والأشخاص الوحيدون الذين، يجدون أنفسهم لأسباب مختلفة في عزلة جسدية ونفسية، وليس بالضرورة قسريا، هم محرومون من الروابط الاجتماعية الحيوية. أي إنهم يبتعدون كثيراً عن الناس. لكنهم لا يتحررون بذلك، بل ان الكثيرين منهم يعانون من مشاكل، لا ذهنيا فحسب بل تتجلى الوحدة لديهم جسديا أيضا. هذا ما اقتنع به العلماء البريطانيون والنمساويون، الذين نشروا حججهم هذه في مجلة Psychological Science.
وقد شارك 30 بالغا في الدراسات المختبرية. وفي سلسلة واحدة من التجارب، كانوا يتعرضون للجوع طوال اليوم، وفي سلسلة أخرى، كانوا يأكلون كالمعتاد، لكنهم لم يتواصلوا مع أي شخص، أيضا طوال اليوم، وتم رصد حالة كل من "الجوعان" و"المستوحد".
وكانت المؤشرات الفيزيائية تشبه بشكل مدهش تلك التي جمعها العلماء قبل ذلك بقليل، حيث رصدوا ما يقرب من 100 مريض، تم عزلهم فعلا بسبب COVID-19 وكانت حالتهم دليلا على الاكتئاب والانخفاض الملحوظ في مستويات الطاقة. لكن الشيء الأكثر إثارة للدهشة هو أن "المستوحدين" - المختبَرين والحقيقيين - عانوا من نفس التعب الذي يعاني منه أولئك الذين كانوا يتضورون جوعا لمدة 8 ساعات.
وربما يتوفى الأشخاص المحبون للعزلة من الإرهاق النفسي والجسدي في كثير من الأحيان قبل الأوان.
بالمناسبة، أظهرت الدراسة التي أجراها زملاؤهم النمساويون والبريطانيون، وعلماء النفس من جامعة ولاية أوهايو، ونشرت في نفس مجلة العلوم النفسية، أن الوحدة تُضر أيضا بالحالة الفسيولوجية وخاصة في المواقف العصيبة. وأن الأشخاص المحرومين من التواصل الاجتماعي تنخفض مناعتهم، وتنتج أجسامهم المزيد من السيتوكينات "السيئة"، بصفتها موادَّ تساهم في تطوير العمليات الالتهابية.
خلاصة القول أن هواة العزلة هم أشخاص خطرون.
بينما لا يحب غالبية الناس أن يكونوا بمفردهم حقا، وذلك على الرغم من الاعتقاد الشائع أنك بحاجة إلى أن تكون وحيدا من وقت لآخر. وأثبت علماء النفس الأمريكيون بقيادة البروفيسور تيموثي ويلسون، من جامعة "فيرجينيا" منذ 10 أعوام أن الكثير من الناس يفضّلون ويؤثرون أي عمل حتى ولو كان غير ممتع على الشعور بالوحدة.
شارك في التجربة أكثر من 800 شخص، من بينهم رجال ونساء، صغار وكبار، مثقفون وغير شديدي الذكاء، طلاب، موظفون، عمال. وباختصار أولئك الذين يمثلون بالذات مجموعة متنوعة من المتطوعين.
وكان على الأشخاص الجلوس في صمت في غرفة منعزلة. واستغرق الأمر 15 دقيقة فقط لتقضيها بمفردك منهمكا في بعض أفكارك. لكن كان من المستحيل الاستماع إلى الراديو ومشاهدة التلفزيون والقراءة والنوم، وبالطبع، لم يُسمح باستخدام الهواتف المحمولة وغيرها من الاجهزة.
في هذه السلسلة من التجارب، لم تكن هناك فروق ذات دلالة إحصائية بين الجنسيْن، واعترف غالبية المتطوعين للأستاذ بأنهم، بغض النظر عن الجنس والعمر، واجهوا صعوبة في اجتياز الاختبار.
وقال البروفيسور ويلسون: "اتضح أن من الصعب جدا عليك ترفيه نفسك بطريقة ما بمساعدة عقلك فقط".
ويرى العالم أن سبب ذلك يكمن بالمقام الأول في الأجهزة الحديثة والشبكات الاجتماعية، التي أصبح الكثير منا عبيدا لها. وحتى في أثناء اللقاءات الرومانسية، يكاد لا ينفصل "العشاق" عن هواتفهم المحمولة .
المصدر: كومسومولسكايا برافدا