من محاسن الصدف أن الدكتور شيجيرو كان رجلا شديد الدقة. في دفتر ملاحظاته، وثق مكان وزمان واسم من تلقى بطاقات عمل منهم، وبالمثل تفاصيل كاملة عمن تلقى بطاقات منه.
في المجموع، وزع الدكتور شيجيرو ماتسوي 539 بطاقة عمل، في حين أن مثل تلك البطاقة التي وجدت في مسرح الجريمة، طبع منها فقط مئة، ووزع منها 92. الشرطة استبعدت 84 اسما من قائمة المشتبه بهم لأسباب مختلفة، فيما توقف المحققون عند آخر 8 أشخاص، عند اسم فنان يحترف الرسم يدعى، ساداميتشي هيراساوا.
في أغسطس عام 1048 جرى اعتقال ساداميتشي هيراساوا البالغ من العمر 56 عاما واتهامه رسميا بالجريمة. نفى الرجل في البداية بشكل قاطع علاقته بعملية السرقة والقتل بالسم، لكن بعد الاستجواب اعترف بكل شيء.
في المحكمة تراجع عن اعترافاته، وادعى أنها أخذت منه عنوة وعن طريق الضغط والرهيب، ومع ذلك قضت المحكمة في عام 1950 بإعدام ساداميتشي هيراساوا، وكان الاعتراف في ذلك الوقت في التشريعات الجنائية اليابانية السائدة يعد سيد الأدلة.
ظهرت لاحقا عدة أدلة تشكك في ذنب هذا الرسام بما في ذلك شهادة أقاربه بوجوده في مكان بعيد عن البنك الذي تعرض للسرقة، علاوة على جدل دار حول طبيعة السم الذي استخدم، كما لم يتعرف بعض الشهود على الطبيب المزيف المحتمل، ناهيك عن عدم مطابقة أرقام الأوراق النقدية التي عثر عليها في بيته مع تلك التي سرقت من البنك!
مع كل ذلك أبقت محكمة الاستئناف على حكم الإعدام، فيما واصل محامو ساداميتشي هيراساوا الطعن في الحكم في المحكمة العليا، إلا أن الأمر لم يتغير.
القانون الياباني يشترط تنفيذ حكم الإعدام بالحصول على توقيع من وزير العدل. طيلة سنوات طويلة تعاقب على هذا المنصب 33 وزيرا، لكن لم يتم التوقيع على قرار إعدام هذا المدان.
بقي هيراساوا ينتظر تنفيذ عقوبة الإعدام طويلا، وبحلول عام 1987 وكان ناهز من العمر 95 عاماـ تدهورت صحته بشكل حاد، وفيما أرسل محاموه التماسا بالعفو عن موكلهم إلى الحكومة اليابانية ولم يجد من يهتم به، رحل ساداميتشي هيراساوا عن هذا العالم في 10 مايو عام 1987، وهكذا لا يعرف على وجه اليقين، هل رحل عن الحياة رسام تعيس وسيء الحظ، أم مجرم وقاتل خطير؟
المصدر: RT